حذر عبد الله بوانو، أحد صقور حزب العدالة والتنمية ورئيس فريقه البرلماني، من احتمال ظهور حركة أقوى من حركة 20 فبراير، في حال نجاح من يسميهم ب«بقايا المتحكمين» في إفشال الإصلاح ، مستبعدا أن ترفع هذه الحكومة «الراية البيضاء». { في ظل انتقادات كل من الحركة الشعبية وحزب الاستقلال للحكومة وتعثر الإصلاحات هل يمكن أن ينفد صبر بنكيران ويستقيل؟ المخول للإجابة عن هذا السؤال هو الأخ عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، لكن دعني أؤكد لك أن حزب العدالة والتنمية لم يصوت عليه الشعب ويمنحه الصدارة لكي يستقيل وزراؤه ونوابه البرلمانيون في منتصف الطريق، وبالمناسبة هناك من يتحين الفرصة لإعلان هذا القرار، ونحن لن نمنحهم هذه الفرصة، ليس لأننا ألفنا المناصب والكراسي كما يحلو للبعض أن يفسر صمودنا وإصرارنا على مواجهة التحديات، ولكن لأن العدالة والتنمية، كما واجه الاختلالات في زمن التحكم وقاوم بعض أساليبه في تسيير مؤسسات الدولة وهو في المعارضة وفي لحظات عصيبة مرت عليه، يمكنه أن يواجه الاختلالات نفسها من موقع التدبير، لكن في المقابل لا أخفيك أن «للصبر حدودا» وتبقى أمامنا كل الخيارات مفتوحة، وسنختار منها ما يصلح لوطننا ولشعبنا، بما فيها الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها تطبيقا للدستور وتفويتا لأجندة يخطط لها البعض الآخر، والتي بدت بعض إرهاصاتها تلوح في الأفق من خلال استهداف بعض الرموز الحكومية والبرلمانية والقيادية عبر محاولة المس بمصداقيتهم سياسيا وقضائيا وأخلاقيا، أو السعي إلى تأزيم الوضع بنشر ثقافة التيئيس وتبخيس جهود الحكومة في الإصلاح لإظهارها بمظهر العاجزة، ثم بعد ذلك البدء في تنزيل مخططهم لما بعد الربيع العربي... { بدأ الحزب يهدد بالذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها في حالة استمرت العوائق أمام الإصلاح، أليست هذه ثقة زائدة في النفس؟ وهل أنتم متأكدون أن الشعب سيعيدكم إلى المرتبة الأولى في الانتخابات القادمة رغم أنه لم ير إنجازات تذكر إلى الآن؟ إن الأمر لا يتعلق بتهديد أو ثقة زائدة، بل يندرج في إطار تطبيق الدستور لأن الشعب صوت لنا وبوأنا الصدارة لنقود، إلى جانب أطراف أخرى، عملية الإصلاح وفق معادلة دقيقة: «الإصلاح في ظل الاستقرار»، ونحن بطبيعتنا نقاوم التحديات والعراقيل لكن ليس إلى درجة البقاء فقط واستمراء الجلوس على الكراسي وعدم القيام بأي إصلاح، لأنه اليوم أصبحت المسؤولية مقرونة بالمحاسبة، ولا يمكن أبدا أن نبقى خمس سنوات في السلطة ونأتي في الأخير لنبرر عدم قيامنا بالإصلاحات الضرورية المتعاقد بشأنها مع الشعب من خلال ممثليه بكون العفاريت أو بعض المتنفذين أو بعض الأطراف داخل الأغلبية لم تدعنا نشتغل، لأن البكاء وراء الميت، كما يقال، خسارة. ومن جانب آخر، فثقتنا في الشعب كبيرة من ناحية وعيه بالمفسدين والمعرقلين، وهو ما أبان عنه في مختلف المحطات، والحاجة ماسة اليوم إلى فرز حقيقي للمشهد السياسي، وإلى التفعيل الديمقراطي للدستور واللجوء إلى الشعب ليقوّم الاعوجاج والاختلال. وبين هذا وذاك، فقد تعهد رئيس الحكومة بالوضوح والصراحة وقول الحقيقة للشعب، وهو ما يقتضي توضيح الأمور في ما يتعلق بمدى تقدم الإصلاحات وأسباب تعثرها وسبل الخروج منها والخيارات الممكنة.
