كلما ضربت داعش بعنف في عدة دول، وفي وقت متزامن تقريبا، كما حدث أخيرا في فرنسا ومالي ولبنان ومصر والكاميرون، لجأت الأجهزة الأمنية المغربية إلى الرفع من درجات التأهب إلى مستوياتها العليا. النتيجة أن المغرب ظل لحد الآن في مأمن من ضربات داعش، بل يستطيع أن يوجه ضربات إلى هذا التنظيم خارج مجاله الترابي، كما حدث أخيرا في فرنسا. إبراهيم اسعيدي، أستاذ جامعي مختص في الدراسات الأمنية والعسكرية، قال ل« اليوم24» إن الطريقة التي تشتغل بها الأجهزة الأمنية، وخاصة المخابرات، أثبتت فعاليتها، والدليل ما تم تقديمه لفرنسا من معلومات أدت إلى توجيه ضربة قاصمة إلى خلية عبد الحميد أباعوض، العقل المدبر لهجمات باريس يوم 13 نونبر الجاري. فكيف تشتغل هذه الأجهزة؟ وما هي عناصر الخطة الأمنية لمواجهة داعش؟ وما نتائجها؟ مخطط أمني بدعم من الجيش منذ صيف 2014 حتى الآن، تبدو عناصر المخطط الأمني لمواجهة داعش متعددة المستويات. وزير الداخلية، محمد حصاد، أعلن أمام البرلمان يوم 15 يوليوز 2014، أن الأجهزة الأمنية وضعت استراتيجية طويلة المدى، تأخذ بعين الاعتبار أن الإرهاب أصبح معطى بنيويا في العلاقات الدولية، ويتوقع أن يستمر في زعزعة استقرار كثير من الدول على مدى السنوات المقبلة. وتقوم الخطط الأمنية على ثلاثة مرتكزات: العمل الاستخباراتي، والتنسيق والتعاون بين المصالح الأمنية والوحدات الترابية، والتدخل الاستباقي، إضافة إلى التنسيق الدولي. وأفاد وزير الداخلية بأن وزارته تتوفر على رؤية لكل درجة من الخطر والتهديد الإرهابي، وبالتالي، فهي «تتوفر على مخططات لكل درجة من درجات التأهب واليقظة»، كما أنه مخطط «يحدد مهام كل مصلحة في التدخل والزجر». ومنذ تلك الفترة اتخذت الأجهزة الأمنية إجراءات عديدة لتنزيل المخطط، سواء على مستوى المصالح الأمنية، أو الوحدات الترابية، حيث تمت دعوة الولاة والعمال، وولاة الأمن، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، إلى اليقظة والحذر، وتشديد المراقبة والحراسة على الحدود وعلى الموانئ والمطارات، وتوفير الحماية للمنشآت والمؤسسات الحيوية من خلال آلية حذر التي اقتضت تدخل الجيش لمساعدة الأجهزة الأمنية الأخرى على تنزيل المخطط الأمني. وفي شتنبر 2014، ظهر أن تقييم الأجهزة الأمنية لدرجة الخطر الإرهابي مرتفع. ورغم أن الوزير حصاد لم يعلن درجات اليقظة والتأهب التي يعتمدها المغرب، إلا أن إبراهيم اسعيدي، الأستاذ الجامعي المختص في الدراسات الأمنية والعسكرية، اعتبر أن المخطط الأمني المغربي شبيه بمخطط Vigipirate الفرنسي، بل «استنساخ له»، وهو المخطط الذي يقضي بتدخل الجيش لمساعدة الأجهزة الأمنية في الميدان كلما كانت درجة الخطر مرتفعة. الضابط.. والمقدم لكن كل تلك الإجراءات والسياسات تقوم في النهاية على أمر واحد هو كفاءة العمل البشري. إبراهيم اسعيدي يرى أن محاربة الإرهاب تعتبر عملا مخابراتيا في النهاية، ويضيف: «بقدر ما تجمع من معلومات، بقدر ما تستطيع إفشال المخططات الإرهابية». وتعتمد المخابرات، في كل دول العالم اليوم، على الوسائل التكنولوجية والتقنية الفعالة، التي تتيح لها التجسس عن بعد على الخلايا والعناصر والشبكات الإرهابية، عبر التنصت، ومراقبة الوسائط الاجتماعية مثل الفايسبوك والتويتر، وتتبع المراسلات عبر الأنترنت، حيث لا تعترف، حتى وإن وجد قانون ينظم ذلك، بأي حدود في مراقبة وتتبع المتهمين أو الذين يثيرون الشكوك. وإن كانت المخابرات الدولية باتت تعتمد على التقنية لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها، فإن الجماعات الإرهابية أدركت، من جهتها، خطورة السقوط في هذا الفخ. وفي حادثة اغتيال أسامة بن لادن بباكستان في ماي 2011، بدا واضحا أن تنظيم القاعدة، مثلا، عاد إلى استعمال الأساليب التقليدية في التواصل المباشر بين قيادته عبر وسطاء موثوقين، وهي وسيلة تبدو فعالة لأنها أنقذت ابن لادن لسنوات من أعين الفرق الخاصة في مخابرات دول عديدة في تلك المنطقة. كما أن حادثة باريس يوم 13 نونبر الجاري تكشف أيضا أن عبد الحميد أباعوض استطاع أن يفلت من رقابة أعتى الأجهزة الاستخباراتية الأوربية بالوسيلة نفسها، ولم تستطع فرنسا الوصول إليه إلا من خلال معلومات موثوقة تم الوصول إليها بطريقة تقليدية، وعلى الطريقة المغربية. في هذا السياق، يرى إبراهيم اسعيدي أن المخابرات المغربية تشتغل بطريقة مُميزة عن المخابرات الأخرى في كل بلاد العالم، كونها تجمع في عملها بين نخبة من الضباط المكونين تكوينا جيدا، في الوقت الذي تعتمد فيه كذلك على شبكة من المقدمين والشيوخ.وإذا كنا لا نتوفر على معطيات حول الكيفية التي يشتغل بها المجلس الأعلى للدفاع والأمن المحدث في نهاية السبعينات، ولا أي شيء آخر عن البنية المؤسسية التي قد يكون أحدثها في سياق محاربة الإرهاب منذ 2003 ، فإن المعروف للرأي العام الآن هو فعالية جهازين: المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من جهة، وشبكة المقدمين والشيوخ تتكون من حوالي 25 ألف عون سلطة، يعملون في الأحياء والقرى والدواوير، ولهم صلة وصل بشبكات أخرى من حراس العمارات ومواقف السيارات والتجار الصغار في الأحياء، غيرهم.