تناقش هذه الأيام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير الحكومة، و ذلك بحضور ومتابعة وزير الدولة السيد عبد الله باها الذي كُلف بتقديم المشروع المعد من طرف الحكومة. في الواقع، تحول موضوع القوانين التنظيمية إلى إشكالية مُهيكلة للحياة السياسية والدستورية ببلادنا، سواء على مستوى المضمون، عندما ينتصب سؤال الوفاء لنص وروح الدستور، أو على مستوى الشكل، حيث تطرح قضية الاختيارات المنهجية المتبعة لصياغة الجزء الثاني من الدستور. جزء كبير من الجدال السياسي الذي رافق الحكومة التالية، تم استهلاكه بمناسبة النقاش حول القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، حيث طرحت بحدة مسألة التأويل غير الديمقراطي للدستور، ثم بمناسبة النقاش المثير الذي واكب تقديم مقترحين نيابيين في موضوع القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، عندما طرحت مسألة أحقية البرلمانيين في المبادرة التشريعية في مجال القوانين التنظيمية. فضلاً عن القانون التنظيمي للسلطة القضائية المتعلق بالمحكمة الدستورية، والنظامين الداخليين للبرلمان، فإن هذا القانون يبقى نصا مهما ومؤسساً، لا تكتمل دونه دائرة النسيج المؤسسي لبلادنا، وبالنظر لارتباطه بالسلطة التنفيذية والعمل الحكومي، فان الكثيرين اعتبروا الحكومة قد تأخرت في عرضه، وأنه كان يجب أن يتصدر أولويات أجندتها التشريعية . سياسيا، برزت الحاجة إلى هذا القانون على الأقل في حالتي النقاش حول حدود صلاحيات الحكومة المعينة قبل حصولها على التنصيب البرلماني، ثم حول حدود صلاحيات الوزراء الاستقلاليين بعد قبول استقالتهم وتكليفهم بتدبير الأمور الجارية. يحاول هذا النص من جهة، الوفاء لمجاله المحدد في الفصل السابع والثمانين من الدستور في: «تنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، وحالات التنافي مع الوظيفة الحكومية وقواعد الحد من الجمع بين المناصب، وتلك الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية». ومن جهة أخرى، يحاول التوسع في مضامينه انطلاقا من كون التحديد الدستوري لم يرد على سبيل الحصر. محاولة لا شك أنها ستكون موضوعا للرقابة الوجوبية للمجلس الدستوري على هذا القانون . دليل آخر على أهمية هذا التشريع يكمن في تفاعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة محاربة الرشوة، مع الكثير من مقتضياته، خاصة ما يتعلق بالحاجة الماسة إلى تدقيق المادة الثالثة والثلاثين منه التي تنص على حالات تنازع المصالح. ولأنه القانون التنظيمي الأول الذي يناقش بعد الخطاب الملكي هذه السنة، والذي كان واضحاً في التوكيد على منهجية صناعة القوانين التنظيمية، ستتجه الأنظار نحو مدى إعمال الحكومة لمقاربة تشاركية وتوافقية في صياغته النهائية .