لا يستقيم الحديث اليوم عن حالات الاحتجاز التي يتعرض لها الأطفال والنساء والشيوخ، أيضا، لسنوات داخل غرف وحجرات بسبب مرض نفسي ألم بهم، دون أن نستحضر واحدا من أكبر «المعتقلات» التي تكاد تتخصص في عمليات الاحتجاز القسري لشهور وسنوات. إنه بويا عمر، أو «المعتقل العلني» الذي تعتقل فيه النساء والرجال والأطفال، لا لشيء، إلا لأنهم مرضى نفسيون كانوا في حاجة لعلاج طبي سليم. بويا عمر اليوم هو علامة مميزة من علامات الشعوذة التي لا تزال تجد لها مكانا بيننا. وبويا عمر، المتواجد بمنطقة العطاوية جنوبمراكش، هناك على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا من مدينة قلعة السراغنة، هو الضريح الذي فاقت شهرته حدود المغرب وأصبح له صيت عالمي. لكنه صيت يكشف كيف أن علاج الأمراض النفسية لا يستقيم بالجلسات الطبية ولا بالأقراص، ولكنه يتم بواسطة الاعتقال والضرب والتعذيب. لذلك قدمت لنا الكثير من الشهادات حكايات معتقلين دخلوا هذا المكان وهم يعانون من بضع نوبات نفسية ليغادروه جثثا هامدة. يعتقد الكثيرون أن الصرع، وتحديدا مرض الفصام الذهني، المعروف ب«الشيزوفرينيا»، ليس مرضا نفسيا في حاجة لحصص علاجية، ولكنه مس بالجن. وهذا المس في حاجة لعلاج خاص يعتبر بويا عمر واحدا من المتخصصين فيه، حيث يقوم حفدة الولي، أو الذين يلقبون ب«موالين الإذن»، بالعمل على إخراج هذا الجني من جسد المريض. وداخل الضريح، توجد غرف مخصصة للعلاج، وهو علاج يعتمد على الضرب والتعذيب، بعد أن يتم تكبيل المريض بالسلاسل والرمي به في حلكة الظلام. لا تتم هذه العملية بالمجان أو طلبا للأجر، ولكنها حصص تطبيبية خاصة، بمقابل، حيث تدفع الأسر عن المريض أجرا شهريا يتراوح بين 500 وألف درهم، حسب حالة المريض. لذلك كثيرا ما وجدت بعض الأسر في هذه الطريقة وسيلة للتخلص من ابن لها أصيب بمرض نفسي، خصوصا أولائك الذين يوصفون بالعنف. في منطقة العطاوية، على بعد ثلاثين كيلومترا من قلعة السراغنة، لا يمكن للزائر أن يتوه عن المكان. قبة وضريح، وكل مستلزمات الزيارة، يحكي بعض الذين نقبوا في سيرة بويا عمر، أن أول ما يقوم به حفدة الولي هو أنهم يفرضون على المريض شرب ماء ممزوج بالتراب يقال إنه ماء النهر المقدس. أما الحكمة في ذلك، فهي التطهر قبل الدخول في حصص العلاج، أو لنقل حصص التعذيب، لأن العملية تتلخص في الضرب المبرح أحيانا لجسد المريض لإخراج الجن الساكن فيه. مباشرة بعد ماء النهر المقدس، يتم تكبيل المريض بالسلاسل ووضعه في قبو أو حجرة رفقة عدد كبير من المرضى، ذكورا وإناثا. ولا غرابة أن هذا الاعتقال قد يمتد لأشهر، حيث يمنع على البعض الخروج إلى الشمس أو لقضاء الحاجة. ولذلك تصبح هذه الغرف نتنة ومتسخة بكل أنواع القاذورات. أما أولئك الذين تتخلف أسرهم عن أداء الواجب، فيجدون أنفسهم خارج القبة، حيث يبيتون في العراء ويقتاتون من صدقات الزوار. كان لا بد لهذا الوضع أن يثير الكثير من المتتبعين من أطباء وحقوقيين ومهتمين، خصوصا بعد أن كشفت الكثير من وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية عن تفاصيل هذا المعتقل العلني، الذي يحتجز فيه المرضى. وعلى الرغم من كل المطالب التي دعت إلى إغلاق ضريح بويا عمر وإطلاق سراح معتقليه، ظلت السلطات المعنية غير مكترثة بالأمر. والحصيلة هي أن الأسر التي تكتشف بينها مريضا بمرض نفسي ولا تقوى على احتجازه في غرفة من غرف