فجر التعين الملكي لأعضاء النسخة الثانية من الحكومة نقاشا دستوريا ينصب أساس على مدى إمكانية عرض رئيس الحكومة برنامج حكومي جديد أمام البرلمان من عدمه؟ في معظم النظم الدستورية المعاصرة، مباشرة بعد إجراء الانتخابات البرلمانية يتم تشكيل الحكومة على أساس نتائجها، وذلك تبعا للنظم الحزبية والأنظمة الانتخابية وأنماط إقتراعها المعمول بها في تلك النظم، فيمكن أن تفرز صناديق الإقتراع حكومة إئتلافية تتكون من عدة أحزاب سياسية أو حكومة يقودها حزب واحد الذي تصدر نتائج الانتخابات، وفي جميع الأحوال يتعين على رئيس الحكومة أو الوزير الأول بعد تعين رئيس الدولة لأعضاء حكومته تقديم وعرض البرنامج الحكومي الذي ينوي تطبيقه على البرلمان لينال ثقته ومباشرة أعمالها. بيد أن الحالة التي نتواجد أمامها مغايرة تماما، بمعنى لسنا أمام انتخابات برلمانية، لا العادية ولا السابقة لأوانها، وإنما نحن حيال ترميم الأغلبية الحكومية على إثر انسحاب أحد مكوناتها، الشيئ الذي حتم على رئيسها البحث عن حليف جديد لملئ هذا الفراغ الحكومي. وأسفرت نتائج المشاورات التي قادها رئيس الحكومة عن التحاق أحد مكونات المعارضة بالأغلبية الجديدة، وبعد ذلك قام رئيس الحكومة برفع لائحة أسماء الوزراء التي اقترحها إلى علم الملك طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور، ليمارس الملك اختصاصه الدستوري المتمثل في التعين. وقد أثار التعين الملكي لأعضاء النسخة الثانية للحكومة ملاحظات من حيث الشكل والمضمون، فمن ناحية برتوكول التعين تبين أن الأمر لم يقتصر فقط على استقبال الوزراء الجدد الذين كان من المفترض أن يعوضوا الوزراء الذين تم إعفائهم، وإنما تم استقبال جميع الوزراء سواء الجدد أو القدامى. أما من ناحية المضمون، تبين أنه تم إحداث قطاعات وزارية أحرى لم تكن في النسخة الأولى، ونقل بعض الوزراء من قطاع إلى أخر، والتحاق وزراء جدد بدون انتماء حزبي (التكنوقراط)، وإعفاء وزير أخر من مهامه، بل أكثر من ذلك أن الوافد الجديد على الحكومة كان قد صوت ضد البرنامج الحكومي الأول في مجلس النواب، إلى غير ذلك من الأمور التي حدثة، - ولا نود الدخول في تفاصيل هذا التعين لأنه ليس موضوع هذه المقالة- وصفوة القول أدى هذا التعين بمعظم الباحثين والفاعلين الساسيين، لا سيما المعارضة البرلمانية في مجلس النواب ومجلس المستشارين، القول أننا إزاء حكومة جديدة وليس تعديل حكومي، يقتضي تقديم برنامج حكومي جديد وعرضه على البرلمان طبقا لمقتضيات الفصل 88 من الدستور. وقد أدى تباين بين وجة نظر المعارضة التي تقاطع جلسات الأسبوعية للبرلمان المخصصة للأسئلة، والتي تقول أن الحكومة لم تخضع لترميم بل للمراجعة وبالتالي عليها تقديم برنامجها من جديد أمام البرلمان قبل أن يبتدأ مسألتها على أساس هذا البرنامج. وأما وجهة نظر الحكومة التي ترى أنه مادم الملك إجتمع بالحكومة "الجديدة" في المجلس الوزاري فإنها مكتملة لبنائها الدستوري دونما الحاحة إلى تقديم برنامج جديد. وأمام هذا الوضع، توحهت بعض الفرق البرلمانية المعارضة في مجلس المستشارين إلى المجلس الدستوري سعيا منها إلى حسم هذا النزاع الدستوري والسياسي في آن واحد, وعلى هذا الأساس ارتأينا إلى إثارة مسألة البرنامج الحكومي من زاوية المجلس الدستوري، ما دام أن البرنامج الحمكومي هو صلب الإشكال المطروح حاليا في الساحة السياسية والدستورية المغربية. وبصيغة أكثر وضوحا البحث في مدى اختصاص المجلس الدستوري الحالي النظر في هكذا نزاع؟ ولمقاربة هذه الإشكالية سنشير إلى قرارين للمجلس الدستوري يرتبطان بشكل كبير بالحالة التي نتواجد أمامها، الأول يتعلق بالنزاع الواقع حول تطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب وأساسا حول طريقة التصويت على البرنامج الحكومي في مجلس النواب، والثاني يتعلق بالنزاع بين الحكومة والبرلمان على تطبيق بعض أحكام الدستور. لماذا هذين القرارين؟ هو كون أن هناك خلاف دستوري بين مجلسي البرلمان والحكومة على مسالة عرض البرنامج الحكومي أمام البرلمان من عدمه، وهذا يدل بشكل أو بأخر أنه نزاع بين الطرفين على تطبيق أحكام الدستور وبالخصوص حول الفصل 47 والفصل 88 من الدستور. الفصل الأول يشير إلى مسطرة تعين أعضاء الحكومة والذي يثير بدوره في هذه الحالة نقاش هل نحن أمام حكومة جديدة أم تعديل حكومي، والفصل الثاني يتعلق بالبرنامج الحكومي وعرضه على البرلمان، وبالتالي فالأمر يتعلق بنزاع حول تطبيق بعض فصول الدستور. وفيما يلى نذكر حيثيات هذين القرارين: القرار الأول: قرار رقم 98-215 الصادر في 3 يونيو 1998( ج.ر. عدد 4598 بتاريخ 25 يونيو 1998، ص. 1849) حيث إن الفصل 81 من الدستور ينص على أن المجلس الدستوري يمارس الاختصاصات المسندة إليه بفصول الدستور أو بأحكام القوانين التنظيمية ؛
وحيث إنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية نص يسند إلى المجلس الدستوري مراقبة طريقة تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي ، من حيث هو ، و الكيفية التي يتعيّن وفقها إعلان نتائجه ؛
وحيث إنه على مقتضى ما سبق يكون الطلب خارجا عن نطاق اختصاص المجلس الدستوري ،
القرار الثاني: قرار رقم 2006-628 الصادر في 30 غشت 2006 (ج.ر. عدد 5458 بتاريخ 21 سبتمبر 2006، ص. 2477) حيث إن الدستور ينص في الفصل 81 منه على أن المجلس الدستوري يمارس الاختصاصات المسندة إليه بفصول الدستور أو بأحكام القوانين التنظيمية ؛
وحيث إنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يُخَوّل المجلس الدستوري صلاحية الفصل في النزاعات التي يمكن أن تنشأ حول تطبيق أحكام الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 56 من الدستور المتعلقة بالأسئلة التي يطرحها أعضاء مجلسي البرلمان على الحكومة ؛
وحيث إن الفصل 53 من الدستور نص على أن الخلاف الذي قد ينشأ حول معرفة ما إذا كان اقتراح قانون أو تعديل لنص قانوني يدخل أم لا في اختصاص مجلس النواب في مجال التشريع يمكن إحالته على المجلس الدستوري ؛
وحيث إن المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 95-5 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق تنص على أن الخلاف الذي قد ينشأ بين الحكومة ومجلس النواب حول تطبيق هذا القانون التنظيمي ، إذا حال دون السير العادي لأعمال اللجان المذكورة ، يمكن إحالته على المجلس الدستوري ؛
وحيث إن المادة 16 من القانون التنظيمي رقم 97-31 المتعلق بمجلس النواب تنص على أنه في حالة وجود شك حول تنافي المهام المزاولة من لدن أحد النواب مع الانتداب في مجلس النواب ، يمكن لهذا الأخير إحالة الأمر على المجلس الدستوري ؛
وحيث إنه ، عكس ما ذهب إليه الطالبون ، لا يستنتج من تحليل هذه النصوص ، أن المجلس الدستوري يمارس اختصاصا عاما يخوله الفصل في كل خلاف بين الحكومة ومجلس النواب يتعلق بأي من جوانب صلاحيات هذا المجلس الأخير ، أو في كل نزاع بين الطرفين المذكورين ، من شأنه أن يحول دون السير العادي للمؤسسة البرلمانية أو إحدى لجانها ، وأن ذلك قد يعفي من التقيد بالقواعد الخاصة بالإحالة أمام المجلس الدستوري ، المسطرة بالنسبة لكل حالة في الدستور والقوانين التنظيمية ؛