{ ألا تتخوفون من أن تنتهي ولاية هذه الحكومة دون تحقيق ما وعدتم به الناخبين من نسب نمو وعجز وتشغيل؟ هناك معطى مهم يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار أثناء مناقشة هذا الموضوع، فحزب العدالة والتنمية رغم أنه اليوم وصل، بفضل الله عز وجل ثم بفضل ثقة الشعب، إلى رئاسة الحكومة والمساهمة في تدبير الشأن العام، إلا أن طموحه وبرنامجه العام لا يتوقف عند الولاية الحكومية، دورنا أكبر من ذلك بكثير. نحن نسعى إلى القيام بإصلاحات في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه الإصلاحات نحن واعون بأن ولاية واحدة أو حتى ولايتين لن تَسَعَها، بالطبع لن يكون بمقدورنا أن نصلح لوحدنا، لابد من تضافر جهود كل الخيرين من أبناء هذا الوطن للقيام بالإصلاحات الضرورية. لكن هذا لا يعني أنا نتنصل من مسؤوليتنا والتزاماتنا مع الناخبين، فالحزب من خلال فريقه الحكومي، وبتنسيق مع شركائه، يحاول جاهدا الوفاء بما جاء في التصريح الحكومي، ويجتهد ويبادر ويقترح، وفريقه النيابي أيضا يسير في هذا الاتجاه من خلال دعم الحكومة على المستوى البرلماني، وأكيد أنه إذا تم التوافق على إجراء الإصلاحات الهيكلية فكل النسب والإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي قابلة للتطبيق وللتنفيذ.
{ تصنف ضمن كتيبة الصقور في الحزب، هل هناك فعلا صقور وحمائم في حزب العدالة والتنمية حتى وهو في الحكومة؟ أولا الحزب مليء بالطاقات والكفاءات والمخلصين للمبادئ التي من أجلها أسس حزب العدالة والتنمية، ثم ثانيا إن الأمر لا يتعلق بتصنيف الأعضاء إلى صقور متشددين وحمائم معتدلين، وإنما يمكن تفسير الأمر بمدى تمثل البعض لقرارات الهيئات، ومنها الأوراق المصادق عليها من طرف المؤتمر وبيانات وقرارات المجلس الوطني باعتبارها موجهة إلى الجميع دون استثناء، لذا تأتي بعض تصريحاتنا مذكرة بهذا السقف، ولا ننس أننا نشتغل في ظل دستور جديد، وفي سياق جديد يقتضي منا التوجه بممارساتنا الديمقراطية نحو الأمثل والأفضل.
{ البعض يقول إن هناك توزيع أدوار داخل الحزب، «شي تيبوخ وشي تيكوي»، وإن الوزراء عندما يواجهون مصاعب في مهامهم من داخل السلطة يطلقون الصقور على خصومهم، فما هي حقيقة الأمر؟ لو كان الأمر كذلك لما خرج السيد عبد الإله بنكيران أكثر من مرة موضحا ومنتقدا بعض التصريحات، ودعني أصارحك بأن وزراء العدالة والتنمية اليوم أصبحوا أكثر تحفظا داخليا وخارجيا، ولا يصلنا إلا الجزء اليسير من حجم الإكراهات والعراقيل التي يتعرضون لها. وما ترونه من ردود فعل في تصريحاتنا تجاه بعض وجوه التحكم أو المشوشين ومقاومي الإصلاح، إنما سببه الأساس أنتم أهل الإعلام والصحافة أولا، ثم تحليلاتنا للواقع بصفة فردية وعصامية لمدى تقدم تفعيل الدستور وتطبيق البرنامج الحكومي وتنزيل أوراش الإصلاح.
