اعتبر الباحث محمد الطوزي أن الدستور الجديد ساير النفاق العام الذي يحُول دون الاعتراف بوجود مشروعين مجتمعيين في المغرب أحدهما يتجه نحو توسيع قاعدة الدولة الدينية في مواجهة دعاة الدولة المدنية الربيع العربي لم يؤثر على الإيديولوجية الدينية للدولة بالمغرب، والدولة المدنية مازال تحقيق مقوماتها بعيد المنال رغم دستور 2011 والتحسينات التي عرفتها تصورات الإسلاميين للدولة الحديثة. تلك بعض الخلاصات الرئيسة التي خرجت بها ندوة «الأصول الفكرية لمفهوم الدولة المدنية في الفكر العربي والغربي» التي نظمها «المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية»، نهاية الاسبوع، بالرباط. وقد بدا محمد الطوزي، الباحث في علم السياسة، متشائما من وتيرة التوجه نحو الدولة المدنية، معتبرا أن هناك تراجعا نحو هذا الاتجاه موضحا أن الدستور، الذي ساهم في صياغة بنوده، «ساير» النفاق العام الذي يحُول دون الاعتراف بوجود مشروعين مجتمعيين في المغرب أحدهما يتجه نحو توسيع قاعدة الدولة الدينية في مواجهة دعاة الدولة المدنية. وانتقد الطوزي احتكار الدولة للمجال الديني، معتبرا أن جعل مسألة الأمن الروحي من صلاحيات الدولة «يبرز مع الأسف كم نحن مبتعدون عن فكرة الدولة المدنية، رغم أن المجال الديني ظل بالنسبة إلى المغاربة مجالا ليبراليا حرا، يدبر بمدنية وعقلانية (حالة التعاقد مع الفقيه المشارط)». ولاحظ الباحث في الأنتروبولوجية السياسية أن سياسة تدبير الشأن الديني في المغرب تقحم الدولة في «مجال ظل خاصا وفرديا عبر جيش من المتدخلين في هذه السياسة الدينية». وحول علاقة الدين بالحركات الإسلامية قال الطوزي إن مفهوم الدولة المدنية بشكل من الإشكال لا يرتبط بالحراك العربي الذي أدى إلى الصعود الكبير للحركات ذات المنحى الإسلامي، كما أثنى على المجهود الفكري الذي يؤسس له الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، مؤكدا أن وجود مثل هذا الفقيه داخل الحركة الإسلامية المغربية لا شك كانت له آثاره الكبيرة على تهذيب فكر الحركات الإسلامية المغربية تجاه الدولة المدنية. نفس المنحى المتشائم من غياب الدولة المدنية عبّر عنه حسن طارق، برلماني عن الاتحاد الاشتراكي، موضحا أن الربيع العربي لم ينجح في دفع الطبقة السياسية إلى التوافق حول الدولة المدنية كسقف أدنى. وذكّر بالتسريبات التي تمت خلال الإعداد لدستور 2011، والتي كانت توحي بتخفيف الحمولات الدينية في هذه الوثيقة الدستورية، وقال إن قادة سياسيين ودينيين للعدالة والتنمية تباروا لانتقادها والتجييش ضدها وهو ما كان له تأثير بحسب طارق على ربح الدولة المدنية لهوامش داخل دستور 2011. طارق أكد أن تصور الفقيه يوسف القرضاوي للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية هو التصور الذي تم اعتماده في مذكرة العدالة والتنمية حول الدستور التي رفعت للجنة الملكية لوضع الدستور. الباحث في السياسات العمومية اعتبر أن الجواب عن سؤال الإصلاح الديني الذي من شأنه أن يساهم في تأسيس الدولة المدنية، يوجد خارج سياسة تدبير الشأن الديني الذي تقوده الدولة، بل يكمن في إرادة الإصلاح الديني. وحول إجابته عن سؤال هل الدولة المدنية إطار نظري أم مجرد مساومة إيديولوجية؟ اعتبر طارق ان هناك توظيفا سياسيا مكثفا للدولة المدنية جعلها مجرد جواب سياسي أكثر من أطروحة فكرية. الناشط اليساري فؤاد عبد المومني، وعلى خلاف الطوزي، الذي لعب دورا في صياغة الوثيقة الدستورية، بدا متفائلا باقتراب المملكة من تحقيق الدولة المدنية التي باتت قاب قوسين أو أدنى معتبرا أن نصوص العدل والإحسان الأخيرة والأطروحة السياسية للعدالة والتنمية يعدان مؤشرات جيدة لدى الفاعل الإسلامي لا يمكن تجاهل نزعاتها المدنية.