نظر المرشد ومستشاروه إلى البيت الأبيض. رأوا فيه رئيساً لا يشبه أبداً جورج بوش. رأوا رئيساً لا يريد إطاحة النظام الإيراني ولا يريد إقحام أمريكا في حرب جديدة. هذا يعني أن باراك أوباما قد يشكل فرصة. التعامل معه أفضل من انتظار خلفه. ثم إن الأزمة السورية وفّرت لروسيا فرصة العودة بقوة إلى المسرح الإقليمي. نظر المرشد ومستشاروه إلى الوضع الاقتصادي. العقوبات موجعة فعلاً. المداخيل تراجعت. والعملة تهاوت. وأرقام التضخم والبطالة تنذر بما هو أسوأ. الانتظار سنوات إضافية يحمل مخاطر عدة، بينها التفاوض لاحقاً من موقع أضعف. وبينها أيضاً إمكان انفجار غضب الشارع وعلى نحو يفوق «الحركة الخضراء» التي نجح النظام في وأدها. نظر المرشد ومستشاروه إلى الإقليم. رأوا إيران منخرطة في حرب مذهبية إقليمية مكلفة على أرض سورية. تكاليف إبقاء النظام حياً هناك تقاس ببلايين الدولارات سنوياً. وهناك الالتزامات «السوفياتية» الباهظة من جبال الحوثيين إلى غزة مروراً بلبنان. استمرار النزف الاقتصادي يهدد عملياً القدرة على الوفاء بالالتزامات وقد يُضعف الأوراق. نظر المرشد ومستشاروه إلى المنطقة فتأكدوا من امتلاك أوراق مهمة. لا يمكن تشكيل حكومة جديدة في العراق من دون موافقة طهران. لا يمكن تشكيل حكومة جديدة في لبنان من دون موافقتها. ورثت إيران دور النظام السوري في العراق. ورثت أيضاً دوره السابق في لبنان. ثمة من يتحدث عن وراثة على الأرض السورية نفسها. حان الوقت للحصول على الاعتراف الدولي بنتائج الهجوم الإيراني الواسع على جبهتي الحلم النووي والدور الإقليمي. لا يمكن إسناد هذا الدور إلى من يشبه أحمدي نجاد. وقع «الخيار» على حسن روحاني، وهكذا كان. الديموقراطية الإيرانية تعمل بفعالية تحت عباءة المرشد. في السباقات الطويلة لابد من تبديل الأحصنة ولغة التخاطب. كشف الهجوم الدبلوماسي الذي شنّه روحاني من نيويورك تلهف أوباما للتفاهم مع إيران. المفاوضات الماراتونية التي شهدتها جنيف من ثمار ما جرى في نيويورك. لم يعد الجلوس مع الأمريكيين خيانة وتفريطاً. بدا شعار «الموت لأمريكا» لافتة عتيقة تمكن إحالتها إلى التقاعد إذا حصلت إيران على ما تريد أو على قسم أساسي مما تريد. يعتقد بعض من رافق الملف الأمريكي - الإيراني أن طهران يمكن أن ترجئ صناعة القنبلة وأن تكتفي بامتلاك القدرة على إنتاجها أو الاقتراب من حافة هذه القدرة. في المقابل، يعتقد هؤلاء أن إيران ليست جاهزة لتقديم تنازلات أساسية حول طموحها في أن تتحول إلى دولة كبرى في الإقليم. هنا تُطرح أسئلة صعبة: هل يمكن فصل مصير معركة الحلم النووي عن مصير الرغبة الدفينة في الحصول على موقع الشريك الأكبر ل «الشيطان الأكبر»؟ وبصورة أوضح، هل تستطيع أمريكا إبرام صفقة كبرى مع إيران من دون أن يكون ملف أمن إسرائيل حاضراً على الأقل تحت الطاولة إذا تعذر حضوره مباشرة عليها؟ هل إيران جاهزة لمثل هذه الصفقة بعد عقود من إعلان قادتها أن اسرائيل «ورم سرطاني» يجب استئصاله؟ هل إيران جاهزة لهدنة طويلة في هذا الموضوع؟ وماذا عن قاموس المقاومة والممانعة الذي اتكأت عليه لتوسيع حضورها العسكري والسياسي والأمني في الإقليم؟ وماذا عن «حزب الله» في لبنان وعن المجموعات الفلسطينية التي تدور في فلك طهران والتي تحمي المساعدات الإيرانية شرايينها من اليباس؟ هل تستطيع إيران إبرام صفقة فعلية مع الغرب من دون أن تتغير؟ أوليس الاشتباك مع الغرب وإسرائيل من شروط تماسك الدور الإيراني في المنطقة؟ هل يمكن هذه الصفقة أن تولد وتعيش ما لم يقتنع المرشد نفسه بأن على الثورة أن تتراجع عن قاموسها وأحلامها وأوهامها لتفسح المجال لقيام دولة طبيعية تحترم الحدود الدولية والقوانين الدولية وهواجس جيرانها؟ أغلب الظن أننا في بدايات مسار طويل ومعقد. إننا نتحدث عن منطقة تنام على ثروات كبرى. وتنام أيضاً على بحر من التوازنات الحساسة والهواجس والذاكرة المثقلة بالنزاعات والثارات. من المبكر الاعتقاد بأن الطرفين جاهزان لدفع أثمان الصفقة الكبرى. ومن المبكر وضع لائحة بثمار الهجوم الإيراني الذي يهز المنطقة منذ ثلاثة عقود. إيران تعيش على عقارب ساعة المرشد. والمرشد حارس القاموس والوحيد القادر على تطويع مفرداته. وواشنطن تزعم أنها «ليست عمياء ولا غبية»، كما قال كيري.