نقاش قوي حول تجربة الإسلاميين في الحكم، نظمه معهد HEM، بمشاركة سياسيين من المغرب وتونس ومصر. الندوة ساءلت بالأساس تجربة الإخوان في مصر، ومحاولة النهضة في تونس الاستفادة من أخطائهم، وسعي العدالة والتنمية، إلى التأكيد على خصوصية كل تجربة. اعتبر المنظمون في الأرضية التي طرحت في بداية الندوة أن الموضوع يكتسي أهمية خاصة، تأتي من السياقات التي فرضها ما سمي بالربيع العربي، والذي أفرز فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات الحرة الأولى في تونس ومصر في عام 2011 و2012 بعد سقوط بنعلي ومبارك. وفي المغرب حيث وضعت نتائج الانتخابات البرلمانية عام 2011 حزب العدالة والتنمية ( PJD )، على رأس الأحزاب المشاركة وأصبح بموجبها عبدالإله بنكيران رئيسا لحكومة ما بعد دستور 2011. وخصوصا أن الإسلاميين دأبوا على تقديم الإسلام السياسي كحل لمشاكل المجتمعات العربية المسلمة، لكن في أعقاب انتفاضات الربيع العربي يبدو أن واقع الحركات الإسلامية أصبح أكثر تعقيدا مما كان متوقعا. بعد الوصول إلى السلطة ديمقراطيا، ثم الإطاحة بالإسلاميين المصريين من قبل الجيش. في البداية تناول الكلمة المفكر السياسي ومدير تحرير مجلة «أحوال مصرية»، عمرو الشوبكي، الذي خص التجربة المصرية بالنصيب الأوفر من مداخلته معتبرا أن الحالة المصرية تختلف كثيرا عن الوضع في تونس، مرتكزا على سؤالين محوريين هل المشكل يكمن في النص أم في السياق، وهل أزمة الإسلاميين في مصر أزمة بنيوية، مضيفا أن حركة الإخوان المسلمين لم تكن قبل الربيع العربي حركة مرخصا لها، وكان جوابها عن هذه النقطة في عهد مبارك أنها لن تحظى بالقانونية في عهد مبارك حتى لو طلبتها، لكن المثير أن هذه الحركة استمرت في رفض تقديم طلب القانونية رغم سقوط النظام السابق وأصرت على العمل داخل السرية، دافعة بحزب آخر هو حزب الحرية والعدالة إلى الانتخابات، التي فاز بموجبها مرسي برئاسة الجمهورية، لكن الخطير حسب الشوبكي استمرار هذا الحزب في تلقي الأوامر من الجماعة.. معتبرا أن موقفه كان دائما ضد تدخل الجيش في السياسة، إلا أنه في الحالة المصرية كان هذا التدخل في المنحى الايجابي حسب عضو مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية. وتناولت الكلمة المحامية والناشطة الحقوقية التونسية سعيدة بنكراش مؤكدة أنها تعتبر أن تجربة الإخوان في مصر لا تختلف عن تجربة حزب النهضة في تونس، مركزة على التباين الكبير الذي طبع مواقف الإسلاميين في تونس قبل الثورة وبعدها، معددة محطات وصفتها بانقلاب الإسلاميين على التزاماتهم اتجاه مكونات الصف الديموقراطي، خالصة إلى ازدواجية الخطاب لدى إسلاميي تونس، وقالت بنكراش التي تعد واحدة من أشد المعارضات للنظام السابق، هناك ردة حقيقية حتى على زمن بورقيبة مقدمة أمثلة عن محاولة الإسلاميين التدخل في مجلة الأسرة التونسية المنظمة للأحوال الشخصية، وإعادة بعض الأحكام الشرعية لها؛ وختمت بنكراش كلامها بالتنبؤ أن إسلاميي تونس وبالنظر إلى التجربة المصرية سيسعون جاهدين إلى أخذ العبرة والحفاظ على تونس لأنهم يحتاجون إلى دولة مبنية على أسس سليمة أمام المنتظم الدولي على الأقل. الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في مداخلتها عرجت على تاريخ الحراك في المغرب مؤكدة أن شباب العشرين من فبراير لم يخرجوا من أجل مطالب دينية، بل كان احتجاجهم ضد الفساد والاستبداد، ولم تكن هناك قيادة يمكن الرهان عليها، خصوصا وأن النظام يرفض دوما صعود قوى حية ممانعة من المجتمع، لكن السطو على هذا الحراك من قبل البعض جعل الحراك يتحول عن مساره. وقالت منيب إن من كنا نعتقد أنها أحزاب ديموقراطية وطنية فوجئنا بدخولها تحت جناح الدولة، وأشارت الزعيمة اليسارية إلى أن الامبريالية العالمية وشركاؤها في العالم العربي يسعون إلى تحويل مسارات الثورات أو إقبارها تماما، وختمت منيب مداخلتها بالتساؤل حول التجربة المغربية معربة عن أسفها وتعجبها من الفُصام الذي تعانيه الحكومة المغربية بقيادة البيجيدي. المحلل السياسي والقيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، حاول في مطلع مداخلته تحديد بعض المفاهيم والتمييز بين تجارب الإسلام السياسي في العالم العربي، معتبرا أن التنظيمات تختلف وكذا المشارب الفكرية والنشأة التي تميز كل تيار إسلامي عن الآخر في المغرب كما في تونس ومصر؛ وقال حامي الدين إن قبول الإخوان المسلمين برئاسة الجمهورية يعد خطأ استراتيجيا كبيرا يدفع الإسلاميون في مصر ثمنه الآن، معيبا على التيارات الإسلامية عدم إدراكها للمرحلة الانتقالية، ومؤكدا أنه يجب عدم اتخاذ الانتخابات كمصدر للسلطة، بل إن العالم العربي في مرحلة بناء القواعد والتوافقات، إذ كان على الإسلاميين التنبه إلى الانجراف في خطابات أكبر مما هو مقدور عليه؛ متفقا مع الكثير مما ورد في بعض المداخلات النقدية للإسلاميين مقرا بعدم وجود مشروع اقتصادي وأن الإسلاميين لا يدعون الكمال في التجربة. عقب هذه المداخلات فتح محمد الصغير جنجار مسير الجلسة باب التدخلات التي تمحورت أغلبها حول التجربة المصرية، وشهدت القاعة بعض التشنجات بعد أن رفع حضور شعار رابعة مطالبين المتدخل المصري بموقف من ما سموه الانقلاب العسكري في مصر ومن أحداث ميدان رابعة العدوية، كما طرحت تساؤلات حول نداءات فصل الدعوي عن السياسي والتي تولى المتدخلون على التوالي الرد عليها، ومن أبرز ما جاء في الندوة توجه حامي الدين إلى نبيلة منيب قائلا: «أعتقد أن كل الأحزاب المغربية أحزاب إسلامية»، فأجابت منيب «نحن لسنا حزبا إسلاميا». أما الدكتور الشوبكي فقد عاد للرد على المتعاطفين مع الرئيس المعزول مرسي داخل القاعة قائلا: «لقد ضيعوا فرصة كبرى ولدينا كباحثين وكمراقبين مدنيين، الكثير من الدلائل على محاولات أخونة الدولة برعاية الحزب الحاكم في مصر عقب الثورة».