يعترف كاتب أمريكي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، ساهمت عبر نظرية الفوضى الخلاّقة في تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة حرب مستمرة. إذ يستشف القارئ هذا الاعتراف منذ الوهلة الأولى من قراءة عنوان كتاب «تدمير الشرق الأوسط: تاريخ الفوضى الغربية في البلاد العربية»، الذي أصدره الكاتب الأمريكي المعروف «جيريمي سالت». في هذا الكتاب، يفند «سالت» مقولة «صامويل هنتنغتون»، التي تفيد أن «حدود الإسلام دموية». إذ يكشف أن السياسيين الغربيين يقدمون المنطقة في صورة مثالية، لكنهم يكنون لها نوايا خبيثة ويتصرفون حسب ما تمليه هذه النوايا، مشيرا إلى أن الدور الغربي كان مدمرا في تشكيل وتطور الأوضاع في الشرق الأوسط على امتداد نحو قرن من الزمن. ويسعى «سالت»، الباحث في الدراسات الشرق أوسطية، والذي يعمل مدرسا لتاريخ الشرق الأوسط في قسم العلوم السياسية في جامعة بلكنت التركية، إلى الإجابة عن سؤال «لماذا يكرهوننا؟» الذي طرحه الصحافي الأمريكي ذو الأصول الهندية فريد زكريا، وتداولته الأقاليم على نطاق واسع بعد أحداث 11 شتنبر 2001. إذ يستعرض بشكل مفصل الخلفية التاريخية للتدخل الدموي الغربي الطويل في الأراضي العربية، مشيرا إلى أن الغرب اعتبر هذا التدخل ضروريا لفهم حالة الشرق الأوسط الغامضة والمعقدة. ينطلق الكاتب من الإجابة عن هذا السؤال، ليستحضر أولا الأحداث التاريخية الكبرى التي ساهمت في تشكيل المنطقة بدءا من الاستعمار الفرنسي للجزائر، والاستعمار البريطاني لمصر خلال القرن التاسع عشر، مرورا بالنزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي، وصولا إلى الحرب الأمريكية على العراق، والتي لم تنته تبعاتها حتى الآن، حيث عمل المؤلف على ربط كل هذه الأحداث مع بعضها البعض. كما يقدم المؤلف صورة واضحة لحملات القوى الغربية المستمرة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط بجميع الطرق والوسائل الممكنة، مبرزا بشكل خاص الكلفة الإنسانية الباهظة للسياسات التي توظفها القوى الغربية لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، وهي سياسات تحمل مسميات مختلفة منها «نشر الحضارة والديمقراطية والحرية في المنطقة». أما فيما يتعلق بجمع مادة كتابه، فقد استفاد «سالت» كثيرا من الأرشيف الأمريكي والبريطاني الذي يكشف ما كانت تخطط له القوى الغربية خلف الأبواب المقفلة. من هنا، فهذا الكتاب يتضمن، في فصله الأول، مقدمة تسعى إلى الإجابة عن سؤال «لماذا يكرهوننا؟» من خلال عرض لمفهوم الحضارة وتناقضاتها والعلوم، ثم يعالج في الفصل الثاني انهيار الإمبراطورية العثمانية والحروب في العراق والاستعمار المزدوج لفلسطين، وفي الفصل الثالث يبرز الكتاب الظهور المتفوق للولايات المتحدةالأمريكية، وبشكل خاص ما سماه المؤلف «حروب آل بوش» والوجود الأمريكي في الخليج، وجورج الابن والحملة العسكرية التي أطلق عليها اسم «الحرب الأمريكية على الإرهاب». يذكر أن «جيرمي سالت»، كاتب وباحث أمريكي، ألف مجموعة من الأعمال والدراسات، منها «الإمبريالية والأرمينين العثمانيين»، ودراسة منشورة بعنوان «الفلوجة: ذبح مدينة» والعديد من الدراسات الأخرى التي يقدم فيها معلومات ضرورية عن تاريخ منطقة الشرق الأوسط، خصوصا علاقاتها التاريخية مع الغرب.