خلال اللقاء الذي نظمه المجلس المغربي للشؤون الخارجية، شارك سعد الدين العثماني مجموعة من الأحداث التي عاشها خلال توليه وزارة الخارجية مع الحضور، مستعرضا تفاصيل بعض الملفات التي تكشف لأول مرة، في سابقة لم يقدم عليها اي وزير خارجية سابق. العثماني تحدث خلال المائدة المستديرة التي احتضنها مركز الدراسات الافريقية يوم امس الاربعاء بالرباط، عن تفاصيل زيارته للجزائر في اطار اول زيارة رسمية له الى الخارج بعد توليه الوزارة، قائلا أنه اختار الوجهة التي تقتضيها "النظرة الاستشرافية للأمور" تطبيقا للمنطق الدستوري في السياسة الخارجية الذي ركز على البعد المغاربي، قائلا أنه استشار مع الملك الذي أذن له، كاشفا أنه قال له بعد عودته من الزيارة " المهم نديرو معهم الصواب." زيارة العثماني للجزائر خلفت صدى طيبا حسب ما يستذكر، حيث روى أن الكثير من وزراء الخارجية نوهوا بهذه الزيارة ومنهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك. مشيرا في نفس الوقت أنه لم يكن يهدف من خلالها إلى مناقشة الاشكالات العميقة كالحدود وقضية الصحراء، بقدر ماكان يسعى إلى "تطبيع" العلاقات بين البلدين، الشيء الذي يصعب تحقيقه، لكون الجيران "مع الأسف كل مرة يرجعون." على حد تعبيره. الوزير السابق تحدث كثيرا عن علاقته بالملك أثناء استوزاره، مشددا على أنه كان يقدم للملك اقتراحات كثيرة يدعمها، قائلا "كان الملك داعما كبيرا جدا في العديد من المسائل بمسحة انسانية عالية." العثماني ركز في نفس الوقت على أن "القرار الاستراتيجي لا يمكن أن يتخذه إلا جلالة الملك،" لوجود قرارات تتجاوز الوزير والحكومة لكونها قرارات كبرى تؤثر في مسار الدولة ولا يمكن أن يتخذها إلا رئيس الدولة في جميع دول العالم، وهو شيء لا يمنع أن تكون هناك صلاحيات كثيرة للوزراء في ما يتعلق بالقرارات "تحت استراتيجية" كما يقول العثماني. العثماني تطرق كذلك لعلاقة المغرب بالمبعوث الأممي كريستوفور روس، كاشفا عن كون الملك محمد السادس كان يحث على إعطائه حرية كبيرة في تنقلاته في المغرب، عكس ما كان عليه الأمر في الجزائر حسب اعتراف روس نفسه للعثماني بكون كل لقاءاته في الدولة الجارة "كانت مقننة"، في وقت نقل العثماني عن الملك قوله عن روس "اذا طلب ملاقاة شخص اتركوه، سواء بتنظيمكم للقاء، أو بتركه يذهب مباشرة." وخلال حديثه على قضية الصحراء، شدد العثماني على قناعته بضرورة تنزيل الحكم الذاتي، لكونه المفتاح نحو التحرك إلى الأمام في هذا الملف، نظرا لكون هذه القضية مرتبطة باشكال الداخلي للتدبير الترابي أكثر من أي شيء آخر. داعيا في نفس الوقت الى اعتماد "السرعات" في تطبيق هذا الموضوع، حتى يبقى للمغرب هامش للتفاوض، وذلك بتطبيق "السرعة الأولى" قاصدا بذلك الحد الأدنى من هذا المقترح، والتفاوض على مرحلة متقدمة منه سماها ب"السرعة الثانية". الوزير السابق عرج كذلك على موضوع عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي، واصفا هذا الاتحاد بالمهم بالنسبة للمغرب، لكن "من غير المعقول أن يعود إليه بعد 30 سنة والجمهورية المزعومة ما تزال عضوا فيه،" حيث شرح أن بنية الاتحاد تغيرت وأصبح منظمة جديدة تشكل البوليزاريو عضوا مؤسسا فيه، مما يمنح له حق مناقشة قبول طلب عضوية المغرب في حال ما إذا تقدم به، مشددا على أن المغرب "لا يمكن أن يقبل هذا الذل،" الشيء الذي يجعل هذا الملف حسب العثماني يحتاج الى 5 او 10 سنوات أخرى ليحسم فيه، لكون السبيل الوحيد لعودته الى هذه المنظمة هو تجميد عضوية او طرد الجمهورية المزعومة منه. معتبرا أن هذا الأمر ليس مهما بقدر ما يهم ان وزن المغرب افريقيا "تضاعف" خلال السنوات الأخيرة، بتضاعف استثماراته في القارة، وتزايد الدعم السياسي له بسحب أكثر من 20 دولة افريقية اعترافها بالجمهورية المزعومة .