موازاة مع الصعود القوي للمغرب كوجهة لتكوين الأئمة والوعاظ الدينيين لكل من دول الغرب الإفريقي، وقريبا دول أوروبا، في مقدّمتها فرنسا، وهو الصعود المندرج في إطار المقاربة المغربية لمحاربة الإرهاب والتطرّف القائمة على نشر الإسلام المعتدل، ومواجهة الغلو في منابعه الأولى؛ انتقلت «كتيبة» جديدة من الأئمة والوعاظ الدينيين إلى عدد من الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، في مهمة لتأطير المساجد التي يقصدها عدد كبير من المغاربة المقيمين في الخارج، وحماية تديّنهم من تيارات التطرّف والتشيّع التي تعرف انتشارا واسعا في تلك الدول. بعثة باشرت عملها منذ أول أيام شهر رمضان، حيث تتولى إلقاء الدروس والخطب الدينية وإقامة صلاة التراويح وقراءة القرآن بالطريقة المغربية… 237 إماما ومشفّعا وواعظا موزّعون بين ذكور وإناث، بعثتهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى 8 دول التي يتركّز فيها أكبر عدد من الجالية المغربية في الخارج. مصدر موثوق من الوزارة قال ل «أخبار اليوم» إن حوالي ثلثي هؤلاء الأئمة والوعاظ توجّهوا إلى الديار الفرنسية، وتحديدا 156 واعظا وواعظة، وهو أكبر عدد من المرشدين الدينيين يبعثه المغرب إلى الديار الفرنسية في السنوات الأخيرة. فيما تأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد الوعاظ الدينيين الذين انتقلوا إلى أوروبا بمناسبة شهر رمشان إيطاليا التي توجد فيها جالية مغربية كبيرة، حيث نالت 43 واعظا، تليها كل من إسبانيا وبلجيكا ب39 واعظا دينيا لكل منهما، ثم هولندا ب 24 واعظا… كما تكرّس التركيز المغربي في السنوات الأخيرة على كندا، حيث ارتفع عدد الوعاظ المتوجهين إليها هذه السنة إلى 11 واعظا، بعدما كانوا 3 فقط في 2012. وثيقة رسمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اعتبرت هذه البعثات الدينية المغربية إلى الخارج «تجسيدا للرعاية الدائمة التي يوليها أمير المؤمنين لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومساهمة منها في صونهم من أي خطاب منحرف، وربطهم بأصولهم المغربية وعقيدتهم الأشعرية ومذهبهم المالكي». فيما أوضح مصدر آخر ل «أخبار اليوم» أن بعثة الوزارة تتم إلى جانب بعثة أخرى توفدها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، يفوق عدد أفرادها المائتي شخص، موزّعين بين وعاظ ومقرئين وأساتذة جامعيين. ويتلقى هؤلاء الوعاظ الدينيون جلسات توجيهية قبيل انتقالهم إلى الخارج، حيث يتم توجيههم نحو التركيز على المذهب المالكي وحماية مغاربة الخارج من تأثير التيارات الدينية والمذهبية الأخرى. من جانبه، التحق مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج هذه السنة بالمؤسسات الساهرة على «الأمن الروحي» لمغاربة الخارج، حيث جمع قبل أيام حوالي 60 إماما مغربيا من مختلف الدول الأوروبية في لقاء هو الأول من نوعه بمدينة مراكش، دعا فيه الأمين العام للمجلس، عبد الله بوصوف، إلى تعرّف هؤلاء الأئمة أكثر على الخصائص الدينية والفكرية لمحيط إقامتهم في أوروبا، معلنا استعداد المجلس تحمّل كلفة تعليمهم اللغات الأوروبية، إضافة إلى استعداده لتكوين الأئمة في فن التواصل وتوفير دليل حول الخلفيات التاريخية للتشريعات الأوروبية، «حتى نعلم أن بعض التشنجات التي تقع في المجتمعات الغربية ليست موجهة للمسلمين، لكنها تدخل في السيرورة التاريخية لهذه الدول في علاقتها مع الدين بصفة عام»، يقول بوصوف في هذا اللقاء.