أصبحت حكايات تعنيف الأزواج لزوجاتهم أمرا مألوفا ، وأضحت لا تثير الاندهاش لتعوّد( وليس تقبل) المغاربة على ذلك، ولكن أن يتعرض أزواج للعنف الجسدي واللفظي من قبل زوجاتهم، فهذا هو الخروج عن المألوف، و«الظاهرة» التي أصبحت تتزايد. نظرة المهدي إلى جاره لا تختلف كثيرا عن نظرة المجتمع المغربي للرجال «المعنفين»؛ ففي مجتمع ذكوري، قد ينظر إلى رجل يعنف زوجته على أنه «بطل»، وعكس الأدوار أمر لم يتقبله المغاربة بعد... وإذا كانت الأصوات قد تعالت لسنوات عديدة لمناهضة العنف الأسري ضد المرأة، فيبدو أنه قد جاء دور الرجل ليشرب من نفس الكأس على يد امرأة، ويطالب بإنقاذه من عنف الجنس الناعم.
«الما والشطابة حتى لقاع السبيطار...» يحكي «الزبير» اسم مستعار، مساعد صيدلي تجاوز الخمسين بسنتين، قصته بكثير من الألم، «جميع أنواع العنف دوزتها، العنف الجسدي، العنف الرمزي، العنف المادي» مضيفا، «ذنبي الوحيد هو أنني حريص على الحفاظ على مؤسسة زواج أثمرت طفلين.» معاناة الزبير مع زوجته، أو المرأة الحديدية كما يصفها، بدأت بعد ثمان سنوات من الزواج، «اللي جات فيديها كتشيّر بيها عليّ»، خصوصا عندما أحاول مناقشتها حول تربية الأطفال، لأنها»كانت مهملة فيما يتعلق بنظافة الأولاد ودراستهم، وهو شيء لم يكن يروقني. في البداية، رفضت تقبل ملاحظاتي، لكن هذا الأمر لم يطل كثيرا، لأكتشف الوجه الآخر لزوجتي الشابة.» في البداية، بدأت الزوجة «تنتقم» لكرامتها ب»معايرة «الزوج بقلة مدخوله تارة، وسبه وشتمه أمام أبنائه وجيرانه تارة أخرى، «إلا أن ذلك لم يشف غليلها مني، يضيف الزبير، «فقد تطور الأمر ووصل إلى حد ذهابها إلى مقر عملي كل يوم، وهي تسب وتشتم بصوت مرتفع، مما تسبب بطردي من عملي في الصيدلية الذي كان مصدر دخلي الوحيد.» طرد الزبير من عمله، كان بداية فصل جديد من فصول حكايته الغريبة مع زوجته، ف»بعد أن كانت تعيّرني بقلة المدخول، انعدم هذا المدخول من الأساس، لأصبح «ملطشة» البيت كما يقول المصريون، وبما أنها أصبحت هي من يوفر مصروف البيت، استقوت علي أكثر، ووصل الأمر إلى الاشتباك الجسدي...» لتهدي له الزوجة في إحدى معاركهما جرحا بسبع «غرزات» على مستوى أسفل الحاجب وصولا إلى محيط العين، مستعملة في ذلك «عصا ديال الشطابة، أو على الأقل ما وجدته أمامها قبل أن يحملني الجيران إلى قسم المستعجلات...» يقول الزبير بنبرة لا تخلو من الدعابة.
العنف والعنف المضاد حكاية هشام لا تختلف كثيرا عن الزبير...هو شاب ثلاثيني، تاجر بسيط، دخل في علاقات كثيرة، جعلته يخشى الزواج من إحدى عشيقاته، ليلجأ إلى الزواج بطريقة تقليدية. اختارت له والدته فتاة رأت فيها الجمال والعفاف لكونها ترتدي النقاب، فوافق الشاب على اختيار أمه رغم تحفظه على مسألة النقاب، وحاول إقناع زوجته وأهلها بأن «الحجاب يكفي»، لكنهم رفضوا الأمر، لتنتقل الزوجة المنقبة إلى بيت الزوجية. «في البداية، استصعبت التعايش مع هذا الواقع»، يقول هشام، «إذ أنها أصبحت تشترط علي أن يحدد إخوتي الذكور مواعيد مسبقة قبل قيامهم بزيارتنا، إلا أنني تعودت على الأمر بعد مرور الأيام، وتقبلته، خصوصا بعد حملها.» حمل الزوجة كان له وقع السحر على هشام، الذي لم يعد يرفض لها طلبا لانتظاره لهذا الطفل منذ سنوات،» أصبحت ضعيفا أمامها بسبب حبي لطفلي، لكنها ردت على هذا الضعف بالاستقواء علي بأهلها.» فكثرت خرجات الزوجة مع أفراد عائلتها، لتطلب منه في يوم من الأيام أن ترافقهم في رحلة استجمام إلى مدينة مراكش، «رفضت بسبب صغر سن ابني الرضيع،» يقول هشام، «إلا أنني لم أجدها في البيت بعد عودتي إليه من العمل، لتخبرني فيما بعد برسالة نصية أنها قد سافرت مع أهلها...» لم يتمالك هشام أعصابه، وتوجه في اليوم نفسه إلى المدينة الحمراء ليستعيد زوجته وطفله، لكنه وجد ما لم يكن في حسبانه، «وجدت زوجتي المنقبة، تسبح بلباس بحر من قطعتين في مسبح عمومي وعلى مرأى من الرجال، ومن أمها وإخوتها...» يضيف هشام، «صدمت بشدة، وحاولت إجبارها على العودة إلى الدارالبيضاء، لكنها رفضت بعناد، فلم أتمالك أعصابي إذ دفعتها بشدة حتى سقطت أرضا، لأعود أدراجي بعد توسط أهلها وطمأنتني بعودتها القريبة».
