صدر في الأيام الأخيرة بباريس مؤلّف جديد حول الملك محمد السادس وما يمثله بالنسبة إلى المغرب وإلى المنطقة العربية والمتوسطية والإفريقية. ويحمل الكتاب، الصادر عن دار «جون سيريل غودفروا»، عنوان «Le Roi stabilisteur» («ملك الاستقرار» وفقا للترجمة التي اعتمدتها وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية)، وهو من تأليف «جون كلود مارتينز»، الذي سبق له أن كان مدير الدراسات في «المدرسة الوطنية للإدارة»، و»مستشارا ماليا للملك الراحل الحسن الثاني، وساهم في تأسيس النظام الضريبي المغربي. ويقوم الكتاب على أطروحة محورية مفادها أن «الملكية» هي التي ضمنت للمغرب الاستقرار وسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتوترة، بسبب دورها المزدوج الديني والسياسي. وللدفاع عن هذه الأطروحة، يضرب الكاتب الأمثلة تلو الأخرى بالدول العربية التي عصفت رياح الربيع العربي بأنظمتها، معتبرا أن استقرار المغرب فيه ضمانة كبيرة للقارة الأوروبية، التي باتت ترى في الضفة الجنوبية للمتوسط مصدر كل المخاطر (الإرهاب، وتهريب البشر، والمخدرات، والجريمة المنظمة). كما يسهب في المقارنة بين الجزائر والمغرب، ويورد المؤشرات على رغبة الأولى في التوسع، مدافعا بشدة عن مواقف الرباط في قضية الصحراء. فضلا عن ذلك، يبرز أهمية التوجه الإفريقي الجديد للملك محمد السادس. اليوم24 تعرض هنا بعضا من أهم ما ورد في الكتاب حتى تعطي فكرة عامة عن محتواه. الملك يقلل من أهمية فوز العدالة والتنمية في الانتخابات في البداية، أثار فوز العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011 الكثير من المخاوف، خاصة في الأوساط الليبرالية والبرجوازية التي تخشى على مصالحها. وقالت وسائل الإعلام الدولية إن التسونامي الإسلامي ضرب المغرب. لكن ملك المغرب، يقول جون كلود ماتنيز، سيقلل من شأن هذا الفوز الانتخابي الكبير (107 مقاعد من أصل 395 مقعدا بمجلس النواب) بشكل ذكي، فبعد أربعة أيام (على يوم الاقتراع)، وفي يوم الثلاثاء 29 نونبر (وليس 27 كما في الكتاب)، طلب الملك بشكل هادئ الفصل 47 من الدستور (الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز في الانتخابات). ويقول إن هذا التعيين جرى وفق إجراء متواضع تم إعداده بشكل ذكي «ليبين بشكل رمزي أن ما يجري أمر عادي جدا، ليخلع عن نتائج الانتخابات أي ثوري»، ويتابع الكاتب أن «رئيس الحكومة لم يتم تعيينه بالعاصمة وبالقصر الملكي، بل في قرية تقع في قلب جبال الأطلس، هي ميدلت، التي توجد على بعد 300 كلم من الرباط، والتي اضطر للانتقال إليها ليحظى بلقاء لم يدم سوى دقائق معدودات. هكذا تم تأكيد التراتبية الحقيقية بحركة واحدة وفي ظرف بضع ثوان فقط». نعم لاستقلال الجزائر.. ولكننا مغاربة يعود جون كلود مارتينز، في عدة فصول من كتابه، إلى العلاقات بين المغرب والجزائر والتوتر الذي يخيم عليها منذ استقلال البلدين قبل ستين سنة بالنسبة للرباط، و55 سنة بالنسبة للجارة الشرقية. ويورد حكاية حول مدينة تندوف التي كان سكانها يحضرون حفل البيعة إلى غاية الخمسينيات. ويقول الكاتب إن المغرب، منذ حصوله على الاستقلال بشكل رسمي في 1956، طالب باسترجاع منطقتي «تندوف» و»كولومب بشار» ومناطق أخرى. وذكر الكاتب بالاتفاق الموقع في 6 يوليوز 1961 بين الملك الراحل محمد الخامس وفرحات، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، والذي ينص على إعادة التفاوض حول هذه المناطق فور تحقيق الجارة الشرقية لاستقلالها. ويضيف