وحيث إنه على مقتضى ما سلف ، يكون المجلس الدستوري غير مختص للنظر في الطلب ،
ويستفاد من القرار الأول أن المجلس الدستوري يمارس اختصاصه بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية، وبالنتيجة أنه لا يوجد ما يخول للمجلس مراقبة طريقة تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي من حيث هو والكيفية التي يتعين وفقها إعلان نتائجه. إن القراءة المتمعنة للقرار يمكن أن نستنتج أن المجلس الدستوري لم يستبعد بشكل مطلق إمكانية مراقبة إجراء التصويت على البرنامج الحكومي في مجلس النواب والدليل على ذلك أن استخدام تعبير " من حيث هو" لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة فإنه لابد أن يكون له معنى، وكذلك لا يمكننا أن نجزم أن عدم اختصاص النظر في طريقة التصويت على البرنامج الجكومي "من حيث هو" أن المجلس الدستوري أراد أن يلمح إلى أنه قد يكون مختصا لكن بطريقة ضمنية. لأنه إذا حذفنا عبارة "من حيث هو" أنذاك يمكن القول أن المجلس الدستوري غير مختص بشكل مطلق النظر في الطلبات الرامية إلى تطبيق الإجراءات المرتبطة بالبرنامج الحكومي. وبالتالي يوحي استدلال القاضي الدستوري بوجود موقف أخر هو أنه لم يتم استيفاء شروط الإحالة كلها، وأن عدم الاختصاص هذا ناجم عن كون أن الإحالة تضمنت بشكل مباشر إجراء التصويت على البرنامج الحكومي من حيث هو، وبخلاف ذلك فإنه لربما لن يكون هناك عدم الاختصاص لو أن الإحالة تضمنت مجال يدخل في اختصاص المجلس الدستوري، وبعبارة أخرى أن تكون الإحالة مرتبطة بالطعون المتعلقة بدستورية القوانين كأصل عام ومن ثم يثير الطاعنين عيب إجراء التصويت على البرنامج الحكومي. وباستخدام الاستدلال القياسي على الحالة التي نحن بصددها، كان "يجب " على الطاعنين ( المعارضة في مجلس المستشارين) الانتظار قليلا وفي الوقت المناسب طلب المجلس الدستوري التصريح حول مدى دستورية عدم تقديم الحكومة"الجديدة" برنامجها الحكومي طبيقا لمقتضيات (الفصل 88 من الدستور، والمواد 175و 176 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013، وكذلك المواد 269 و 270 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين لسنة 1998.)، ولكن عن طريق الطعن في كل مشروع قانون تعرضه هذه الحكومة على البرلمان وذلك بإثارة عدم اختصاص صاحب المشروع في اتخاذه تحت طائلة عدم استيفاء الحكومة لشورطها الدستورية المتمثلة في التنصيب البرلماني، أنذاك يمكن للمجلس الدستوري أن يصبح مختصا في مدى دستورية عدم تقديم الحكومة لبرنامجها وذلك بصدد النظر في دستورية قانون معروض على أنظاره. أما قوام القرار الثاني: يشير إلى أن المجلس الدستوري لا يمارس اختصاصا عاما في كل خلاف يحدث بين الحكومة والبرلمان يتعلق بأي من جوانب صلاحيات هذا المجلس الأخير ( بتطبيق الفصل 88)، أو في كل نزاع بين الطرفين من شأنه أن يحول دون السير العادي للمؤسسة البرلمانية أو إحدى لجانها مثلا ( مقاطعة الجلسات الأسبوعية للبرلمان، وكذلك الخلاف المرتقب حول رئاسة لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب بعدما التحق رئيسها بالأغلبية وكون أن الدستور الجديد يعطي رئاسة هذه اللجنة للمعارضة، وكذلك النقاش الدائر حاليا الذي يربط انتخاب رئساء اللجان بانتخاب رئيس المجلس المعني بالأمر). ومفاد هذا، أن استدلال القاضي الدستوري مقيد بفصول الدستور الصريحة وبأحكام