يشير تقرير مجموعة البحث والإعلام حول السلم والأمن GRIP لسنة 2013-2014، وهو مركز مستقل للدراسات، مختص في قضايا التسلح، أن رهانات الاستقرار الداخلي والإقليمي، وأيضا مسألة التهديدات الإرهابية العابرة لحدودها الوطنية، دفعت بلدان إفريقيا الشمالية لتوجيه قراراتها ذات العلاقة بالتسلح إلى اقتناء أسلحة تقليدية، فيما تتحكم مصالح الدول الأوروبية الأمنية المرتبطة بمحاربة الإسلام المتشدد وأشكال التهريب المتعددة وتجارة البشر والهجرة السرية، في نقل وتصدير الأسلحة نحو بلدان هذه المنطقة. بدءا، يشير التقرير إلى أن الجزائر تمثل أكثر من 43 في المائة من صادرات السلاح نحو بلدان إفريقيا الشمالية، مقابل أكثر من 18 في المائة بالنسبة إلى المغرب. ويعزو التقرير هذه النسب المرتفعة لبرامج عصرنة القوات المسلحة إلى كل من المغرب والجزائر. إذ جعل هذا الحجم المتصاعد لمسلسل استيراد الأسلحة التقليدية في الجزائر ترتقي من الرتبة 22 عالميا بين عامي 2001 – 2012 إلى الرتبة السادسة في 2013 – 2014، مقابل صعود المغرب في الترتيب العالمي خلال الفترة نفسها من الرتبة 64 إلى الرتبة 12 عالميا، غير أن التقرير يفتح قوسا ليؤكد أن المغرب والجزائر لا يتعاملان بشفافية أكثر بشأن برامجهما في مجال الدفاع، ويشاركان بشكل محدود في المبادرة التي أطلقتها الأممالمتحدة، والتي تحمل عنوان: «سجل الأسلحة التقليدية» التي تلزم الدول بتقديم تقارير سنوية حول برامج التسلح الوطنية. حسب تقرير مجموعة البحث والإعلام حول السلم والأمن في بروكسيل، تتحكم العلاقات المتميزة التي تربط المغرب بحلفائه الغربيين والتهديدات المرتبطة بالإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة ونشاطات التهريب، وكذلك الصراع الإقليمي على النفوذ مع الجزائر وقضية الصحراء في قراراته باستيراد السلاح. وطوال فترة الحرب الباردة، كان المغرب بجانب القوى الغربية، لتستمر هذه العلاقة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. فالمغرب يعتبر الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية من خارج دول الحلف الأطلسي، ويتمتع بوضع متقدم في علاقاته بدول الاتحاد الأوروبي. ولأن المغرب لا يتوفر على صناعة وطنية لتصنيع الأسلحة، فهو في تبعية دائمة لصناعة السلاح الغربية، بالرغم من توجهه إلى تنويع مقتنياته منها، والترسانة المهمة من الأسلحة المقتناة من طرف المغرب في سنتي2013 و2014 تهم عربات نقل الجنود التي تترجم الحاجة إلى تحرك القوات البرية على الميدان في مهام حماية الحدود ومحاربة البوليساريو. كما أن مهمة محاربة الإرهاب العابر للحدود وتدفقات الهجرة السرية ومراقبة الحدود، فضلا عن السعي إلى تعزيز قدرات القوات البحرية لمراقبة الحدود البحرية، دفعت إلى اقتناء سفن وفرقاطات متطورة. ويشير التقرير إلى أن قائمة مزودي المغرب من الأسلحة التقليدية خرجت عن نطاق الدول الغربية: فرنسا وأمريكا وهولندا وإيطاليا لتتوسع نحو الصينوروسيا. وخلال الأربع سنوات الأخيرة، ارتفع حجم مقتنيات وواردات المغرب من الأسلحة التقليدية بنسبة 1460 في المائة. من جهتها، اعتمدت الجزائر، حسب التقرير، استراتيجية تنويع وارداتها من الأسلحة التقليدية من خارج مزودها الروسي المفضل، حتى تفرض نفسها كقوة إقليمية. وبالرغم من أن أكثر من 90 في المائة من ترسانتها من الأسلحة التقليدية مصدرها من روسيا إلى حدود 2014، إلا أن ثمة تغييرا في نوعية المزودين بدأ يظهر في الأفق، وتترجمه سياسة تنويع المزودين من الأسلحة التقليدية: الصينوفرنسا وأمريكا وأفريقيا الجنوبية وتركيا. وخلافا للمغرب، تحاول الجزائر تصنيع كميات محدودة من الأسلحة التقليدية محليا: تصنيع بنادق هجومية وراجمات القذائف بترخيص من شركات تصنيع السلاح صينية وروسية، إذ تعمل على الرفع من قدراتها في تصنيع السلاح محليا من خلال تقديم تشجيعات وتحفيزات للمستثمرين الأجانب. وهكذا انطلقت هذه السياسة بتصنيع 1200 عربة لنقل الجنود من نوع FUCHS من طرف شركة ألمانية RHEINMETAL، فيما أبرمت الجزائر عقود تصنيع مشترك لعربات مصفحة مع شركة إماراتية بالجزائر. كما تتحكم الجزائر في المجهود العسكري في مجال استيراد الأسلحة التقليدية، مخلفات الحرب ضد الإرهاب التي عاشت الجزائر على إيقاعها منذ التسعينيات، مما جعلها تستثمر في اقتناء معدات وأجهزة متطورة لمراقبة حدودها، والعمل على اقتناء طائرات بدون طيار لمراقبة تحركات المقاتلين الإسلاميين والمهربين داخل الصحراء الجزائرية. غير أن السباق مع المغرب بشأن النفوذ والتأثير الإقليمي وبحثها المستمر على الهيمنة في منطقة إفريقيا الشمالية، وعلى النطاق الجهوي، تبقى من العناصر التي يعتبرها تقرير مجموعة GRIP محددة لاقتناء الجزائر للأسلحة التقليدية. وتنخرط في هذه الديناميكية عملية اقتناء الجزائر لأسلحة ثقيلة ولأنظمة تقليدية. ويكشف التقرير أن المغرب والجزائر استحوذا بمفردهما وبالتتابع، على أكثر من 29 في المائة، وأكثر من 34 في المائة من رخص تصدير السلاح الممنوحة من دول الاتحاد الأوروبي لبلدان إفريقيا الشمالية إلى حدود 2014، بما يمثل بالتتابع 1،3 مليار أورو و6،3 مليار أورو. ويذكر التقرير أن تصدير السلاح نحو منطقة إفريقيا الشمالية ينخرط أيضا، ضمن سياسة الدول الغربية المزودة في تأمين الحماية لولوج الشركات الغربية للاستثمار في استغلال الخيرات الطبيعية وتصنيع الموارد الطبيعية، التي تزخر بها بلدان المنطقة، والتي تخدم مصالح اقتصادياتها، وكذلك محاربة تدفقات الهجرة السرية نحو الفضاء الأوروبي، وبخاصة المغرب والجزائر وليبيا.