الكاتب أنه «خلال إجراء الاستفتاء حول استقلال الجزائر في فاتح يوليوز 1962، كان السكان يضعون على ورقة التصويت «نعم للاستقلال ولكننا مغاربة». بيد أنه بعد تولي أحمد بن بلة للرئاسة بدعم من جيش التحرير الوطني الجزائري، تنكر النظام الجديد للاتفاق المبرم بين محمد الخامس وفرحات عباس، وهو ما أدى إلى ذلك التوتر الذي أفضى إلى حرب الرمال في أكتوبر 1963. الحسن الثاني والطابع البريدي الإسرائيلي بخصوص علاقات الملكية بالمغاربة اليهود، يعود الكاتب إلى الروابط الخاصة التي كانت يربطها اليهود بالقصر، فهم «محميو الملك» بالنسبة إلى جون كلود مايتنيز. ويذكر أن الملكية سعت دوما إلى حماية اليهود لما كانوا يتعرضون للقمع في أوروبا، وجرت آخر فصول هذه الحماية في الأربعينيات لما تدخل السلطان محمد الخامس بكل ثقله لحمايتهم من نظام فيشي الفرنسي الموالي للنازية. ويورد الكاتب تفصيلا تاريخيا صغيرا على اعتراف اليهود بهذه الحماية، ويقول «في سنة 1999، عند وفاة الملك الحسن الثاني، الذي يقال إنه لعب دورا مهما وسريا لتوقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، أصدرت تل أبيب طابعا بريديا تكريما للعاهل الراحل». حصن ضد التطرف فيما يتعلق بمواجهة التشدد الديني، يقول الكاتب إنه «أمام التطرف الإسلامي الذي يتدفق بالمباشر على كل الشاشات، ويعتبر ملك المغرب اليوم حصنا، وربما هو الحصن الأخير. ليس فقط لأن السلطة التي يتمتع بها كأمير للمؤمنين تخلع عن هذا التطرف كل أسلحته، بل كذلك لأن المغرب عاش تجربة حارقة تجعله يتفهم بعمق ما تخشاه فرنسا وأوروبا عموما. وقد وقفنا على هذا الأمر مجددا في 7 من يناير 2015 بمناسبة الاعتداء الذي استهدف مقر صحيفة «شارلي إيبدو»، إذ كان أمير المؤمنين واضحا في التعبير عن إدانته «بشدة هذا العمل المقيت». الدور المزدوج للملك يعطي جون كلود مارتينز تفسيرين مختلفين لنجاة الجزائر والمغرب من الاضطرابات التي صاحبت رياح الربيع العربي. ويقول «في الحالة الأولى، وبما أن النظام العسكري (في الجزائر) لا وجه له، فلم يجد الشارع هدفا محددا ليطلب منه الاستقالة». أما المغرب، «وحتى إن كان تحت ضغط التوترات الاجتماعية، فله ملك يمكن مناقشة دوره الدنيوي، ولكن دوره الروحي يوجد خارج حقل أي نقاش»، ويضيف الكاتب أن هذا «ما سمح له بالصمود وبالانفتاح» عبر ما سماه مارتينز ب «التأقلم الدستوري» مع الوضع الجديد الذي أفلح في تحويل ذلك الضغط إلى «عصرنة للمؤسسات». ويتابع الكاتب أنه «يمكن أن نتصور ما كان سيقع بالرباط، لو لم يكن المغرب يتوفر في 2011 على الدور المزدوج للملك، السياسي والديني»، ويضرب للمقارنة مثلا بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي عاصر خمسة رؤساء أمريكيين، وثلاثة قادة فرنسيين لدرجة أن الشعب المصري سماه «رمسيس الثاني»، ولكن سقط بعد ثلاثة أسابيع فقط من الاحتجاجات، ليخلص إلى القول «من ذا الذي لا يرى أنه بالمغرب، كان أي شخص آخر، غير الملك المتجذر في تربة البلاد، كانت ستعصف به رياح الاضطرابات الاجتماعية، أو احتجاجات الشارع، أو الجيش، أو رجال الدين، (…) مع ما يتبع ذلك من عواقب مزلزلة بالنسبة إلى أوروبا». الرباط ليست بغداد ولا الرياض يرى جون كلود ماتنيز أن إقامة إسلام متشدد أمر مستحيل بالمغرب، لأنه يوجد على رأسه «ملك هو في الآن ذاته زعيم ديني وقائد سياسي». ويتابع الكاتب أن «ملك المغرب يمثل سلطة الإسلام في بلاده، وهي سلطة تتمتع بشرعية لا تناقش، وهو يدعو إلى إسلام متسامح