{ ما هو تقييمك لطريقة إنزال الدستور بعد أكثر من سنة ونصف على اعتماده؟ تنزيل الدستور مسؤولية الجميع، مسؤولية الملك من خلال اختصاصاته ومن خلال صلاحياته كرئيس للدولة، وهو أيضاً مسؤولية رئيس الحكومة والحكومة بأكملها نظرا للاختصاصات والصلاحيات التي أصبحت تتمتع بها، وتنزيل الدستور مسؤولية البرلمان كذلك كسلطة تشريعية، ومسؤولية الأحزاب السياسية، سواء كانت ممثلة داخل البرلمان أم لا، ومسؤولية المجتمع المدني الذي يجب أن يبقى حيا يرصد الاختلالات التي يمكن أن تظهر هنا وهناك، كما أن للإعلام والصحافة كسلطة رابعة مسؤولية في تنزيل الدستور، وللهيئات الدستورية الجديدة المنصوص عليها في الدستور مسؤولية هي الأخرى ولعموم المواطنين كل حسب طاقته ومستواه، ليس فقط من جانب أن هناك مقتضيات خاصة بالحقوق والحريات يجب الدفاع عنها، ولكن أيضاً من خلال التقدم إلى الجهات المعنية للدفع بعدم دستورية بعض القرارات. اليوم بعد أكثر من سنة ونصف من اعتماد الدستور الجديد يمكن أن نسجل بعض النقائص في تنزيله، خاصة على المستوى الحكومي، أبرزها الصيغة والشكل اللذان خرج بهما القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب السامية، وإن كنا قد تفهمنا في الأغلبية السيرورة والسياق الذي خرج فيه كواحد من القوانين الأولى التي طُرحت في المجلس الحكومي، لكن يمكن تداركه مستقبلا من خلال التعديل أو من خلال التعيينات التي تقترح أصلا من طرف رئيس الحكومة أو المجلس الحكومي. أما باقي الأمور الأخرى فنؤكد أن رئيس الحكومة يمارس كل الصلاحيات المخولة له دستوريا بالرغم من كل الإكراهات والتحديات، فكم من مرة رفض رئيس الحكومة تجاوز بعض الأطراف لصلاحياته في التعيين، وسيأتي الوقت والمناسبة لإطلاع الرأي العام على بعض هذه الجوانب. وعموما أعتقد أن ما ينتظرنا كبير جداً على مستوى التفعيل الديمقراطي للدستور الذي يجب أن تتضافر وتتعاون كل الأطراف والجهات لتحقيقه.
{ البعض يقول إن عبد الإله بنكيران ومعه عبد الله بها يتجهان إلى تأويل الدستور رئاسيا عوض تنزيله برلمانيا، وهذا كان واضحا في عدد من القوانين التنظيمية والعادية التي جاءت بها الحكومة إلى الآن. ما هو رأيك؟ رئيس الحكومة، حسب ما نتوفر عليه من معطيات، حريص على القيام بصلاحياته كاملة كما هي في الدستور، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من التشاور والتنسيق مع ملك البلاد باعتباره رئيساً للدولة، وبعض القضايا الحساسة تكون الاستشارة فيها واجبة، فضلا عن إيماننا بأن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا وفق معادلة ثلاثية: الإصلاح في ظل الاستقرار، والإصلاح بالتعاون مع الملكية، والإصلاح في إطار جبهة موسعة.
{ إذا فشلت الحكومة الحالية في محاربة الفساد والاستبداد، هل تعتقد أن المستفيد الأول سيكون هو جماعة العدل والإحسان؟ من المؤكد أن مقاومة الإصلاح وعودة التحكم ستقوي جانب غير المؤمنين بالعمل من داخل المؤسسات، بل ويمكن أن تحيي من حيث لا تريد حركات ربما أقوى من 20 فبراير، إلا أننا نظن أن الدستور الجديد فيه كثير من الصلاحيات والمهام وقواعد العمل التي ستمكن، على مراحل، من القضاء على التحكم والاستبداد ومحاربة الفساد. مدراء ومسؤولون يشتغلون وفق أجندات أعداء الإصلاح
{ ما حقيقة التدهور المفاجئ في المالية العمومية بعد بضعة أشهر على توقعات قانون المالية؟ أعتقد أن التدهور المفاجئ ليس وصفا دقيقا لما تشهده المالية العمومية، صحيح أن هناك إكراهات وصعوبات مالية ناتجة بشكل كبير عن تأثر المغرب بالوضعية الاقتصادية للدول الشريكة له اقتصاديا، خاصة بأوربا، حيث سجل معدل النمو عالميا انخفاضا كبيرا بعد أن انتقل من 5,1 سنة 2010 إلى 3,2 % في 2012. أما منطقة الأورو فسجلت معدلا سالبا قدر بناقص 0,4 % بعدما كان في حدود 2% سنة 2010. ثم إن مؤشرات بداية سنة 2013 تُظهر أن هناك مجهودا حكوميا لا يمكن القفز عليه في تدبير الوضع من خلال إجراءات شفافة تستهدف معالجة اختلالات التدبير الخاطئ للحكومة السابقة، ثم أيضا هناك معطيات مالية دولية عمقت هذه الصعوبات والإكراهات، حيث إن أسعار الطاقة سجلت ارتفاعا مما أثر بشكل سلبي على المالية العمومية والحساب الجاري لميزان الأداءات، واحتياطي العملة الصعبة أيضا، مقابل عدم استقرار أسعار الصرف، خاصة الارتفاع الذي يشهده سعر صرف الدولار المعتمد في أداء الفاتورة الطاقية. إذن هذه معطيات موضوعية يجب على المغرب أن يتعامل معها بإمكاناته المحدودة والمعروفة.
