في هذا الحوار يحلل حميد برادة، الصحافي في مجلة جون أفريك، مآلات الربيع العربي. يصف الوضع في سوريا بالكارثي، وفي تونس بالأحسن حالا، وفي مصر، بغياب الأفق الأديموقراطي، وفي ليبيا بالغموض. ويتحدث عن علاقة القصر بالإسلاميين في المغرب. هل يمكن القول أن الإسلاميين في المغرب كسبوا ثقة القصر بعد الربيع العربي، وما مدى صحة مخاوف البعض من تحالف القصر مع الإسلاميين على حساب الحداثيين؟ الربيع العربي أكد الاستثناء المغربي تاريخيا وسياسيا. ومن معطيات هذا الاستثناء وجود تعامل مختلف من طرف القصر مع الإسلاميين، بحيث لم تكن هناك فقط المقاربة البوليسية، إنما كان دائما هناك تعامل سياسي معهم. لقد كان الإسلاميون دائما تحت المراقبة، ودخلوا السجن، لكن كان هناك نقاش سياسي معهم، قاده في إحدى الفترات إدريس البصري، وزير الداخلية الراحل، وكانت هناك محاولات لدخولهم لحزب الاستقلال، ثم حزب عبد الله إبراهيم، ثم نجح تحالفهم مع حزب الخطيب. إذن التعامل السياسي كان قائما، ويمكن القول إنه كانت هناك خطوبة بين القصر والإسلاميين قبل الزواج بوصول ابن كيران للحكومة. وهذا لم يحدث في مصر وتونس، حيث خرج الإسلاميون من السجن الى الحكم. أما عن تحالف القصر مع الإسلاميين ضد الحداثيين، فهذا ليس من مصلحة القصر، ولا ربح له فيه، و هو لا يحتاج لهذا التحالف، بل إن قوة القصر في تواجده فوق الجميع. اعتقد أن دور القصر هو أن يساعد الإسلاميين على أن يكونوا تيارا سياسيا طبيعيا في المجتمع. لكن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة وخروج الهمة من القصر سنة 2007، فسر على انه جاء لقطع الطريق على الإسلاميين، فهل تغيرت هذه المقاربة؟ اللغة التي تحدث بها فؤاد عالي الهمة، في قناة دوزيم، بعد انتخابات 2009، تظهر أنه جاء لقطع الطريق على الإسلاميين، وهو نفس التفسير الذي أعطي لتأسيس كل من حزب البام، وحركة لكل الديموقراطيين، لكن اليوم أعتقد أن الأمور تغيرت، وابن كيران لم يظهر أي عداوة للقصر تبرر خلق حواجز أمامه في المستقبل . لكن هناك توتر مع القصر؟ التوتر موجود، ويعبر عنه ابن كيران بعبارة التماسيح، لكن لا يجب أن ننسى أن ابن كيران خرج ناجحا من أزمته مع حزب الاستقلال، وذلك لمساعدة القصر. لا يجب أن ننسى أن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن له قرار مستقل للمشاركة في الحكومة الثانية. اعتقد أن ابن كيران كسب أكثر بدخول الأحرار للحكومة. هناك من يعتبر أن الحكومة الثانية لابن كيران كانت ردة عن المسار الاول الذي انطلق مع الربيع العربي ؟ بالعكس، أعتقد أن المغرب كان مفاجأة الربيع العربي، ويمكن أن أشبهه بالمفاجأة التي حققها فريق الرجاء البيضاوي في مونديال الأندية. هناك ثلاث عناصر أساسية تحسب للمغرب، وهي الاستقرار، الملكية، والتعامل السياسي من خلال الدستور. صحيح أن ابن كيران واجه مشاكل مع شباط، لكن أعتقد أن النسخة الثانية من الحكومة كانت أفضل لأن ابن كيران أدخل التقنوقراط من أجل تحسين عمل الحكومة، وارى أن حزب الأحرار أفضل لابن كيران من حزب الاستقلال. هناك من يفسر ما يوصف بردة الربيع العربي بما يسمى الدولة العميقة؟ لا أعرف ما معنى الدولة العميقة. إذا كان المقصود مثلا في تونس، بقايا نظام بنعلي، فهذا أمر مؤكد لأنهم موجودبن، ولم يقتلهم أحد، وهم قوة سياسية لا يمكن ان تختفي بسرعة. لا أستبعد أن يكون لهم دور سري في ما يجري. أما في المغرب، فإذا كان المقصود بالدولة العميقة القصر، فإن القصر له قوة معروفة وله تأثير واضح. طبعا هناك من فسر ما حدث من صراع ابن كيران وشباط بوجود توجيه من القصر. وأنا أرى أنه ليس ضروريا أن يكون ما حدث بتوجيه ما. بل من الممكن أن نفسر سلوك شباط، بمقولة "حمقى وقالوا لها زغرتي". أعتقد أن الأمور تتغر في المغرب. فقد اعتادت الطبقة السياسية على تدخلات القصر أكثر من اللازم في السابق، لكن هذا الأمر تغير، ويجب أن نكف عن تفسير ما يجري في الحاضر بممارسات الماضي. وعموما فأنا متفائل بالنسبة للمغرب. ما هو انطباعك حول ما يجري في دول الربيع العربي؟ أول انطباع لدي، هو أننا بصدد كارثة. الربيع العربي لم يتحول فقط إلى خريف للإسلاميين، بل تحول إلى كابوس. أخشى أن تكون المرحلة المقبلة، أكثر كارثية على العالم العربي، لأننا إزاء كابوس، وكوارث إنسانية وسياسية. لعل النموذج السوري، هو الذي يتبادر للذهن عند حديثك عن الكارثة؟ سوريا نموذج صارخ للكارثة.من الصعب اليوم الحديث عن وجود ثورة في سوريا.هذه حرب أهلية داخلية، تتفرج عليها دول الجوار، وتتدخل فيها، ونظام الأسد أظهر قدرته على السيطرة على الوضع، ومن المرجح أن يستمر هذا النظام في الحكم. الشعب السوري أصبح في وضع صعب، وحكم العلويين السوريين تقوى ولم يتراجع، وقد أظهر النظام قدرته على المناورة السياسية، خاصة عندما أطلق سراح المعتقلين الإسلاميين في بداية الاحتجاجات في سوريا، حيث ساعد هذا في تقوية هذا التيار، بحيث أصبح حاليا يعيش حالة حرب مع الجيش الحر، في حين النظام يتفرج. وبخصوص الموقف الأمريكي فقد اتضح أن أمريكا لازالت قوة عظمى، لكنها أصبحت تتبنى، سياسة جديدة قائمة على عدم التدخل العسكري، والانسحاب من أماكن التوتر ، والبحث عن تطبيع مع دول مثل إيران. وأقد أظهرت هذه الأزمة، نجاح روسيا ودورها الحاسم في تحقيق توافق مع أمريكا. وعموما أرى أن المنطقة تتجه الى حرب بين الشيعة والسنة. ماذا عن مصر؟ أظهر تجربة مصر، أن الإسلاميين كانوا يحتاجون الى سنة من الحكم فقط لتضييع شعبيتهم. لقد أظهروا عدم كفاءة في تسيير الأمور، وسيطرت عليهم العقلية الحزبية، ونسوا أن مجتمعهم فيه نسبة مهمة من المسيحيين وحركة نسوية قوية، ولهذا وضعوا دستورا حزبيا، مما أدى إلى تمرد الشعب المصري عليهم. وهنا أريد أن أقف عند حيوية المجتمع المصري، وخاصة الدور الذي لعبه البرنامج الساخر لباسم يوسف، كظاهرة فنية وسياسية، ومن المؤسف أن هذا صاحب البرنامج أقبر نفسه عندما تعاقد مع قناة MBC. المثير أن الجيش انتهز الفرصة، لتصفية الإخوان، وللسيطرة على المجتمع من جديد، ولهذا أدخل قادة حركة تمرد الى السجن، وقد تم وضع دستور يضع كل القرارات الأساسية في يد الجيش. وأعتقد أن كل هذا يظهر أن الجيش في مصر ليس له أي تطلع ديموقراطي. إلى أين تتجه مصر في ظل هذا الوضع؟ أعتقد أن مصر تبحث عن ناصرية جديدة، من خلال ترشح الجنرال عبد الفتاح السيسي، لكن هذا لن يكون سهلا، لأن الإخوان، لن يجعلوا مهمته سهلة. لهذا أشك أن يكون مستقبل مصر مستقرا، كما أن المستقبل الديموقراطي في مصر مشكوك فيه. ماذا عن الحالة الليبية؟ الوضع في ليبيا كان متوقعا، لأن البلاد كانت تعرف أصلا مؤسسات هشة يسيطر عليها القذافي، الذي شجع النظام القبلي، وبعد نهاية زعيم الجماهيرية، بقيت القبائل، التي أصبحت تنضوي تحت حوالي 300 ميليشيا مسلحة. والآن الصراع قائم بين الميليشيات حول اقتسام عائدات البترول. ولهذا من الصعب توقع استقرار الوضع في هذا البلد. وفضلا عن هذا فإن ليبيا تحولت الى معقل للجهاديين خاصة القادمين من تونس. ماذا عن تونس؟ تونس توجد في وضع أحسن مقارنة مع الدول التي سبقت الإشارة لها. كنا ننتظر أن تفرز تونس كفاءات في التسيير بالنظر للتقدم الذي عرفه هذا البلد في مجال الثقافة والتكوين، لكن تسيير حزب النهضة أظهر محدودية وعدم كفاءة. وهذا أمر طبيعي، فهؤلاء خرجوا من السجن الى الحكم، مثلا علي العريض وحمادي الجبالي، قضيا سنوات في السجن في عهد بنعلي. لكن الإيجابي في تونس هو حيوية المجتمع المدني التونسي وقوة الحركة النسوية فيه. لكن هناك صعوبات مثلا فقد قضى التونسيون 3 سنوات من الجدل لإخراج دستور للبلاد، وهنا من المفيد النظر الى التجربة المغربية حيث تم إخراج دستور جديد بسرعة وبمشاركة الجميع، ورغم ما قيل عن هذا الدستور فإنه يبقى وثيقة مهمة خرجت في ظروف معقولة، وهذا لم يحصل في تونس التي لم تعش تجربة التعددية الحزبية، لدرجة أنه بعد الثورة تأسس فيها 150 حزبا دفعة واحدة، لكن غياب عقلية التعددية جعلت الحوار حول الدستور صعبا. أريد أن أشير هنا إلى أن التعددية الحزبية في المغرب رغم ما يقال عنها، فإنها فريدة في العالم العربي، فحتى في فترات التزوير من طرف الحسن الثاني وإدريس البصري فقد كان هناك احترام للتعددية.