رغم الصور النمطية والأحكام المسبقة، فقد تمكنت العديد من الفرنسيات ذوات الأصول المغاربية من فرض أنفسهن في الحقلين السياسي والثقافي الفرنسي. في هذه الورقة المقتبسة من مجلة «لوبوان» الفرنسية، صور عن مسارات مختلفة لمغربيات وجزائريات وتونسيات اقتحمن المجال العام الفرنسي بقوة. إنهن يشكلن الجيل الثاني بعد رشيدة داتي ونادية سمير وفريدة خلفة. تحولت الهمسات إلى صخب. ثم وقف الحاضرون للتصفيق على وزيرة التربية الفرنسية، التي عينت مؤخرا. لم تتمكن هذه الشابة الفرنسية، من أصل مغربي، من كبح دموعها، وهي تتلقى تكريما جمهوريا من الوزير الأول مانويل فالس، الذي ينحدر هو الآخر من أصول إسبانية. وفي الأيام التي تلت تعيينها، كان عليها أن تسكت جميع الإشاعات والأقاويل. فعلى سبيل المثال، كتبت عنها صحيفة «مينوت» بعد تعيينها مقالا عنوانه: «مغربية مسلمة في التربية.. استفزاز». تنتمي نجاة فالو بلقاسم إلى جيل جديد من الفرنسيات اللواتي ينحدرن من المنطقة المغاربية. فقد اقتحمن، بحثا عن العمل، أبواب المقاولات، والعالم السياسي، ومجالات الفنون والإعلام. هكذا، ورثت كل من الفنانتين الساخرتين صوفيا آرام وأمل شهبي، والروائيتين فايزة جن وأليس بلعيد، والصحافية سونيا مبروك، والمنشطة التلفزيونية عايدة طويهري، والممثلة ليلى بختي جيلا بارزا من النساء أمثال المذيعة الشهير بTF1 نادية سمير، وعارضة الأزياء فريدة خلفة، ووزيرة العدل السابقة والنائبة الأوروبية رشيدة داتي. تبرز أسماء هؤلاء النساء، كما يقول النائب البرلماني مالك بوطيح، بشكل لافت للنظر، لكنهن يعانين الابتذال أيضا. صحيح أن هذا الابتذال ينتشر في جميع مجالات المجتمع الفرنسي، لكنه «يمتد إلى المخيال الجماعي، ويحدد العوامل الجمالية. انظروا إلى الجمال المغاربي. فهو يثير اليوم إعجاب المستشهرين وأصحاب الموضة»، على حد تعبير بوطيح. من أين أنت؟ بعضهن ولدن فرنسيات، والبعض الآخر قدمن من المغرب والجزائر وتونس، ثم حصلن على الجنسية الفرنسية فيما بعد. هنا هل يمكن الحديث عن «نساء شابات انبثقن من الهجرة»؟ في هذا التعبير نوع من النفاق. هل هن «بورجوازيات»؟ الوصف كاريكاتوري. كيف يمكن إذن القبض على ما هو عصي عن التسمية؟ هن «فرنسيات من أصل مغاربي». ولكن هذا التعبير يختصر معاناتهن والصعوبات التي تواجههن. تبدو مساءلتهن عن أصولهن، بالنسبة إلى بعضهن، شبيها بإنكار الحق في الكينونة الفرنسية. وجميعهن يقلن إن السؤال البسيط «من أين أنتِ؟» يحيلهن على الفكرة التي مفادها أنهن لسن «فرنسيات تماما». والكثير منهن رفضن الإجابة. أما الأخريات، فأجبن بحساسية، وصراحة أحيانا، مثل ليلى سليماني، التي نشرت روايتها الأولى مؤخرا تحت عنوان «في حديقة الغول»، ضمن منشورات غاليمار. فهي تروي فيها المغامرات التي اجترحتها امرأة تائهة في زواجها: «بطلة روايتي لا تريد أن تنجح، بل تفضل أن تكون شيئا». ورغم أن أمكنة روايتها وشخوصها فرنسية، إلا أنها تقول إن روايتها لا تبتعد كثيرا عن المغرب، حيث تقول: «ولدت وترعرعت في مغرب الحسن الثاني، لكني أنتمي أيضا إلى جيل مادونا المفرط في الحساسية تجاه الجنسانية». تروي قصة وصولها إلى فرنسا بالقول: «ستصلين إلى باريس. أنت امرأة، أنت عربية. عليك أن تبذلي ضعف الجهد الذي يبذله الآخرون». وهكذا كان. وها هي تسمعهم يقولون بعد أن حصلت على الجنسية الفرنسية: «درست علم السياسة، لست عربية حقا»، كأن دراستها أفقدتها