بعد أيام من دعوة الرابطة المغربية لحقوق الإنسان إلى فريق العمل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي لتحرير المرضى النفسيين المحتجزين بضريح «بويا عمر»، أغلقت السلطات المحلية الضريح الذي عرف باحتجاز المرضى داخله وفي ظروف صعبة جدا لم تمض سوى أيام قليلة على الطلب الذي تقدمت به الرابطة المغربية لحقوق الإنسان إلى فريق العمل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، الذي زار المغرب مؤخرا، والداعي إلى تحرير المرضى النفسيين المحتجزين بضريح «بويا عمر» بإقليم قلعة السراغنة، وإنقاذهم من التعذيب الممارس عليهم، حتى أقدمت السلطات المحلية، ممثلة في دائرة العطاوية وقيّادة واركَي، على إغلاق الضريح في وجه حفدة الولي الصالح بويا عمر ومنعهم من الاستفادة من الإتاوات أو»الفتوح»، التي يقدمها الزوار وعائلات المرضى. رد فعل حفدة الولي لم يتأخر كثيرا، فقد دخل المنتمون إلى الفرع المحلي لجمعية شرفاء سيدي رحال البودالي في اعتصام مفتوح منذ نهاية الأسبوع المنصرم، يتلون «اللطيف» جماعيا بمقر الضريح، احتجاجا على قرار الإغلاق، الذي يعتبرونه «جائرا وغير قانوني ويتنافى والأعراف الجاري بها العمل بجميع الأضرحة الموجودة داخل المغرب»، ومطالبين بتطبيق الظهير الشريف المتعلق بتوقير الشرفاء الرحّاليين. الاعتصام المفتوح بضريح بويا عمر قابلته السلطات بإنزال أمني مكثف مشكل من العشرات من عناصر القوات المساعدة والدرك الملكي، وسط حديث عن تدخل أمني عنيف لمحاولة فك الاعتصام، أسفر عن إصابة أحد المتظاهرين بجروح نُقل على إثرها إلى المستشفى المحلي بالعطاوية. في المقابل، أكد رئيس دائرة العطاوية بأن القرار لا يتعلق بإغلاق الضريح، وإنما بإخلائه من المشرفين عليه، بسبب النزاعات المستمرة بين الحفدة المتحدرين من دوار»الطواهرة» من جهة، وباقي الحفدة المنتمين إلى الدواوير الأخرى بالمنطقة، والذين يدّعون بدورهم نسبهم إلى الولي الصالح بويا عمر، ويزعمون بهذه الصفة أحقيتهم في المداخيل المالية التي يحققها الضريح والأملاك التابعة له، مضيفا بأن اجتماعا التأم مع المعتصمين خلص إلى تكليف السلطة المحلية بإخلاء الضريح من الأحفاد المتنازعين درءا لأي مواجهة بينهم، وحتى يتسنى الإعداد الأمثل للموسم السنوي للولي، والذي من المقرر أن ينظم بين 6 و12 يناير المقبل، بمناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي. وكان المئات من سكان بويا عمر نظموا، قبل سنتين، مسيرة احتجاجية، انطلقت من مركز الجماعة قاطعين خلالها أكثر من خمسة وأربعين كيلومترا مشيا على الأقدام باتجاه مقر ولاية جهة مراكش تنديدا بما وصفوه ب»تحول منطقتهم إلى غوانتنامو للمرضى النفسيين بالمغرب»، وشاجبين سياسة صم الآذان التي ينهجها معظم المسؤولين وعدم اكتراثهم بما أضحت تعانيه المنطقة من الاحتجاز القسري والاستغلال والمعاملة الوحشية للمرضى النفسيين، وعجزهم عن التصدي للنفوذ المتعاظم الذي تمارسه الجهات المستفيدة من الوضعية الحالية، والتغطية والحماية التي توفرها بعض الأطراف السياسية بالإقليم للمهيمنين على مداخيل الضريح. وإذا كانت الأرقام الرسمية تتحدث عن أكثر من 1080 نزيلا ببويا عمر، حوالي 356 منهم من النساء، معظمهم من ضحايا الإدمان على المخدرات الصلبة والخفيفة، فإن أبناء المنطقة يقدرون أعدادهم بالآلاف، متحدثين عن تعرضهم للتكبيل والتصفيد وللاضطهاد ولأبشع أنواع الاستغلال المادي والجنسي، خاصة المرضى الذين لم تعد تقوى أسرهم على رعايتهم والسهر على علاجهم، والذين تركتهم رهن الاحتجاز داخل دور سكنية تكتظ بالمختلين عقليا والمرضى النفسيين، وتفتقد لأدنى شروط النظافة والرعاية الصحية، بمقابل مالي يتراوح بين ثلاثين ومائة وخمسين درهما لليلة الواحدة، بينما توفر دور سكنية أخرى، والتي أصبحت معروفة بجماعة بويا عمر ب» إقامات خمس نجوم»، لنزلائها، من أبناء الأسر الغنية، ظروفا أحسن ووسائل الترفيه. ويتساءل سكان المنطقة عن مآل التعهدات التي كانت التزمت بها مؤسسة العمران، في شخص مديرها الجهوي السابق، ووزارة الصحة، بتشييد مركب اجتماعي بجماعة بويا عمر يحوي مستشفى للأمراض النفسية ومرافق اجتماعية وترفيهية، ويمحو الصورة القاتمة والسيئة عن هذه الجماعة القروية المهمشة والمعزولة، والتي أصبحت معتقلا مفتوحا يعج بمرضى يحتاجون إلى متابعة صحية ونفسية.