البيت، تقوم بحمله إلى هذا المعتقل وتؤدي بموجب ذلك أجرا شهريا. تحكي بعض الروايات أن بويا عمر هو واحد من أولياء المنطقة، الذي انتقل إلى تامكروت جنوب المغرب لتلقي العلم. وهناك كسب من العلم، كما يشاع خلال شهر ما كسبه آخرون من العلم والمعرفة خلال أربعين سنة. وحينما عاد إلى منطقته بالعطاوية، أنشأ زاوية لتعليم علوم الدين للإنس وللجن أيضا. ومن تم كسب شهرته التي تقول إنه كان قادرا على تخليص المصابين بالمس. غير أن اعتقادات أهل المنطقة ستحول هذا الضريح إلى مستشفى للعلاج بطرق خاصة، عنوانها الضرب والتعذيب والاعتقال. ولا يخفي الكثير من الاختصاصيين النفسيين أن الضريح صار ملجأ للمرضى الذين يتسمون بالعدوانية والعنف، مما يفسر تقاطر عائلات هؤلاء المرضى على الضريح وقبولهم بما يحدث لهم من ممارسات، من قبيل ربطهم بالسلاسل وضربهم وتجويعهم وتخديرهم أيضا، في غرف يتكدس فيها أكثر من عشرة مرضى في ظروف غير مقبولة، بدعوى علاجهم علاجا «روحيا». لذلك ظلت عائلات المرضى ترفض طلب الهيئات الحقوقية إغلاق الضريح. أما المبرر، فهو أن الخدمة التي يقدمها الضريح لعائلات المرضى جعلت القائمين عليه يستغلون «نقطة ضعف» هذه الأسر، حيث إن الضريح يؤوي هؤلاء المرضى لفترة طويلة، وبالتالي يكفي عائلاتهم عناء تحمل المشاكل التي يتسببون فيها بسبب تصرفاتهم العدوانية أو نوبات الصرع الشديد التي تنتابهم، ويكفيهم وضعهم في الضريح صرف الأموال الكثيرة التي قد يدفعونها لو قرروا معالجة هؤلاء المرضى في مصحات نفسية أو مستشفيات متخصصة. خلف كل هذا العالم الذي تختلط فيه الشعوذة والسحر، نكتشف وجها آخر عنوانه ما تدره عائدات هذا الضريح على من يسمون أنفسهم حفدة الولي، أولائك الذين يكسبون غنيمة هذا الدجل. تقول بعض الأرقام إن العائدات السنوية لضريح بويا عمر تقارب نصف المليار سنتيم. ولاغرابة في ذلك إذا عرفنا أن الضريح يتلقى هبات من شخصيات نافذة في الدولة، سبق أن قادها الحظ إلى هنا ، ثم هبات سنوية تقدم من طرف السلطات الإقليمية، أما مجموع ما يتركه الزوار بالصندوق يوميا فرقم صعب التخيل، والذي يرتفع حتما حسب المناسبات والأعياد الدينية. ولم يعد الأمر سرا أنه يتم كراء مداخيل «صندوق النذور» من طرف أشخاص بحوالي 80 ألف درهم سنويا، وهم من يمتلكون اليوم ضيعات فلاحية والعديد من الدور السكنية في مدن قلعة السراغنة والعطاوية ثم مراكش. أما المنازل والدور التي يكتريها هؤلاء بمحيط الضريح، فتعد بالعشرات، ويبلغ ثمن الغرفة الواحدة أحيانا ولليلة واحدة مائتي درهم، هي التي تعتبر غرفة العلاج. ومن هنا، قد ندرك مدى حرص تلك المجموعات على المحافظة على امتيازاتها المادية واللاأخلاقية بكل قوة، ولن يتأتى لها الاستمرار في امتصاص الدماء البشرية إلا بالمحافظة على المعتقدات. في بويا عمر أيضا، كل مظاهر الاستغلال الجنسي للمرضى من قبل حفدة الولي. ولا غرابة ما ترويه بعض النسوة مما تعرضن له وهن يلجن هذا المكان. ونذكر من ذلك تلك السيدة التي جاءت رفقة زوجها لزيارة الولي بويا عمر، لتجد نفسها معتقلة ومربوطة بالسلاسل بمبرر أنها مصابه بمس من الجن، وحينما اقتنع الرجل بهذا التفسير، ترك زوجته فريسة في أيدي «موالين الاذن»، الذين أشبعوا غريزتهم منها وتركوها عرضة للضياع. هذا هو أكبر محتجز ومعتقل علني، وليس سريا، تمارس فيه كل المحظورات، بمبرر العلاج من الجن، وهو معتقل ترعاه السلطة وتباركه الدولة.