ووسطي. فالرباط ليست هي بغداد حيث ولد، في سنة 780 ميلادية، (أحمد) ابن حنبل، مؤسس أكثر المذاهب تشددا لدى السنة؛ وليست «حران» بتركيا، المدينة التي ولد فيها، سنة 1263 ميلادية، ابن تيمية، صاحب التفسير الحرفي والمتطرف للنصوص المؤسسة للإسلام، الذي يسير على هداه كل المتطرفين من طالبان أفغانستان إلى السلفيين؛ كما أن الرباط ليست هي الرياض حيث رأى ابن عبد الوهاب النور في 1703، لينشر بعد ذلك مذهب الوهابي المتشدد في القراءة الحرفية للنصوص الإسلامية». نفي محمد الخامس وهزيمة فرنسا في "ديان بيان فو" حدث تاريخ آخر قليل من يعرفه يأتي مارتينز على ذكره في كتابه هذا للبرهنة على مركزية الملكية في الكيان المغربي، ويتعلق بتداعيات نفي محمد الخامس على الوجود الفرنسي في منطقة الهند الصينية. ويقول الكاتب «إن نفي السلطان جاء في عز الحرب في منطقة الهند الصينية. فاغتنم «هو شي منه» (الزعيم الفيتنامي الاستقلالي) هذه الفرصة وراسل عبد الكريم (الخطابي) قائد حرب الريف وطلب منه، باسم التضامن بين المقهورين، مساعدة المغاربة، وبصفة عامة عون أهل شمال إفريقيا المنضوين تحت «لجنة تحرير المغربي العربي»، التي كان القائد المغربي عضوا فيها إلى جانب بن بلة. وستكون تلك المساعدة على شكل حرب نفسية وحرب تضليلية تم شنها انطلاقا من القاهرة، التي لجأ إليها عدد من قدماء مساعدي غوبلز، الذين كانوا يتمتعون بخبرة كبيرة في الدعاية الإذاعية. هكذا، شرعت إذاعة «صوت العرب»، التي كانت تلتقط في كل مكان في العالم بما فيها الهند الصينية، تذيع كل يوم على الساعة الرابعة بعد الزوال، وعلى إيقاعات الموسيقى الحربية، نداءات إلى الجنود المغاربة في صفوف القوات الفرنسية في منطقة «ديان بيان فو» تحثهم على الهرب من صفوف الجيش. وكان أحمد سعيد، أحد أكبر الأصوات الدعاية العربية، يشعل الأثير بخطبه مدعيا أن «فاس تتعرض للقصف من طرف الفرنسيين..والمدينة تحترق.. والمساجد تتعرض للتدمير..» وغيرها من الأكاذيب التي دفعت المئات من الجنود المغاربة إلى مغادرة جيش الجنرال كاستري، والانتقال إلى صفوف العدو.». ويضيف الكاتب أن القوات الفيتنامية، التي كانت تحت قيادة مغربي اسمه «بنعمر» ويلقب بالجنرال الأحمر، ستتعزز آنذاك بهؤلاء الجنود المغاربة العازمين على «الثأر» لسلطانهم وجعل فرنسا «تدفع الثمن». ويكشف ماتينز أن هذا الجنرال الأحمر ورجاله المغاربة سيهزمون الفرنسيين في «ديان بيان فو» في يوم عيد الأضحى سنة 1954، أي في الذكرى الأولى لنفي محمد الخامس. "لارام" أحد أسلحة الملك في إفريقيا خصص الكتاب حيزا هاما للتوجه الإفريقي للملك محمد السادس، ويقول إن «لارام (الخطوط الملكية المغربية) تعتبر الأدوات المهمة في الاستراتيجية الإفريقية. فمنذ تأسيسها في سنة 1957، طارت الشركة نحو إفريقيا، والسنغال بالضبط. ومنذ ذلك الحين، صارت تغطي 32 خطا جويا في 26 بلدا، وصار المسافرون الأفارقة يمثلون 47 في المائة من مجموع زبناء لارام مقابل 4 في المائة قبل عشر سنوات فقط(…) ونجدها اليوم تدعم المسيرة الاستراتيجية الإفريقية للمغرب الجديد، عبر إبرام شراكات ليست لها أهمية اقتصادية، بل تكشف برمجة سياسية. هكذا في فبراير 2014، وبينما كان الملك يفتتح طريقا سريعا بأبيدجان، وكان يمول قرية للصيد بالعاصمة الإيفوارية ب1.8 مليون أورو(حوالي ملياري سنتيم)، كان الرئيس المدير العام ل لارام يوقع اتفاق شراكة مع الطريقة التيجانية بالكوت ديفوار(…) تسمح لمريدي هذه الطريقة في كل أفريقيا وكل العالم الارتباط بفاس».