«الكلام، ومن باب أولى إلقاء الخُطب، ليس هو التواصل، إنه الإخضاع»! في سياق «الاستثناء المغربي» يبدو، لأول وهلة، وكأن هذا الكلام من بنات أفكار أحد «زعماء» المعارضة، وهو يشتكي من «الحُگرة» (الحقيقية أو المفترضة) التي «يسلطها» عليه وعلى نظرائه هذا «الوحش السياسي» الذي يحمل اسم عبدالإله بنكيران. للأسف، لم يقلها أحدهم بهذا الحسم، ولو قالها ما كان ليلتفت إليه أحدٌ في الواقع! لم يقل هذه «الحكمة»، التي نحتاجها في خضم «الصراع السياسي» الحالي، غير السيميولوجي الكبير الفرنسي الراحل رولان بارث. تذكرت هذا الكلام وأنا أسمع، أول أمس، «قرْصات» كبير إسلاميي المؤسسات في «تْبوريدته» على ممثلي الأمة، ومن خلالهم، كل المغاربة الذين كُتب الله لهم (أو عليهم) أن يكونوا في تلك اللحظات أمام الشاشة الصغيرة. كلامٌ كثيرٌ قاله رئيس الحكومة لم يتجاوز «الخُطبة»، وهي هواية قديمة وراسخة لدى الرجل، لكنه لم يكن تواصلا، بل كان، وفي إطار المنطق البارتيزي، إخضاعا لكل من قال «لا» له، وكأنه يريد للمعارض أن ينطبق عليه قول الفرزدق في زين العابدين علي بن الحسين «ما قال لا قطّ إلا في تشهده.. لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ»! وهنا أتفهم من يدفع، خصوصا في البرلمان، بالتوجه «التحكمي» لرئيس الحكومة، وهو الذي ظل يشتكي، ردحا من الزمن، من «التحكّم»! وعندما نقول إن الرجل لا يعرف، أو لا يعترف بشيء اسمه «التواصل»، فالدليل هو ما قاله، هو نفسه، في إطار حفل «التبوريدة» ذاته، عندما قال «حْنا ما كنعرفوش نْديرو الإشهار»، و«علاش نْعام آ السي؟!»، «كنا كنگولو بلا جْميل»، يقول بنكيران. أولا، هناك خلط لدى رئيس الحكومة بين «التواصل» و«الإشهار»، لأننا في إطار «مؤسساتي»، ولسنا في معرض «تسويق تجاري»! ثم إنه عندما يقول بأنه لن يلجأ إلى شركة للإشهار، فالأمر يستحق توقفا آخر، لنتساءل، هل الرجل يغفل أهمية التواصل إلى هذه الدرجة، بحيث مازال «نية»، كأن ديوانه وحكومته لا يضمّان من يعرف قيمة التواصل؟! أشك في هذا لأن بنكيران استقدم، في زمن المعارضة، خبيرة شابة وغير مُحجّبة من شركة إشهار، تابعة لنور الدين عيوش، إلى حزبه! أظن، والله أعلم، أنه فقط، يحاول أن يصور لنا تواصله كأنه تلقائي (وهذا صحيح في كثير من جوانبه، ويبدو فيه غياب أي خبرة تواصلية من الغير)، وليس خاضعا ل«قوالب» تواصلية (التي غالبا ما ترتبط في المِخيَال العام بالتكلف الذي يصل أحيانا إلى الكذب، خصوصا عندما يتعلق الأمر ب«الدعاية» الحزبية أو الرسمية). ثانيا، عندنا يقول «بْلا جْميل»، فهذا يتنافى مع منطق السياسة ومنطق التواصل السياسي، لأن كل حزب إنما يسعى، بالضرورة، إلى الوصول إلى الحكم إن كان في المعارضة، أو البقاء في السلطة إن كان في الحكومة. ومن هذا المنطلق، تكون «البرامج» و«الإنجازات» هي «الجميل» ووقود التواصل الذي لا غاية لوجوده، في النهاية، غير الحصول على أصوات الناخبين. ثالثا، أُحب أن استشهد هنا بخبير مغربي في التواصل، وهو الدكتور عبدالناصر فتح الله الذي أصدر كتابا، قبل 11 سنة، تحت عنوان «صفِّقوا لخُطبة الزعيم!»، ما دمنا في سياق خطبة الزعيم بنكيران الذي يُحاط، بسبب «شعبويته»، بهالة من الإعجاب... وهنا أقتطف فقرة من الكتاب جاء فيها: «وقد يصل الحالُ أحيانا إلى اعتبار السلبيات الاتصالية للزعيم علامات مميزة تمنحه هالة قدسية لدى بعض مناضليه، على وجه التحديد. فيصبح طرد صحافي ما مثلا علامة على الكاريزمية والشجاعة السياسية، وحشر أنف المسؤول السياسي في العمل الصحفي دليلا على موسوعيته، ولا يجرؤ أحد من مناضلي الحزب على تنبيه الزعيم لسلبياته ومجالات ضعفه». أرأيتم كيف ينطبق هذا الكلام على رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية؟! يعلم الكل الآن بعلاقة بنكيران المتوترة، على الدوام، بالصحافيين، ولاحظنا أيضا كيف كان بعض إخوان «الپيجيدي» يتوعدون كبيرَهم بالمحاسبة في مجلسهم الوطني، المنعقد في نهاية الأسبوع الأخير، لكن، في اليوم الموعود «قطعت جهيزةُ قولَ كلِّ خطيب»!