خرجت النقابات بخفي حنين من أول اجتماع بينها وبين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، عُقد يوم الجمعة الفائت بمقر رئاسة الحكومة، بعد «قطيعة» طال أمدها منذ الصيف الماضي، أي شروع الحكومة في إقرار تصورها لإصلاح نظام التقاعد. وتمسك بنكيران في الاجتماع المذكور بتنفيذ تصور حكومته لمشروع إصلاح التقاعد، بينما تشبثت النقابات بضرورة سحبه من البرلمان وإعادته لطاولة المفاوضات. وعدا تعهد بنكيران بأن تدعم فرق الأغلبية التعديلات التي ستقدمها النقابات في البرلمان ب"شرط أن تكون معقولة"، فإن الاجتماع لم يخلص إلى شيء يذكر، في انتظار أن يعقد اجتماع ثان قريبا لتقديم عرض حكومي حول مطالب النقابات، وإطلاق جولة جديدة من الحوار الاجتماعي مع قرب نهاية ولاية هذه الحكومة. وقال مصدر مسؤول برئاسة الحكومة لليوم24 إن «بنكيران طلب عقد هذا الاجتماع مع النقابات، ووجهت إليها الدعوة، لكن هذه الأخيرة ترددت في بادئ الأمر في قبول فكرة الاجتماع غير الرسمي، وتأخرت استجابتها ليومين كاملين». وبحسب المصدر ذاته، فإن زعماء النقابات (الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين والفيدرالية الديمقراطية للشغل) كان موقفهم في الاجتماع متشددا إزاء ما يمكن وضعه فوق طاولة الحوار الاجتماعي: «طلب النقابيون من رئيس الحكومة أن يسحب مشروع إصلاح التقاعد، وأن يعيده إلى طاولة الحوار، وبحسب ما قالوا، فإنهم يرغبون أن يكون مشروع إصلاح التقاعد متوافقا عليه بين الفرقاء المعنيين، لكن رئيس الحكومة رفض ذلك، لأن معناه العودة إلى نقطة الصفر في ملف طال عليه الأمد كثيرا». وأقر عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وكان من الحاضرين في الاجتماع، بأن «الخلاف ظل كما كان عليه» بين النقابات ورئيس الحكومة، بحيث «إن النقابات تلح على أن تشمل المفاوضات كل شيء، وبالدرجة الرئيسية مشروع إصلاح التقاعد، لكن بنكيران يتمسك بموقفه بعدم فعل ذلك». لكن رئيس الحكومة قدم للنقابات مقترحا ثالثا يتمثل في تقديمها تعديلات «معقولة»، وقال مصدرنا برئاسة الحكومة «إن بنكيران قال للزعماء النقابيين: «لديكم فرصة لمعالجة ما ترونه غير مناسب في مشروع إصلاح التقاعد داخل البرلمان، وإذا قدمتم تعديلات معقولة، فإننا سندعمها عن طريق الأغلبية وسنصوت لإقرارها.. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن سلكها في هذا الملف». ويؤكد هذا عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، بحيث يقول «إن بنكيران تشبث بموقفه، ومنحنا فكرة تقديم تعديلات في البرلمان، لكننا لم نحضر للاجتماع كي نناقش هذه الإمكانية في تعديل مشروع إصلاح التقاعد، وإنما لنرى ما إن كان بنكيران سيلين موقفه ويسحب المشروع برمته». وبسبب تمسك النقابات بموقفها بإدراج مشروع إصلاح التقاعد في أي جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، فإن الاجتماع «لم يخلص إلى شيء يذكر»، ويقول مصدرنا برئاسة الحكومة: «إن المناقشات كانت عبارة عن حلقة مفرغة، أعيدت فيها كل الصيغ التي سبق قولها من لدن النقابات، واستغرق ذلك وقتا طويلا من دون أن تكون هنالك جدوى عملية، وبالتالي كانت الخلاصة العملية صفر». ومع ذلك، أقنع بنكيران الزعماء النقابيين بعقد اجتماع ثان، وكما يقول الزاير لليوم24، فإن «اجتماعا ثانيا سيعقد بين النقابات ورئيس الحكومة، بصفة غير رسمية لمناقشة ما سيقدمه لنا». وطلب بنكيران من النقابات منحه مهلة زمنية لتقديم تصور حول بعض مطالب النقابات المرتبطة بالزيادة في الأجور وتقليص الضريبة على الأجر وتعديل القانون المتعلق بالحريات النقابية، ويؤكد العزوزي أن «الاجتماع الثاني قد يكون حاسما في معرفة ما إن كانت هنالك رغبة جدية لدى رئيس الحكومة في إطلاق جولة جديدة من الحوار الاجتماعي». ولم يحدد أي موعد لهذا الاجتماع، لكن الزاير يشدد على أن «هذه الترتيبات يجب أن تكون سريعة». وتعقد النقابات يوم غد الثلاثاء، اجتماعا لمناقشة تنفيذ برنامجها الاحتجاجي، لكن مسؤولا نقابيا رجح ألا يخلص الاجتماع إلى أي قرار لشن إضراب عام في البلاد. ولم يخرج اجتماع مشابه عقد الأسبوع الفائت بأي خلاصة، بالرغم من أن بعض المسؤولين النقابيين كانوا يلوحون بأن قرارا لشن الإضراب العام سيتخذ في ذلك الاجتماع، لكن توجيه رئيس الحكومة لدعوته إلى عقد اجتماع، دفعت بالزعماء النقابيين إلى التريث أكثر، وانتظار ما ستسفر عنه الاجتماعات غير الرسمية مع رئيس الحكومة. وقال الزاير «إن بنكيران لم يطلب منا في الاجتماع أي شيء فيما يخص تنفيذ ما تبقى من البرنامج الاحتجاجي، وبالنسبة إلينا، فإن مبدأ تنفيذ الإضراب العام لا يمكن التخلي عنه ما لم تتغير طبيعة العملية التفاوضية مع رئيس الحكومة، وهذه ورقة في أيدينا سنستعملها في الوقت المناسب».