القوانين التنظيمية، ولا يمتد اختصاصه إلى جميع الخلافات بين الحكومة والبرلمان. صحيح أن من وجهة نظر السياسية التي تقول بأن أي نزاع في النظام الدستوري يجب أن ينهض للهيئة المكلفة بحماية الدستور وهي غالبا القضاء الدستوري. ولكن إذا نظرنا من وجهة نظر القانونية نجد أن القضاء الدستوري سواء كان مجلس دستوري أو محكمة دستورية أو أي تسمية أخرى، أنها موسسة قانونية ليس لها اختصاص غير تلك المنصوص عليها في النصوص التي تأطرها. وعلى هذا الأساس، نجد أن المجلس الدستوري يردد في استدلاله يإعلان عدم اختصاصه في القضية المعروصة أمامه ويربطها بأنه مختص بموجب الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية، ويحدد المجالات التي يختص بها بصدد نزاع بين الحكومة والبرلمان، وهي: الخلاف الذي قد ينشأ بين الحكومة وأحد مجلسي البرلمان في تطبيق مقتضيات (الفصل 53 من دستور 1996 والفصل 73 من دستور 2011) المتعلق بالنصوص التشريعية من حيث الشكل. والخلاف بين الحكومة والبرلمان حول تطبيق المادة 20 من القانون التنظيمي المتعلق بالجان النيابية لتقصي الحقائق، إذا حال دون السير العادي لأعمال اللجان المذكورة، وكذلك تطبيق المادة 16 من القانون التنظيمي لمجلس النواب في حالة وجود شك حول تنافي المهام المزاولة من لدن أحد نواب مع الانتداب في مجلس النواب. وبالتالي يتبين من تعليل المجلس الدستوري أنه غير مختص بالنظر فيما عدا الحالات التي أشرنا إليها أعلاه. ولكن التمعن في استدلال المجلس الدستوري عندما يقول أنه يمارس اختصاص بموجب الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية، يوحي بأنه يترك الباب مفتوحا لإمكانية التوسع عندما يردد التعبير أعلاه، إنها في الواقع تفويض للمشرع تخصيص للمجلس الدستوري من خلال القوانين التنظيمية اختصاصات جديدة التي يراها مناسبة وضرورية وليس بموجب الدستور، كما هو الشأن في مجال الوكالة البرلمانية أو مهام لجان التقصي والبحث، هذه المجالات الوحيدة التي إلى حد الأن يمكن من خلالها للمجلس الدستوري البت على أساس قانون تنظيمي ( مجلسي البرلمان و لجان التقصي والبحث) وليس مباشرة على أساس الدستور، وهذا بدون شك دليل عندما يتحدث المجلس الدستوري أنه يمارس صلاحياته في النظام الدستوري. وبالتالي لا يمكن إضافة اختصاص جديد إلا بتعديل الدستور أو توسيع اختصاصه على أساس مشروع أو مقترح قانون تنظيمي. ويبدو ظاهريا في الحالة التي نحن إزائها، أنه لا يوجد لا في الدستور ولا في القوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الدستوري وبمجلسي البرلمان ولجان تقصي الحقائق ما يوحي بأنها تعترف للمجلس الدستوري البت في هذا النزاع – تقديم البرنامج الحكومي-. ولأجل هذه الأسباب كلها، نقترح أنه مادم الإمكانية مفتوحة لتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري – حاليا المحكمة الدستورية- لتجنب كل الخلافات الدستورية بين الحكومة والبرلمان وكذلك حتى بين المؤسسات الدستورية الأخرى، ومن أجل تأسيس لممارسة دستورية سليمة تتماشى وروح دستور 2011، وتجنب كل ما من شأنه أن يخل بالسير العادي للمؤسسات الدستورية، التنصيص في القانون التنظيمي المتعلق بالحكومة ( الفصل 87) على مقتضيات تعهد للمحكمة الدستورية اختصاص البت أو النظر في كل خلاف قد يحدث بين البرلمان والحكومة والإشارة إلى أن يختص كل من رئيس الحكومة و رئيس كل مجلس البرلمان إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية. حجاجي امحمد طالب باحث في سلك الدكتوراه