{ عقدتم اجتماعا مع كل من نجيب بوليف، الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، وإدريس الأزمي، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، عن الوضع الاقتصادي والمالي، ما هي الصورة التي قدمت لكم؟ نعم عقدنا اجتماعا خصصناه لتدارس الوضع الاقتصادي بالبلد، واستدعينا لهذا الغرض وزيري الحكامة والميزانية، محمد نجيب بوليف وإدريس الأزمي، ما يمكن أن أقول لكم حول الصورة التي قُدّمت لنا، هو أنه ترسخ لدينا بما لا يدع مجالا للشك أن الوضعية الحالية هي نتاج لسياسات عمومية سابقة، وهي آثار لتوجهات خاطئة للحكومة السابقة، فمثلا نسبة 7,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، المسجلة في عجز الميزانية عن سنة 2012، كانت بسبب الارتفاع المسجل في النفقات العمومية المتعلقة بالتزامات جرى تأخير كبير في صرف اعتماداتها، وحرصت الحكومة الحالية على تأديتها في سنة 2012 لتمكين فئات عريضة من الموظفين من مستحقاتهم، لذلك انتقلت كتلة الأجور من 88,53 مليار درهم سنة 2011 إلى 96,2 مليار درهم في 2012، ومن 93,5 مليار درهم كمتوقع إلى 96,2 مليار درهم كأداء فعلي، أي بزيادة 2,8 مليار درهم (الترقيات في الدرجة والرتبة وكذا التسقيف تفعيلا للحوار الاجتماعي)، وتغطية العجز المسجل في نفقات المقاصة الذي انتقل من 32,5 مليار درهم كمتوقع إلى 54,9 مليار درهم كأداء منجز، أي بزيادة 22,4 مليار درهم (أو 28 مليارا خاما)، بالإضافة إلى تسريع الأداءات لفائدة الشركات برسم الصفقات العمومية في إطار تكثيف الاستثمار، وذلك بزيادة 2,5 مليار درهم بين المتوقع والمنجز، ثم ارتفاع تسديدات الضريبة على القيمة المضافة التي عرفت زيادة بحوالي 1,4 مليار درهم، وهو ما يفسر نسبة العجز المرتفعة المسجلة التي قاربت 9 % لولا مجهودات الحكومة على مستوى تحسين المداخيل بزيادة 6,9 ملايير درهم، وترشيد النفقات بزيادة 3,3 ملايير درهم، وتحسين رصيد الحسابات الخصوصية بزيادة 1,2 مليار درهم والتطبيق الجزئي لنظام المقايسة بالزيادة في أثمان المحروقات، مما مكن من توفير حوالي 5,7 ملايير درهم، مما أبقى نسبة العجز في حدود 7,1 %.
{ ما حقيقة ما قيل عن أداء وزارة المالية ل5 ملايير درهم من مستحقات الشركات البترولية في دجنبر 2012؟ أولا، لا بد من الإشارة إلى أن تسريع الأداءات لا علاقة له بالعجز في الميزانية، والمستحقات المسجلة ضمن نفقات الميزانية تبقى نفقات يجب تأديتها مهما تأخر الأداء، وليس من القانون ولا من الشفافية عدم تسريع أدائها، لذلك ما راج عن كون صرف 5 مليارات للشركات البترولية في دجنبر 2012 عمق العجز ليس صحيحا من الناحية الاقتصادية، وحتى إذا تم تأخير صرفها فإنها ستحتسب ضمن عجز سنة 2013، وهذا أمر غير مقبول من حكومة رأسمالها الالتزام بمنطق المصداقية أولا في تدبير المالية العمومية. كما أن بعض المسؤولين والمدراء يتصرفون بمنطقهم الخاص ضدا على إرادة وأهداف وتصور الحكومة، بل وضد حتى منطقهم وتصرفاتهم السابقة مع الحكومات السابقة، مما يوحي بأن بعضهم يشتغل في إطار أجندات بعض المتحكمين وأعداء الإصلاح، وبالتالي على الحكومة وضع النقط على الحروف معهم، والتسريع بمحاسبتهم وتعويضهم بمسؤولين جدد في مستوى التحديات الجديدة.
