لعبة شد الحبل بين حكومة بنكيران وقيادة التلفزات الرسمية كان لا بد لها أن تصل إلى نهاية ما. ها هي النجمة جنيفر لوبيز جاءت من أمريكا لكي تضع بنكيران وجها لوجه مع العرايشي وبن الشيخ وسيطايل. الأخبار الآتية من قيادة عمليات حزب العدالة والتنمية تقول إن الحزب غاضب جداً من نقل حفل ستربتيز الفنانة لوبيز على الهواء مباشرة في القناة الثانية يوم الجمعة الماضي دون مراعاة مشاعر الجمهور المحافظ، وإن العرايشي وفريقه في القناة الثانية لا بد أن يدفعوا ثمن هذا الخطأ الجسيم الذي صدم المغاربة، وأحرج الحكومة وحزب العدالة والتنمية مع جمهوره. ولأن الحزب لا يريد أن يصطدم بالجهات العليا التي تملك قرار إقالة العرايشي وبن الشيخ وسيطايل، فإن قيادته اهتدت إلى طريقة أخرى للتعبير عن الاحتجاج، ذلك أن الأمانة العامة للحزب طلبت من الوزير الشاب مصطفى الخلفي أن يقدم استقالته في حالة رفض العرايشي وكتيبته الاستقالة مراعاة لمشاعر الجمهور، الذي توضح أرقام «ماروك متري» المكلفة بقياس نسبة المشاهدة أن نسبة كبيرة منه غادرت القناة الثانية بعد دقائق من نقل الحفل الجريء لجنيفر لوبيز، حيث لم يتابع الحفل سوى أقل من 20٪، فيما انسحب الآخرون من أمام الشاشة الصغيرة… هذه ليست المرة الأولى التي تصطدم الحكومة بالقناة الثانية وقيادة القطب العمومي، أي التلفزة الرسمية أو ما يعرف بالمخزن الإعلامي. لقد سبق ووقع خلاف كبير حول دفاتر التحملات التي تضعها الحكومة للإعلام الرسمي تعبيرا عن سياستها العمومية في القطاع، ووقع أن رُفع الخلاف إلى الملك الذي وجد حلا مؤقتا له في بداية حكومة بنكيران، لكن الصراع لم يتوقف، بل استمر بين موظفين عموميين يعتبرون أن التلفزة وخط تحريرها وتوجهاتها من اختصاصاتهم، وأنه إذا كان لهم من حساب فيجب أن يدفعوه للجهة التي عينتهم لا للحكومة المنتخبة، بل وصل البوليميك بين بنكيران وسيطايل إلى درجة تقطير الشمع على الهواء مباشرة. الآن، يبدو أن هذه اللعبة توشك أن تصل إلى النهاية، لكن كيف؟ ومتى؟ هذا هو السؤال… لا جدال في أن وسائل الإعلام الممولة من جيوب دافعي الضرائب يجب أن تبقى مستقلة عن التوجيه السياسي للحكومة، وأن تبقى وفية لضميرها المهني وتقاليد وأعراف الخدمة العمومية، لكن هذا ليس هو حال التلفزات الرسمية التي تتمسك بالاستقلالية عن الحكومة والتبعية لأطراف أخرى في السلطة. إذا فتحنا دفاتر التحملات التي صادقت عليها الهاكا، فسنجد أن الحكومة ألزمت التلفزات الرسمية بمراعاة الأخلاق العامة وقيم المغاربة، وحيث إن حفل لوبيز كان من الجرأة بحيث صدم الجمهور الذي عبر عن غضب عارم، فإن العرايشي يجب أن يدفع الثمن بطريقة أو بأخرى. ولأن الحساب بين الحكومة وقيادة التلفزات حساب ثقيل وفيه تراكم، فإن أحد الطرفين يجب أن ينسحب، إما الموظف أو الوزير… إذا كان العرايشي لا يريد أن يطبق دفاتر التحملات التي تضعها الحكومة وتُعرض على الهاكا، فما عليه إلا أن يستقيل، لا أن يقود حملة تمرد على الوزير وحكومته. لقد سبق للسيد العرايشي أن تحدى قرارا للمجلس الدستوري الذي قضى السنة الماضية بعدم دستورية الإحاطات علما في مجلس المستشارين باعتبارها إحاطات غير دستورية، حيث عمد العرايشي إلى نقل هذه الإحاطات في التلفزة الرسمية، ما دفع الحكومة إلى مواجهته أمام الهاكا، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن انحازت إلى التلفزة ضد الحكومة، ما جعل هذه الأخيرة تذهب إلى القضاء الإداري الذي حكم بعدم جواز بث هذه الإحاطات لأن قول المجلس الدستوري لا معقب له. لو كنا في بلاد تُحترم فيها التقاليد الديمقراطية لقدم العرايشي وقيادة الهاكا استقالتهم، لكننا في المغرب، وفي المغرب لا تستغرب… بقي أن نحمل الحكومة قسطها من المسؤولية عن هذا الوضع الشاذ الذي نعيشه، حيث رئيس الحكومة ينتقد تلفزات بلاده، ومديرة الأخبار في القناة العمومية تعتبر نفسها «جيمي القوية» في مواجهة رئيس حكومة منتخب هو رئيسها بالتعريف الدستوري لمهام رئيس الحكومة. بنكيران وحكومته مسؤولان عن هذا الوضع الشاذ، فعندما وضعا مشروع قانون التعيين في المؤسسات الاستراتيجية، أو ما يعرف بما للملك وما لبنكيران، لم يكن هاجسهما إلا بعث إشارات التطمين ورسائل التطبيع دون الانتباه إلى أن المعيار في تحديد الاستراتيجي من المؤسسات مما ليس استراتيجيا هو السياسة العمومية والبرنامج الحكومي. لقد أخطأ بنكيران عندما جعل أمر تعيين مديري القطب العمومي بيد الملك، لأن هذا شجعهم على أن يتمردوا على الحكومة، وأن يعتبروا أنفسهم حكومة داخل الحكومة، فيما الدستور واضح، حيث جعل المؤسسات الاستراتيجية غير المرتبطة بالسياسات العمومية الظرفية هي وحدها التي يحال التعيين فيها على الملك، فيما كل المؤسسات المرتبطة بتطبيق البرنامج الحكومي من اختصاص رئيس الحكومة… إذن، هناك مسؤولية مشتركة.. نقطة إلى السطر.