يوم أمس ذكرنا نماذج من القرارات الصعبة والمهمة التي اتخذتها الحكومة خلال السنتين والنصف الماضيتين واليوم نذكر بعض القرارات المهمة التي لم تتخذها الحكومة، والتي سيؤثر غيابها أو تأخرها على حصيلة الحكومة، وعلى طبيعة المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لسنوات طويلة... أولا: اختار رئيس الحكومة أن يجعل الوثيقة الدستورية وثيقة للاستئناس لا قانون سير إجباريا وجب احترامه بدقة، والوقوف عند نقطه وفواصله. لقد تنازل بنكيران، مرارا وتكرارا، عن صلاحياته، وسمح بعودة دستور 1996 مكان دستور 2011، وضيع، ويضيع كل يوم، إمكانية تأويل نظامنا السياسي برلمانياً وليس رئاسيا، وهو لا يرى أن الأمر مهم ولا خطير. يرى أن السرعة في السياسة تقتل، وأن التطبيع مع الدولة سابق على ضرورات الانتقال الديمقراطي. هذه المنهجية وهذا الفهم سيضيعان على المغرب إمكانية تحصين مكتسبات الربيع المغربي على قلتها. ثانيا: وعد رئيس الحكومة، علنيا وأمام ملايين المشاهدين في التلفزة، بأنه سيصرف مساعدات مالية مباشرة للفقراء والمهمشين، وكان يمكنه أن يتقدم بسرعة على طريق إصلاح نظام الدعم الجائر، وصندوق المقاصة الذي يصب في جيوب الكبار، لو مر إلى الدعم الذي يستهدف مستحقيه، لكن رئيس الحكومة، وأمام مراكز مقاومة قوية رأت أن الدعم المادي للفقراء قد يوسع شعبية حزب المصباح أكثر في الأوساط الفقيرة.. أمام هذه الاعتبارات السياسوية تراجع بنكيران عن قراره، ولم يقاوم، ولم يضع خطة ذكية لتمرير الإصلاح، إلى الآن على الأقل. فكل التغييرات الكبرى تلقى مقاومة ورفضا في البداية، وعلى رجل السياسة أن يجد الممرات الضرورية لتحريك عربات الإصلاح. السيد رئيس الحكومة مسجون في عقدة نفسية اسمها الخوف من الاصطدام بالسلطة، ولهذا فإنه يضرب أخماسا في أسداس كل يوم، ويتردد كثيرا في الإقدام على اتخاذ القرار رغم أن الدستور واضح والقانون جلي، وهذا ما لا يساهم في تطوير نمط الإدارة والحكم في المملكة المحافظة حد الجمود. ثالثا: لم تتخذ الحكومة أي قرار مهم إزاء أزمة التعليم، ومنذ البداية ابتعد رئيس الحكومة عن هذا الملف، ولم يعتبر أن له أولوية مهمة في ولايته. بل إنه تنازل بسهولة، في التعديل الحكومي الأخير، عن الوزارة لتقنوقراطي سبق له أن جرب وصفته في إصلاح التعليم وفشل. السيد بنكيران فوض المدرسة العمومية، بملايين تلامذتها وربع مليون أساتذتها، إلى التقنوقراط ورجع إلى الوراء، ولا يبدو أنه يفكر في خطة لانتشال هذا القطاع الاستراتيجي من الوحل. ترك الموضوع لبلمختار وعزيمان، ونسي أن مشروع التقنوقراط لإصلاح التعليم، الذي قاده المستشار الراحل مزيان بلفقيه لمدة أكثر من 12 سنة، انتهى إلى الفشل، وها نحن نعيد الخطأ نفسه من جديد. رابعا: لقد فشلت الحكومة ووزيرها في الاتصال في إصلاح التلفزات الرسمية التي مازالت على حالها كما كانت منذ سنوات طويلة، بدفاتر التحملات أو بدونها، لأن العقلية الكامنة وراءها لم تتغير. الجديد الذي عرفه المشهد التلفزي هو أن الوزير الوصي على القطاع انضم إلى صفوف منتقدي إمبراطورية العرايشي وسيطايل.. المرأة التي تعتبر القناة الثانية ملكا خاصا لها تفعل فيها ما تشاء، وتسخرها في حرب سياسية وشخصية ضد بنكيران الذي عوض أن يتخذ قرارا بإقالة موظفة تلعب دور «جيمي القوية»، اختار أن يدخل معها في ملاسنات و«حشيان الهضرة» على رؤوس الأشهاد. السيد الخلفي لم يصلح التلفزة العمومية، ولا أقنع «الهاكا» بضرورة فتح المشهد السمعي البصري على تعددية القنوات التلفزية التي صارت اليوم موجودة في كل البلدان، حتى المتخلفة منها. المغرب من البلدان النادرة في العالم التي لها تلفزة رسمية واحدة بأسماء متعددة. خامسا: لم نر شيئا من الحكامة الأمنية، ولا رأينا الحكومة تنفض الغبار عن توصيات هيئة الإنصاف المصالحة. مازالت أجهزة الأمن تشتغل خارج الرقابة الحكومية والبرلمانية، والحكومة لا ترى أن القطاع استراتيجي، وأنه مرتبط بإصلاح أحوال العدالة، من جهة، ومقتضيات دولة الحق والقانون ومسار التحول الديمقراطي، من جهة أخرى... سادسا: إن تأخير تنظيم الانتخابات الجماعية إلى 2015، وترك المدن غارقة في مشاكلها، وإبقاء مجلس المستشارين خارج الزمن الدستوري الجديد، وتعطيل الجهوية المتقدمة... كل هذه الأخطاء كانت لها كلفة اقتصادية وسياسية باهظة خلال الفترة الماضية. إن اكتفاء الحكومة ب«غنيمة» الوزارات في الرباط حال دون إطلاق دينامية مهمة لإصلاح الشأن المحلي بالمدن والقرى في السنة الأولى من عمر الحكومة، أما وإن الأمور الآن تعقدت، والحكومة ضعفت لأسباب ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية، فإن الانتخابات المقبلة والجهوية المنتظرة لن تكونا سوى تحت سقف المرحلة الراهنة، وسقف هذه المرحلة منخفض جداً أقل مما يظن المتفائلون... الإصلاح الذي يكلف اليوم درهما يصبح غدا بمائة درهم. الزمن له كلفة وليس يوما ينقضي وآخر يبدأ... نعم هناك إكراهات وتعقيدات وحواجز وتماسيح وعفاريت.. كل هذا صحيح لكن، في الوقت ذاته، كانت ولاتزال في يد الحكومة أوراق رابحة كان يجب أن تلعب بها جيدا وبذكاء وفي الوقت المناسب وبالتكتيك المناسب...