الطريقة البائسة التي أدار بها النظام المصري موضوع احتجاز رهائن أقباط من قبل «تنظيم الدولة» في ليبيا، كان من شأنها أن تدفع المتابعين للأزمة إلى الخروج بشعور أنهم بصدد فقرة ساخرة من عروض الكاميرا الخفية، أو برامج القفشات والمقالب الكوميدية. غير معقول بوجه من الوجوه أن يكون كل ما لدى الدبلوماسية المصرية في هذه الأزمة أنها تتابع مأساة احتجاز رهائن من الشعب المصري عبر شاشات التلفزة ووسائل الإعلام، ما ولّد شعوراً لدى المتابعين بأن ثمة اطمئنانا رسميا على اعتبار أن مصيرا كارثيا للرهائن غير وارد، أما لثقة عندها بأن القصة غير حقيقية، أو أن القائمين على حكم مصر لا يبالون بحياة مواطنين مساكين. هذه الإدارة الهزلية المسترخية للأزمة، أعطت انطباعا أن الأمر لا يعدو أن يكون كله تحضيرا لوثبة عسكرية في الرمال الليبية، في سياق مغامرات نظام، أو بالأحرى تنظيم، يحكم مصر بالفهلوة والشطارة والحيل الدرامية المبهرة، من دون أن يكون لديه تصور أو مشروع حقيقي لإدارة الدولة المصرية. تبرز الفكاهة بوضوح فيما أدلى به ما يطلق عليه «رئيس الحكومة» رجل المقاولات المهندس إبراهيم محلب، من تصريحات لطمأنة الأقباط وتهدئتهم، عقب الإعلان عن الاستعداد لإعدام 21 مصريا من العاملين في ليبيا على يد تنظيم «داعش». محلب قال إنه على استعداد لتسليم نفسه لداعش مقابل الإفراج عن المختطفين.. فيما بعد راجت أنباء أقرب إلى النكات الساخرة تقول إن التنظيم وافق على العرض، وبانتظار تسلم محلب مقابل الإفراج عن المختطفين. ما ينبغي التوقف عنده هنا، أنك لو أخذت تصريح محلب على محمل الجد، تكون أمام أول اعتراف رسمي من النظام المصري بالتنظيم الداعشي، إذ لا يعني عرض «رئيس وزراء السيسي» تسليم نفسه سوى أنه يفتح بابا للتفاوض والتبادل والإقرار بتنظيم الدولة من جانب دولة التنظيم. ولنفترض جدلا أن «داعش» كان قد وافق فعليا على صفقة «محلب مقابل الرهائن» فماذا سيكون موقف النظام المصري وموقف محلب شخصيا في هذه الحالة؟ إعلان محلب فكرة تسليم نفسه، هي بذاتها إقرار بإمكانية الدخول في عملية تفاوض. وهذا كان يستلزم بالضرورة جهدا حقيقيا في الوقوف على حجم الكارثة، بما يشمله من تحديد هوية الخاطفين ومطالبهم ومصارحة الشعب بأبعاد الموقف، ثم الدخول في عملية شاملة تضع سلامة الرهائن كأولوية، كما فعلت قوات البشمركة في العراق، وكما تصرف أردوغان في أزمة مشابهة مع داعش العراق، أو حتى كما سلكت الإدارة الأردنية في مأساة معاذ الكساسبة. كل هذه البلادة الرسمية في التعامل مع الكارثة جعلت كثيرين لا يستبعدون احتمالية أن يكون نظام السيسي بصدد تصنيع نسخة مصرية من حالة «معاذ الكساسبة» يستخدمها لمنح نفسه حرية العبث العسكري في ليبيا، جوا وأرضا وبحرا. لقد بدا لوهلة أن الأمر برمته يدور في تلك المساحة الدرامية الفسيحة التي يلعب فيها نظام الانقلاب على المصريين، وبهم منذ اللحظات الأولى لانتعاش الأجواء الإرهابية، كنتيجة لتسييد منطق القوة على الحق والعدل، والتهام بشائر الديمقراطية قبل أن تنضج على شجرة الثورة المصرية. ولعلك تذكر أن قائد سلطة الانقلاب في أول عملية يعلن عنها لقتل جنود في عهده، لم يجد ما يقوله لذوي الضحايا سوى «يا ليتني كنت أنا»، مرددا كلاما مدهونا بزبدة الأداء التراجيدي الفاقع عن حياة المصري وكرامة المصري، إلى آخر قطعة في علب الحديث الزائف. والثابت قولا وفعلا أننا بصدد تنظيم حاكم يرفع شعار: «نموت نموت ويحيا زعيم الانقلاب». ولا تنسَ أن الشخص ذاته، أعلنها صريحة في مفتتح حكمه من أنه لا مانع عنده من ظلم جيل أو جيلين من أجل مستقبل أفضل. وتطبيقا لهذه الرؤية لم تتوقف ماكينات النظام عن قتل المصريين، في مدرجات ملاعب الكرة، أو داخل ساحات الجامعات، وفي مسيرات الشوارع، وأقبية سجون التعذيب، أو في صقيع الاغتراب. وبالتالي، بات من الصعب جدا أن يصدق أحد أن هذا النظام يهمه كثيرا أمر مصريين مختطفين هنا أو هناك، حتى وإن أقسم محلب أيمانا مغلظة بأنه لا يمانع في تسليم نفسه لداعش فداءً للرهائن. الشاهد، أنه لم تكن هناك إدارة جادة ومحترمة لهذه الأزمة، لأن التفكير كله ذاهب في اتجاه كيفية استثمار الفاجعة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لسلطة التسريبات. لكن يبقى لافتا هذا التزامن الغريب بين صفقة الطائرات الفرنسية (العرجاء) وزيارة فلاديمير بوتين لمصر، والاجتماع الغامض لرئيس الأركان الموالي لخليفة حفتر مع عسكريين وأمنيين في القاهرة.. ثم الإعلان عن إعدام 21 مصريا قبطيا في بنغازي.. كل ذلك يشكل عناصر دراما شديدة الإثارة على المسرح الليبي.