بنكيران ظاهرة سياسية، وآلة تواصلية، وقوة خطابية، وزعامة فرضت نفسها اليوم.. هذه حقائق لا يختلف حولها خصوم بنكيران كما أصدقاؤه.. هو رجل مثير للجدل طبع مرحلة سياسية بأكملها، بما له وما عليه. هو رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد والربيع الجديد والوعود الجديدة بالإصلاح والتغيير… عندما يفرح يطلق نكتا وضحكات لا تخلو من رسائل سياسية. عندما يغضب يخرج أسلحته الثقيلة في وجه خصومه، ويبدأ في إطلاق النار، يتحدث بأكثر من لغة إلا لغة الخشب.. سيرة بنكيران صارت اليوم على كل لسان، فهناك من يحبه وهناك من يكرهه، وهناك من يقف في الوسط بين الحب والكره، يتفق معه ويختلف حسب الظروف والأحوال، لكن الجميع يتابع خطبه، قراراته، معاركه، خرجاته، وحتى صمته صار يؤول اليوم في الساحة السياسية، وتعطى له مبررات ودلالات… للاقتراب أكثر من بنكيران الإنسان، نخصص هذه السلسلة الرمضانية للحديث مع الرجل الثاني في الدولة على لسانه، وبالرجوع إلى ذاكرته هو دون وساطة أو توسط.. بعيدا عن السياسة، قريبا من بنكيران المواطن، والغرض أن نفهم زعيم العدالة والتنمية أكثر، أن نعيد قراءة سيرته، ومراحل تشكل وعيه، وتضاريس الواقع الذي أحاط به. إنها سلسلة للاقتراب أكثر من هذا الذي صار سيرة على كل لسان.. لنتابع…
«الوالدة اليوم كلّها بركة، وهي تدعو لي باستمرار، وأحيانا تطرح علي أسئلة في السياسة»، هكذا تذكّر عبد الإله بنكيران والدته للا مفتاحة في اللحظات الأولى بعد إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية صيف العام 2012. رئيس الحكومة الذي كان حينها في شهوره الأولى في موقع المسؤولية، كشف حضور السياسة في اهتمامات والدته المسنّة، حين قال إنها عاتبته حين علمت أنه لم يتّصل ليسأل عن أحوال الملك محمد السادس بعد سفر قام به حينها إلى الديار الأمريكية. لكن ما يفاجئ البعض ولا يعرفه الكثيرون، هو أن والدة رئيس الحكومة الإسلامي كانت استقلالية منذ زمن بعيد، ربما قبل ميلاد عبد الإله بنكيران. «الوالدة كانت ومازالت استقلالية، وما لا يعرفه البعض هو أن والدي كان بعيدا جدا عن السياسة لا يعرف إلا البيت والمسجد والدكان والزاوية.. الزاوية التيجانية، ولا علاقة له بشيء آخر، وحين انتقل إخوتي الكبار إلى الدارالبيضاء وتحسّنت أوضاعهم، كنا نزورهم، وكايتهلاو فينا وصافي، أما الوالدة فكانت لها علاقة بالنضال في العكاري حتى قبل الاستقلال»، يقول رئيس الحكومة. اهتمام سياسي يجسّده قرب قال بنكيران إن والدته كانت تحتفظ به مع النساء الاستقلاليات، «لكنها كانت تشارك بحذر، ماشي بحالي أنا. هي امرأة تتصرف بالميزان والرزانة، وإلى وقت قريب جدا كان لا يزورها أي أحد من الأسرة إلا في إطار الاحترام والتقدير لأنها مختلفة عنا نحن أبناء بنكيران، لأننا نتسم ببعض العفوية، أما هي فكانت مختلفة». اختلاف بين الأم والأب من حيث العفوية والتحفّظ، لم يمنع رئيس الحكومة من الاعتراف بأنه ورث الحس السياسي عن للا مفتاحة وليس عن الحاج المختار بنكيران. «الاهتمام بالشأن العام ورثته عنها وليس عن الوالد، وأذكر أن صديقة لها اسمها مي طامو كانت تأتي عندنا كثيرا، وكانت تأخذني معها لبعض الأنشطة السياسية، وكنت أعتز بذلك كثيرا وأنا مازلت صغيرا، وكان مقر تابع لحزب الاستقلال قريبا من منزلنا، فكنت غادي جاي معاهم، وعشت معهم كل المحطات المهمة مثل ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن والدتي حافظت على ولائها لحزب الاستقلال، وقد تكون منذ عشر سنوات تقريبا ابتعدت نظرا إلى سنها، لكن ما عمرها كانت مناضلة نشيطة بل كانت مناصرة لحزب الاستقلال».