{ هل تفكر الحكومة فعلا في رفع أسعار بعض المواد؟ وما موقفكم من ذلك؟ المؤشرات الموضوعة أمامنا اليوم لا تفيد بأن للحكومة نية في زيادة الأسعار، ونحن ننبه مرة أخرى إلى أن الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، وإن كنا عبرنا عن تفهمنا لضرورته، ينبغي ألا يلحق الضرر بأي صورة كانت بالقدرة الشرائية للمواطنين، أو بوتيرة الاستثمار العمومي، أو استقرار الطبقة الوسطى، فالخطوط الحمراء ليست حكرا على طيف سياسي دون غيره، ونحن كذلك نمثل الشعب، ونحن من الشعب، ومستعدون لتسطير خطوط حمراء وزرقاء وصفراء وسوداء أيضا إذا ما تبين لنا فعلا أن الحكومة يمكن أن تمس الأسعار، كإجراء ضمن إجراءات أخرى للحفاظ على توازن المالية العمومية والمصلحة العامة للبلاد واستقرارها. لقد أصبح مبتذلا السعي إلى التميز عن الأغلبية والضغط على الحكومة بل وابتزازها من طرف البعض بتصريحات وخرجات إعلامية مستفزة ونشاز تحت عناوين مختلفة، ظاهرها الدفاع عن الشعب، وباطنها وهدفها أشياء وأمور أخرى. وفي جميع الأحوال لا ينبغي أن تعطى مبررات لمن يريد أن يفسر ذلك باللعب على الحبلين، وإعطاء إشارات لبقايا المتحكمين الساعين إلى العودة، ضدا على إرادة الأمة ومقتضيات الدستور، بإمكانية خدمتهم من داخل الأغلبية عبر لعب دور المعرقل أو المبطئ لوتيرة الإنجازات الشعبية للحكومة بكل مكوناتها.
{ إلى حد اليوم لا توجد أي جدولة زمنية للحكومة لإصلاح صندوق المقاصة ولا لإجراء الانتخابات، هل وصلت النقاشات داخل الأغلبية إلى الباب المسدود حول هذه المواضيع؟ لا أعتقد أن النقاش بين مكونات الأغلبية الحكومية وصل إلى الباب المسدود، بدليل انعقاد اجتماعات الأغلبية بشكل عادي، وتداولها في مختلف القضايا، صحيح هناك تصريحات وكلاما يتحمل أصحابه مسؤوليته، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الرؤى والتوجهات والقراءات، لكن الذي نأمله أن يتحلّى الجميع بروح المسؤولية والانخراط الجماعي في تبني القرارات المشتركة والدفاع عنها، عوض أخذ إيجابياتها وتحميل طرف ما دون غيره ما يُحتمل أن يكون لها من سلبيات. إصلاح صندوق المقاصة واستكمال بناء المؤسسات، بما فيها مجلس المستشارين، على أرضية انتخابات جهوية وجماعية، بات من الأولويات، لكن لا يمكن أن نعتقد أن أمر الاتفاق حول هاذين الورشين بالسهولة المتوقعة، لأن الشروع فيهما سينقل المغرب إلى مرحلة جديدة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، لكن أيضا تبدو سنة وثلاثة أشهر كافية لتقريب وجهات النظر بين فرقاء الحكومة وبينهم وبين غيرهم من المؤسسات المعنية بالورشين، والشروع في تزيل الإصلاحات المتعلقة بهما وبغيرهما من الأوراش، خاصة ورش إصلاح منظومة العدالة وإصلاح أنظمة التقاعد والإدارة، وهناك تخوفات بشأن عدم وضع جدولة زمنية واضحة لبداية تنزيل هذه الإصلاحات، لأن الوقت لا ينتظر والانتظارات تكبر، والفوارق تتفاقم.