بنكيران ظاهرة سياسية، وآلة تواصلية، وقوة خطابية، وزعامة فرضت نفسها اليوم.. هذه حقائق لا يختلف حولها خصوم بنكيران كما أصدقاؤه.. هو رجل مثير للجدل طبع مرحلة سياسية بأكملها، بما له وما عليه. هو رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد والربيع الجديد والوعود الجديدة بالإصلاح والتغيير… عندما يفرح يطلق نكتا وضحكات لا تخلو من رسائل سياسية. عندما يغضب يخرج أسلحته الثقيلة في وجه خصومه، ويبدأ في إطلاق النار، يتحدث بأكثر من لغة إلا لغة الخشب.. سيرة بنكيران صارت اليوم على كل لسان، فهناك من يحبه وهناك من يكرهه، وهناك من يقف في الوسط بين الحب والكره، يتفق معه ويختلف حسب الظروف والأحوال، لكن الجميع يتابع خطبه، قراراته، معاركه، خرجاته، وحتى صمته صار يؤول اليوم في الساحة السياسية، وتعطى له مبررات ودلالات… للاقتراب أكثر من بنكيران الإنسان، نخصص هذه السلسلة الرمضانية للحديث مع الرجل الثاني في الدولة على لسانه، وبالرجوع إلى ذاكرته هو دون وساطة أو توسط.. بعيدا عن السياسة، قريبا من بنكيران المواطن، والغرض أن نفهم زعيم العدالة والتنمية أكثر، أن نعيد قراءة سيرته، ومراحل تشكل وعيه، وتضاريس الواقع الذي أحاط به. إنها سلسلة للاقتراب أكثر من هذا الذي صار سيرة على كل لسان.. لنتابع… رحلة النبش في ذاكرة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، واستعادة ذكرياته القديمة، كانت تقود بين الفينة والأخرى إلى التوقّف عند بعض المعطيات الخاصة بانتمائه العائلي والوسط الذي ينحدر منه. ومن بين هذه المحطات، تلك التي استرجع فيها بنكيران تسلسل نسبه الذي يوصله إلى أحد أعلام فاس المشهورين، وهو الطيب بنكيران. «جدّنا السادس هو الشيخ الطيب بنكيران الذي توفي عام 1812، وكان يسمى شيخ الجماعة، وهو من كبار علماء المغرب في عهد المولى سليمان، لكنه توفي قبله». وعمّا إن كان جدّه الفقيه الطيب بنكيران اكتفى بمعاصرة السلطان العلوي مولاي سليمان، أم كان له دور ما في محيطه السلطاني، قال بنكيران إنه «كان قريبا جدا من المولى سليمان، وكان رجلا معروفا بالعلم والصلاح ويتبرّك به، وكان يسمى شيخ الجماعة، وتوفي ودفن في فاس، بيني وبينه كل من الوالد الحاج المختار وجدي حماد وعبد المجيد وشخصان آخران لا أذكر اسميهما تحديدا، أي أن بيني وبينه خمسة أجداد وهو الجد السادس». ترجمة موثّقة وعلمية يُدرجها الموقع الرسمي للرابطة المحمدية للعلماء للجد السادس لبنكيران، تقول إن الأمر يتعلّق ب«أبو عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بنكيران الفاسي داراً ومنشأً، شيخ الجماعة بفاس، العلامة النظار، المطلع الحافظ، المفسر الكبير». وتضيف الترجمة، المستندة إلى عدد من المراجع التاريخية، أن الطيب بنكيران «ولد بفاس سنة 1172ه/1758م، من أسرة بنكيران المشهورة بفاس. كانت هذه الأسرة تقطن في عدوتي الأندلس والقرويين، ومنها التجار والعلماء والقضاة، وهي فروع عديدة، انتقل كثير من أفرادها منذ القدم إلى مدن شتى». وتضيف الترجمة العلمية للجد السادس لبنكيران أنه تفرد في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول، والفروع والأصول، «وله في العربية باع مديد ونظم سديد، واشتغل بالتدريس في القرويين، ومن الفنون التي درّسها وأجاد فيها: التفسير، والمنطق، والتصوف، والنحو، والبلاغة، وعرف في أكثر هذه الفنون بالاجتهاد لا بالتقليد، لذلك تمتع باحترام كبير من طرف السلطان المولى سليمان الذي كان يستشيره في الكثير من المشكلات والملمات، وبالجملة، فالشيخ من أفذاذ العلماء وكبارهم». وتختتم الرابطة المحمدية للعلماء ترجمتها لجد بنكيران بالقول إنه «توفي رحمه الله يوم 17 محرم الحرام سنة 1227ه/ 1812م، وكانت جنازته مشهودة، حضرها خلق كثير».