ضربني وبكى سبقني وشكا عادت الزوجة إلى البيت، لكنها عادت ل»تنتقم»، كما يقول هشام، «فوجئت بإنسانة أخرى، تاركة ابننا في منزل أهلها، لتتهجم علي بكل ما أوتيت من قوة وما وقع تحت يديها من أواني وآلات حادة... لحق بها بعد5 دقائق إخوتها ووالداها، و»دار فيا كل واحد شرع يديه»، ليخرج هشام من هذه «المجزرة» على حد قوله بجرح غائر في رأسه وفك مكسور، مطرودا من بيته محروما من ابنه ووثائقه كلها. بعد ذلك، سارعت الزوجة إلى تقديم شهادة طبية وشهود لإثبات اعتداء هشام عليها في مراكش، رافعة عليه دعوى طلاق للشقاق، أتبعتها بدعوى إهمال أسري، لتحكم عليه المحكمة ب»مبالغ خيالية»، بسبب تقديم الزوجة لوثائق وشيكات تخص تجارة والده التي يشرف عليها، وتحرم الزوجة الأب من رؤية ابنه لمدة تزيد عن ثلاث سنوات لم يعرف فيها هشام شيئا عن ابنه بسبب نقله إلى مدينة أخرى...
عنف من نوع آخر ارتباط الزوجة بعائلتها، قد يكون سببا مهما للخلافات بين الزوجين... «داروا عليّا النقابة فالدار.» يشرح كريم، موظف بسيط ذو28 سنة، معاناته مع الجنس اللطيف، «حياتي كانت عادية مع زوجتي التي ارتبطت بها بعد قصة حب دامت لخمس سنوات، لكن بعد عقد القران بأربعة أشهر، بدأت المشاكل تتسلل لحياتنا...» مشاكل الزوجين الشابين لم تكن بسبب الخلافات التي عادة ما تنشب بين الأزواج في سنوات الزواج الأولى، بل بسبب طلاق أم الزوجة...»بعد طلاق «نسيبتي»، لم تعد تستطيع تحمل تكاليف كراء منزل الزوجية بسبب ضآلة النفقة، فجعلني حبي لزوجتي ورأفتي بحالها أعرض عليها أن تدعو أمها وأختها الصغرى للعيش معنا، لأكون بذلك جنيت على نفسي وتسببت في أن أعيش كابوسا».... انتقال أم الزوجة وأختها إلى المنزل، كان محل ترحيب من كريم في بداية الأمر، إلا أنه مالبث أن ضاق ذرعا بسبب تصرفاتهما، «أصبحتا تتدخلان في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، حتى فيما يتعلق بالتفاصيل الحميمية لعلاقتنا الزوجية،» لذلك طلب كريم من زوجته أن تطلب من أمها وأختها الانتقال إلى منزل أخيها الأكبر، لتندلع بذلك شرارة الحرب، «اتحدتا ضدي، وطردنني من المنزل وغيرتا المفاتيح، وقامتا بتحريض زوجتي على رفع قضية إهمال الأسرة ضدي، تلتها دعوى طلاق للشقاق... عنف جسدي، عنف نفسي، طرد من المنزل، حرمان من الأبناء...بعض الرجال ضاقوا ذرعا بعنف زوجاتهم، ولم يجدوا حرجا في الاستنجاد بالشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل، التي تأسست خصيصا لهذا الأمر، بعدما تفاقمت ظاهرة العنف ضد الأزواج في المغرب، ملتمسين منها النصح والإرشاد والمساعدة على تجاوز معاناتهم النفسية. لكن الكثيرين، يفضّلون عدم الجهر به، والاستمرار، مجبرين، في هذا المسار الحياتي، خوفا على هيبتهم كرجال، وضمانا للاستقرار النفسي للأبناء...