عروبتها. لكن هذا الجهد قد يتضاعف أكثر لأنهن نساء، ولأنهن شابات، ولأنهن ينتمين إلى أوساط شعبية، كما يقول عبده العيساوي، المدير العام لشركة «راندستاد». تحب نجوى رضيوني العطفاني، بدورها، السلطة وتتحملها. فهذه الشابة البالغة من العمر ثلاثين سنة، هي إطار في قطاع البناء، وتتمتع بكفاءة سياسية كبيرة. رأت النور في الضاحية الباريسية في أسرة تتكون من خمسة أطفال، وهي تترأس اليوم نادي القرن الحادي والعشرين، وهو عبارة عن دائرة تجمع نخبة من «الأقليات الظاهرة». بعد عشر سنوات من وجوده، تمكن أربعة أعضاء فيه من أن يصبحن وزيرات: راما يادي، فلور بيليران، جونيت بوغراب، ورشيدة داتي. هذه الأخيرة خلفت أصداء طيبة في النادي، لكن عيب عنها كونها مغرقة في الفردانية، وميلها إلى اعتبار «بنات الهجرة» الأخريات منافسات محتملات لها. مفتاح النجاح بالنسبة إلى الرئيسة الجديدة لهذا النادي المؤثر، تعتبر المدرسة العمومية هي التي سمحت ب»محاربة الحتمية الاجتماعية» التي تضر بأبناء المهاجرين. لكن نجوى تقول: «كنت أعرف أن الوسيلة المثالية للتخلص منها هي الدراسة. بعد الباكالوريا، اخترت دراسة الرياضيات. طلبت مني أمي، التي لا تعرف القراءة والكتابة، لِمَ لمْ أختر بالأحرى الدراسات التقنية العليا». الدراسة هي إذن مفتاح نجاحهن. ذلك أن الشابات المغاربيات غالبا ما يحققن النجاح أكثر من الرجال. إذ تكشف دراسة ميدانية أجريت سنة 2012 أن معدل النجاح عند بنات المهاجرين من المغرب أو تونس يصل إلى 69 في المائة، مقابل 51 في المائة عند الذكور. ورغم أن البنات المنحدرات من الأوساط الشعبية غالبا ما يحققن النجاح أكثر من الأولاد، إلا أنه لا توجد مجموعات أخرى تعرض فارقا مهما كهذا. ولاقتحام مجال السياسة، لا بد من فك بعض القيود. تروي الصحافية نورة حمادي قائلة: «مارست الرقابة على نفسي، وقللت من طموحاتي إلى أن قلت إن كل شيء ممكن. يومها أدركت أنني قطعت 80 في المائة من الطريق». من جهة أخرى، انتخبت «شاينيس خيروني نائبة برلمانية عن دائرة «مورت-إي-موسيل» سنة 2012. وهي ابنة حداد جزائري. تقول: «عندما دخلت البرلمان أول مرة، شعرت بالفخر، وخالجتني مشاعر عاطفية». وهي تدرك قيمة هذا الانتخاب، حيث تقول: «انتخبت لأنني أمثل جزءا من الأغلبية، لكن بناء على اسمي أيضا»، مشيرة إلى أن الانتخاب «منحني الثقة في مدى قدرة فرنسا على التغير». نحو تلاشي المبرر الإثني؟ هناك نساء أخريات يجسدن قدرة الفرنسيات من أصول مغاربية على تحقيق غاياتهن. هذه القدرة قد تنهي عما قريب «المبرر الإثني» داخل الأحزاب السياسية، كما يتوقع «أوليفيي ستيرن»، الوزير السابق المكلف بقضايا التعدد في حزبه «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية». فهو يقول: «لاحظت خلال الانتخابات البلدية الأخيرة أن هؤلاء النساء يحظين، بخلاف ما نعتقده، بقبول الناخبين منذ ست سنوات». ويبقى الدين من أهم العوامل في حياة هؤلاء النساء، حيث يعتبر القيام بالشعائر الدينية طابوها مشتركا. فعلى سبيل المثال، رغم أن إيناس، البالغة من العمر ثلاثين سنة، مؤمنة تمارس شعائر دينها، إلا أنها تأبى الحديث عن الدين، الذي يعتبر في نظرها مجالا خاصا: «رمضان فترة معقدة من الناحية الاجتماعية. يجب أن أواجه أحيانا نظرات سافلة وملاحظات مثل: أنت درست، فكيف تؤمنين بهذه الأشياء؟». ومع ذلك، فهي تؤمن بهذه «الأشياء»، كما تؤمن بالجمهورية. بتصرف عن مجلة «لوبوان»