لم يعد ممكنا بالنسبة إلى المسؤولين الرسميين في مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج (CCME) تجاهل الشكاوى المقدمة من لدن الأئمة المغاربة العاملين في مساجد أوروبا. عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية، قدم خطة لمعالجة المشكلة الرئيسية في ضعف الأئمة المغاربة في مواجهة المتطرفين بأوروبا. وقدم بوصوف عناصر الخطة في خطاب موجه إلى الأئمة عقب نهاية أعمال اللقاء الدولي الأول حول: «الإمام وتحديات السياق الأوروبي»، نهاية الأسبوع الفائت، حيث دعا إلى تأسيس هيئة خاصة بهم، وقال: «ّيمكنكم أن تخلقوا هيئة، وتجتمعون داخلها وتشكلون ضغطا بواسطتها، وتمنحون لأنفسكم بذلك القوة والقدرة على طرح آرائكم في نطاق واسع، ومواجهة خطاب المتطرفين. وحينما ستكونون هيئة تشمل على الأقل سبع دول في القارة الأوروبية، فصدقوني، فإن لا الدول ولا الإعلام يمكنهما أن يتجاهلوكم حينها». وبحسب بوصوف، فإن «جميع الناس تبحث وتتصيد فرصة العثور على مركز أمامي، إلا الأئمة، فإنهم يتراجعون للخلف.. عليكم أن تعثروا على مركزكم الأمامي، لأن الإمام ليس شخصا خُلق كي يخطب من على المحراب، ثم ينتهي دوره، يجب أن تكونوا في الساحة دوما». ولاحظ بوصوف أن حادث شارلي إيبدو في باريس، كشف له عن مشكلة حقيقية: «لقد أحصيت عدد المتدخلين المسلمين في الإعلام الفرنسي وقتها، ووجدت أنهم سبعة أشخاص لا غير، منهم من لا يتقن اللغة الفرنسية ويتحدث برطانة غريبة، ومنهم من لم يقدم ولا فكرة ولم يبدع موقفا، ومنهم من سيّس الموضوع برمته، ولم يعد يتحدث كإمام، ومنهم من وجدها فرصة للظهور لا أقل ولا أكثر. لو كانت لديكم هيئة، لكان للناطق الرسمي باسمكم حينها كل فرص الظهور، ولكنتم الوجهة الأكثر تفضيلا عند الإعلام». وبالنسبة إلى بوصوف، فإن «الأئمة عليهم أن يعلنوا عن موقفهم من قضية ما في أوروبا دون أن يطلب منهم ذلك، لأن طلب موقف يستوجب وجود مقابل فيما بعد، وحينما تكون لديكم هيئة خاصة بكم، فإنكم ستواكبون القضايا العامة بشكل تلقائي». إن «مهمة نشر الإسلام المغربي يجب أن تُدعم فورا، ولم يعد الأمر ترفا». ولاحظ بوصوف أن التراث الفقهي المالكي «غير مترجم إلى لغات أجنبية، هناك فقط، كتاب وحيد ترجمه الجيش الفرنسي في حقبة الاستعمار لا غير، وحينما تنظر في السوق الأوروبية لا ترى أي شيء يدل على فقه مالكي». وأشار بوصوف إلى أن الكتاب الإسلامي في أوروبا والمكتوب باللغات الأجنبية يخلق مشكلة أيضا: «في إحدى المرات، أحصيت داخل مكتبة في مدينة بروكسيل (بلجيكا)، عدد الكتب الإسلامية، إذ عثرت على 19 عنونا جميعها تتحدث عن الجن والسحر والشعوذة.. لم أفهم ما إن كنا نرغب في أن نقدم الإسلام وكأنه دليل للسحرة». وكان أئمة قد أعلنوا عن حرجهم بسبب عدم وجود كتاب عن المذهب الأشعري يقدمونه لمن يسألهم عن هذه العقيدة. في السياق نفسه، أعاب الأئمة على أنفسهم عدم إتقان لغة الدولة، حيث يقيمون، لذلك وعد بوصوف بأن يدعم مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج تعلم الأئمة للغات البلدان، حيث يعملون، وقال: «سنتحمل نفقة تعليم الأئمة لهذه اللغات، وباستطاعتهم تعلم لغة البلد المستقبِل بسرعة قياسية بفضل الوسائل البيداغوجية المتاحة. إننا لا يمكن أن نستمر في نقد أداء الأئمة دون أن نقدم لهم بعض العون». ولأن الأئمة ينتقدون «بعد المسافة» بينهم وبين الناس، فقد دعاهم بوصوف الأئمة إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتأسيس علاقات مع المغاربة المسلمين، وبحسبه، فإن «75 إماما موجودا بيننا اليوم، يمكنهم تأسيس صفحات على الفايسبوك، وحشد 10 آلاف شخص في كل صفحة، وسيكون لدينا 750 ألف شخص نستطيع تأطيرهم عبر الفايسبوك وحده..إن مثل هذه الوسائط لا يجب أن نتجاهل تأثيرها على الناس، ولا تستهينوا بها». هذا، ويملك عدد من الأئمة الذين كانوا موجودين في اللقاء المذكور، حسابات على الفايسبوك. من هذا المنطلق يرغب بوصوف في تطوير مهارة التواصل عند الأئمة المغاربة في أوربا أكثر فأكثر، إذ تعهد بأن يعمل مجلسه على تكوين الأئمة بواسطة دورات تكوينية مستمرة، على كيفية مخاطبة الصحافة، وتحرير البيانات والبلاغات الصحافية، والتواصل مع الشباب، وعن هذا يقول: «لا يمكن أن يكون الإمام مكتفيا بتحرير خطب الجمعة وحدها، أو دروس الوعظ.. عليه أن ينفتح على محيطه، وإلا فإن دوره سيندثر». ويظهر أن مشكلة تعيين الأئمة في المساجد سيطرت على موقف بوصوف، فهو يرى أن «ما يقع هناك يترتب عنه وجود عائق في تجديد النخب الدينية المغربية في أوروبا، لأن المسيرين للمساجد بلغوا عمرا كبيرا، لكنهم لا يتركون مكانا للشباب. ولذلك أفهم لجوء الشباب إلى التطرف كتمرد على هؤلاء المسيرين الذين يستحوذون على المساجد طيلة حياتهم دون أن يقدموا أفكارا مبدعة، وإن لم يشارك الشباب في تسيير مساجدهم، فإن النتائج لن تكون جيدة». وليس الشباب وحدهم من يجب أن يشارك في تسيير المساجد في أوروبا، بل والنساء، أيضا، بحسب بوصوف، وكما يقول: «بنيت المساجد هناك بمساهمات عظيمة من النساء المغربيات، لكننا نحرمهن من حقهن في تسييرها، ولا أستطيع القبول بمنطق يفرض على النساء أن تساهمن في البناء، ثم يمنعن من المشاركة في التسيير، لأن «الإسلام المغربي» كما نعرفه جميعا يمنحهن هذا الحق». ولأن تدبير المساجد في أوروبا يجب أن يخضع لتغييرات جوهرية، فإن الوضع المادي للإمام ينبغي تحسينه كذلك، وكما يلخص بوصوف الوضع، فإن «الوضع الاجتماعي للأئمة يجب أن يحظى بأولوية في التفكير، لأنني لن أقبل بوجود أئمة يعانون من الضيق المادي. ولا يمكنني أن أفرض على إمام أن يكون عنصرا للاستقرار بينما هو لا يعيش الاستقرار.. كيف له أن يشارك بفعالية في محاربة التطرف، وهو مقيد بتجديد تأشيرته كل ثلاثة شهور؟ غير ممكن حدوث ذلك». معلنا أن مجلسه سيبذل قصارى جهده بمعية المؤسسات المعنية بالأئمة لتحسين أوضاعهم، لأن مواجهة التطرف بأشخاص مهزوزين لا يمكن أن تكون عملية ناجعة