231 مليون أورو، هو المبلغ الذي تمكنت فرنسا من استخلاصه من المتهربين من اداء الضرائب بفضل المعلومات التي كشف عنها هيرفي فالتشياني، الموظف السابق في الفرع السويسري لمجموعة البنك البريطاني "HSBC". هيرفي فالتشياني، الخبير في الأمن المعلوماتي البالغ من العمر 43 عاما والحامل للجنسيتين الفرنسية والإيطالية لم يكن يتصور حين تم توظيفه في البنك الشهير ابتداء من سنة 2000، في فرع موناكو قبل الانتقال للفرع السويسري، أن ينتهي مساره المهني في البنك المذكور بفضيحة تعتبر الأكبر في تاريخ التهرب الضريبي في فرنسا وعدد من البلدان الأخرى. بداية القصة ترجع لتاريخ السادس والعشرين من شهر دجنبر سنة 2008، حين التقى فالتشياني بعناصر من مصلحة الضرائب في مقهى بمطار نيس وسلمهم وثائق مهمة تخص المتهربين من أداء الضرائب. بعدها بأشهر وتحديدا في غشت من سنة 2009، أعلن وزير الميزانية حينها، إريك وورث، عن توفر السلطات على لائحة تتضمن 3000 اسما لمتهربين من أداء الضرائب داعيا إياهم إلى تسوية وضعيتهم. السلطات السويسرية ومحاولة منها لملمة الفضيحة والحفاظ على خصوصية وسرية حسابات عملائها عمدت إلى إصدار مذكرة بحث دولية في حق فالتشياني الذي يعيش منذ ذلك الحين حياة يتهددها الخطر بشكل يومي. "حياتي مهددة، وهناك إجراءات متخذة من طرف السلطات لحمايتي في فرنسا وإسبانيا بعضها أنا نفسي لست على دراية به.. الناس يتقاتلون من أجل 5 آلاف أورو وحتى من أجل الخبز، بالنسبة لموضوع التهرب الضريبي فالحديث يتعلق بالملايير، هل تظنون فعلا أن من يخبئون تلك الملايير سيلتزمون الصمت والهدوء إزاء ما يقع؟" هكذا رد فالتشياني على سؤال لصحيفة ""لوباريزيان" قبل سنتين بخصوص الإجراءات المتخذة لضمان أمنه، مؤكدا أنه يعيش كما لو كان سجينا بين فرنسا وإسبانيا، لدرجة أنه لا يستطيع حتى التواصل مع أفراد عائلته خوفا على سلامتهم. 1068مغربي يملكون حسابات سرية في البنك البريطاني HSBC قبل أن تصبح إسبانيا بدورها ملجأ لفالتشياني وحريصة على سلامته، قامت باعتقاله سنة 2012 تنفيذا لمضمون مذكرة البحث السويسرية غير أنها سرعان ما أطلقت سراحه حين اكتشفت أن الواقع في قبضتها قادر على مساعدتها على ضبط عدد من المتهربين الضريبيين وبالتالي تمكينها من الحصول على ملايين الأوروهات نتيجة لتسوية الوضعية الضريبية للإسبان الذين تضمنتهم لائحة الموظف السابق في البنك البريطاني. في الوقت الذي يؤكد فالتشياني أن الدافع وراء ما يقوم به هو حرصه على تطبيق القانون وعدم رغبته في أن يكون جزءا من "الخروقات" التي قال إن بنك "HSBC" يرتكبها، كشفت رفيقته السابقة، جورجينا ميكاييل، أنه تلقى أموالا طائلة من بعض البلدان لمدها بالوثائق التي تثبت تهرب بعض مواطنيها من أداء الضرائب، وذكرت جورجينا تحديدا تلقي فالتشياني مبلغ 2.5 مليون أورو من ألمانيا، وهو ما نفاه الأخير مؤكدا أن مصدر دخله الوحيد هو راتبه الذي يصل إلى 3500 أورو من عمله لصالح مؤسسة معلوماتية كبيرة. فضيحة التسريبات المذكورة أخذت منحى جديدا خلال الأيام الأخيرة، فبعدما كانت وسائل الإعلام تتناول قضية تسريبات "HSBC" بشكل عام منذ سنة 2008 مثيرين بعض الأرقام عن عدد عملاء البنك والمبالغ التي يحتفظون بها فيه دون أن يعلم أحد هويات المعنيين، أثارت صحيفة "لوموند" الفرنسية نقاشا جديدا نهاية الأسبوع الأخير بنشرها لائحة بأسماء مشاهير من مختلف أنحاء العالم والمبالغ التي يتوفرون عليها في الفرع السويسري للبنك البريطاني، منهم حكام وأمراء وفنانين… سويسرا ما تزال اليوم تطالب بتسليم فالتشياني بتهمة سرقة معطيات سرية، في حين ينفي فالتشياني عن نفسه تهمة السرقة مؤكدا أنه لم يسرق "إنما كنت شاهدا على خروقات" قال إنه لاحظها في تعاملات البنك مع عملائه الذين ينحدرون من مختلف أنحاء العالم. البعض يصفونه ب"المغامر" وآخرون ب"الانتهازي" والأكثرية يعتبرونه بمثابة "الكابوس" الذي قض مضجع مسؤولي بنك "HSBC" وعملائه، وقصته المثيرة تغري الكثير من السينمائيين لتقديم فلم عمن يُعتبر "مفجر أكبر فضيحة تهرب ضريبي".