هل تشهد السنة ال17 من حكم الملك محمد السادس، سقوط طابو التجديد لرئيس حكومة، ليستمر ولاية ثانية، أم يفضي التفاوض الجاري إلى حلّ «وسط» يقضي باحتفاظ الحزب برئاسة الحكومة في حال تصدره الانتخابات، مع تغيير الرئيس؟ «حكومة بنكيران تعيش حاليا بالضبط المخاض نفسه الذي عاشته حكومة اليوسفي في نهايتها»، يقول السياسي الاستقلالي المخضرم، والوزير السابق، امحمد الخليفة، عن المقارنة بين الحكومتين. «هناك قوة حقيقية تريد أن تمنع كل قوة صعدت عبر الاقتراع إلى الحكومة، من أن تعيد الكرّة في شخص الوزير الأول نفسه، وهو مبدأ سار منذ 1977 إلى الآن»، يضيف الخليفة في إشارة منه إلى صهر الملك الراحل الحسن الثاني أحمد عصمان، الذي كان الوحيد الذي تجدد تعيينه وزيرا أول في 1977 بعد انتهاء ولايته، لكنه لم يعمّر في حكومته الثانية سوى سنة ونصف. «كأن المغرب محكوم مبدئيا بأنه لا يمكن أن يعيد رئيس الحكومة الولاية، وهذا هو الطابو الذي يجب أن يكسر، ومن يحصل على ثقة الشعب هو الذي يجب أن يبقى في الحكومة، وهذا الأمر دستوري، لكن القوى التي لا تريد الخير للمغرب تحاول أن تجعل ذلك مستحيلا، والدليل هو ما نشاهده اليوم، فحكومة بنكيران ليست مستهدفة، لكن المطلوب هو رأس بنكيران». التناوب الثاني في لحظة الإعلان رسميا، عن تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة بعد انتخابات 25 نونبر 2011؛ لم يقارن أحد بين الحكومة الجديدة التي خرجت إلى الوجود في خيمة ملكية بمدينة ميدلت الجبلية، وبين سابقتها التي كان يرأسها الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، ولا بحكومة التقنوقراطي إدريس جطو، بل سارع الجميع إلى اعتبار الحدث «تناوبا ثانيا»، بعد ذلك الذي قاده الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي. وشكّلت هذه المقارنة شحنة إيجابية جديدة ل«الوافد الجديد» على مربع السلطة، الزعيم الإسلامي عبد الإله بنكيران، لما تمثله تجربة التناوب «التوافقي» من رمزية، وما مثّله صعود المعارضين اليساريين السابقين حينها إلى الحكومة من دلالة على تجاوز مرحلة سوداء من التاريخ الحديث للمملكة. قرأ الجميع في تلك اللحظة تصحيحا حقيقيا للمسار الديمقراطي، وعودة فعلية للمنهجية الديمقراطية بعد حكومة عباس الفاسي الضعيفة. أبرز ما ميّز اللقاء الأول، الذي حظي به بنكيران مع الملك محمد السادس، ذلك القسم الذي أداه بنكيران واقفا أمام الملك، على أن يكون وفيا للملك وللوطن. فقصة هذا القسم أمام الملك وحّدت رئيس حكومة الربيع العربي من جديد مع زعيم معارضي الحسن الثاني، عبد الرحمان اليوسفي، لحظة الاتفاق معه على تشكيل حكومة التناوب. وفيما كان قسم اليوسفي سريا وعلى مصحف قرآني، وظلّ فحوى الاتفاق سرا من أسرار الملك والمعارض السابق، وقف عبد الإله بنكيران، زعيم معارضي اليوم داخل المؤسسات، أمام الملك محمد السادس مكرّسا بذلك فكرة لجوء القصر إلى أداء معارضيه، الذين يعتلون السلطة، اليمين التي تضمن وفاءهم له قبل مباشرتهم لمهامهم. تساؤلات كثيرة أثارها قسم بنكيران حول السند الذي استمدّ منه هذا الإجراء غير المعتاد، حيث لم يسبق لأي من الوزراء الأولين السابقين أن أدوا القسم أمام الملك أثناء تكليفهم بتشكيل الحكومة، أي عند تكليف كل من إدريس جطو عام 2002، وعباس الفاسي عام 2007، بل كان ذلك يتم أثناء حفل تنصيب الملك لجميع أعضاء الحكومة. تنازلات مبكرة عبد الإله بنكيران، بدوره، بنى خطابه السياسي وتحركاته، منذ المرحلة السابقة لانتخابات 25 نونبر 2011، على مدّ جسور الثقة بينه وببين الملك. وقد يكون أكثر المواضيع التي تحدّث فيها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، قبل وبعد تعيينه في هذا المنصب كسابقة تاريخية في علاقة صاحب قرار التعيين (الملك) بالملتحين من الفاعلين الحزبيين، هو موضوع المؤسسة الملكية ومركزيتها في اتخاذ القرار السياسي في البلاد. وما إن انتهت المشاورات، ودخل بنكيران القصر الملكي بالرباط، دخولا رسميا رفقة ثلاثين وزيرا اختار جلّهم وقبل بعضهم، حتى بدأ في إعلان مضامين اتصالاته بالملك، وعبارات ثناء هذا الأخير، ودعمه للحكومة الجديدة وتوجهها الرامي إلى اقتلاع الفساد، وإنقاذ البلاد من أخطار أزمة اقتصادية تحاصرها من كل الجهات. تصريحات أنست الجميع الخطب النارية التي ألقاها صاحب اللحية البيضاء، قصير القامة، منذ انتخابه أمينا عاما لحزب «الإسلاميين» المغاربة؛ مشتكيا التضييق والحصار ومحاولات الإقصاء. علاقة الحكومة الجديدة بالقصر وساكنيه استأثرت بالاهتمام ليس فقط بالنظر إلى التجارب السابقة والمستجدات الدستورية، بل لعلاقة الصراع الطويلة التي جمعت حزب رئيس الحكومة الجديد بأحد أقرب المقربين إلى الملك، مستشاره الحالي وزميل دراسته فؤاد عالي الهمة. رئيس الحكومة الحالي، عبد الإله بنكيران، كان أحد أول مهنئي المستشار الملكي، الهمة بعد تعيينه في هذا المنصب، بعد حرب حامية، خاضها ضده إلى وقت قريب، بل إن رئيس الحكومة لم يجد حرجا في إعلان أن أكثر من يتصل به من داخل الديوان الملكي، هو المستشار فؤاد عالي الهمة. ورفقة هذا الأخير، لاحظ المراقبون التعيينات الملكية المكثفة، لعدد من المستشارين، على غير العادة، حيث كانت هناك كثافة في التعيينات رغم الاختلاف في التعليق عليها وتقييمها، فهناك من اعتبرها منطقية بحكم أن الدستور يحدد صلاحيات المؤسسة الملكية، وبالتالي، يجب توسيع دائرة الاستشارة بشأن أكثر من مجال اقتصادي واجتماعي وسياسي، في حين توجس آخرون وتحفظوا وتساءلوا عمَّ إن كان ذلك تأسيسا لحكومة الظل أو الحكومة الحقيقية، ثم تلا ذلك تعيين العديد من السفراء دون انتظار تشكيل الحكومة، ومساهمتها في اقتراح تعيينهم، وبعده جاء تعيين بعض الوزراء من خارج الأحزاب السياسية، ما طرح مشكل وزارات السيادة ومحاسبة الوزراء.