بعد عودة الدفء إلى العلاقات المغربية الفرنسية بالاتفاق على تعديل الاتفاقية القضائية، يعود حميد برادة في هذا الحوار إلى تحليل خلفيات هذه الأزمة التي استمرت حوالي سنة، ويشرح الأسباب التي لم تساعد على تفادي تداعيات استدعاء عبد اللطيف الحموشي من طرف الأمن الفرنسي. { كيف تتبعت الأزمة المغربية الفرنسية والمصالحة التي تمت بتعديل الاتفاقية القضائية؟ أعتقد أن عنوان المصالحة هو سفر الملك محمد السادس إلى باريس، والحديث عن لقاء له مع الرئيس فرنسوا هولاند لم يعلن عنه رسميا إلى حدود اليوم. لا ننسى أن الأمر وصل إلى حد القطيعة بين البلدين بعد أزمة استدعاء الحموشي من طرف الأمن الفرنسي، وأن الرئيس هولاند حاول الاتصال بالملك محمد السادس لكن الملك رفض الرد عليه، وهذا يظهر إلى أي حد وصلت الأزمة والقطيعة. { هل يمكن القول إن السبب الأساسي للأزمة هو قضية الحموشي؟ نعم، هذا هو السبب الأساسي، وهذه قضية ليست بسيطة وهي نادرة. لقد كان هناك لقاء في فرنسا يضم مسؤولي المخابرات ووزراء داخلية دول البرتغال وإسبانيا والمغرب وفرنسا من أجل مناقشة تحديات الإرهاب، فإذا بالمسؤول الأول عن المخابرات في المغرب يتلقى استدعاء في مقر السفارة المغربية بباريس من طرف 7 من عناصر الشرطة الفرنسية، واضعين على صدورهم واقيات من الرصاص، وهذا أمر غير معقول. لهذا كان رد فعل المغرب هو كما يقول المغاربة «كبرها تصغار»، وقد فوجئت فرنسا برد الفعل المغربي الذي وصل حد رفض الملك الرد على اتصال هولاند. وفي خضم ذلك، وقع تسريب اسم المسؤولة عن جهاز المخابرات في السفارة الفرنسية بالرباط لأحد المواقع الإلكترونية، ما جعل السفارة تعيد هذه المسؤولة إلى باريس. وهنا أود القول إن هذا التسريب لا يقع في الأعراف الدبلوماسية حتى بين الأعداء. { هناك تساؤلات مازالت مطروحة حول الجمعية التي رفعت الدعوى ضد الحموشي وكيف عرفت أنه يوجد في باريس؟ أعتقد أن الأمر أعمق من شكاية وضعتها جمعية غير معروفة ضد الحموشي. إذا نظرنا إلى اسمي المحاميين اللذين توليا الدفاع في هذه القضية ضد الحموشي وباشرا كل الإجراءات، فإننا ندرك أنهما ليسا سوى محاميين مقربين من الأمير مولاي هشام، وهما محاميان معروفان في باريس، الأول اشتهر بالدفاع عن عمر الرداد في القضية الشهيرة «عمر قتلني»، والثاني كان محاميا لهشام المنظري. { هل هذا كافيا للقول إن مولاي هشام له علاقة بالشكاية؟ الرسالة التي كتبها في تويتر تدل على أن له علاقة. { لكن مولاي هشام نفى في رسالته أي دور له في ترتيب احتجاجات ضد الملك في فرنسا؟ مولاي هشام اختار أن ينشر رسالته للعموم عبر تويتر مبررا ذلك بأن رسالته إلى الملك لم ينقلها الماجدي، لكن كيف عرف بأن الماجدي لم ينقل رسالته، إذن هو يرغب في نشر الأمر علنيا وسط الرأي العام. ثانيا، الطريقة التي كتبت بها الرسالة والأخطاء اللغوية والنحوية التي تضمنتها تشير إلى انه كتبها مستعجلا ومتوترا، وربما متوجسا من إمكانية تعامل مختلف معه من طرف السلطات المغربية بعد تطبيع العلاقات مع فرنسا، ووضع شكاية ضد زكرياء المومني. لا ننسى أنه بعدما أصدر مولاي هشام كتاب «الأمير المنبوذ» حصلت قطيعة بينه وبين القصر. فلماذا يعتمد مولاي هشام في رسالته لغة تعبر عن الاحترام تجاه الملك؟ فهل يريد إعادة ربط العلاقات؟ { لنعد إلى قضية توجيه الاستدعاء إلى الحموشي، ألم يكن ممكنا تفادي ما حصل؟ أعتقد أن هناك عدة أسباب ساهمت في عدم تفادي هذا الحادث. من جهة، هناك الفراغ الدبلوماسي الذي عرفته السفارة المغربية في باريس بعد وفاة السفير السابق مصطفى الساهل الذي لم يتم تعويضه بسرعة، لهذا من الممكن أن يكون لهذا الفراغ دور. ثانيا، هناك من جهة أخرى مشكل في الجهاز الفرنسي المحيط بالرئيس هولاند، الذي يتميز بالجهل بالمغرب والنفور منه وبالتعاطف مع الجزائر. هذا المحيط ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الذي ينظر بارتياب وسلبية إلى ما يوصف بشكل كاريكاتوري ب«دبلوماسية المامونية» نسبة إلى فندق المامونية، في إشارة إلى العلاقات التي يربطها المغرب مع نخب فرنسية، واستضافتها في فنادق فخمة مثل المامونية. هؤلاء موظفون جدد في الإليزيه لهم سلوك مختلف ولا يتعاطفون مع المغرب. { لكن فرنسا تقول إن قضاءها مستقل، وبالتالي فهذا لا علاقة له بموظفي الإليزيه؟ دعني أقدم مثالا لحادث وقع أيام حكم فرانسوا ميتران. فخلال زيارة الجنرال الجزائري خالد نزار إلى باريس، تبين أن هناك شكاية ضده في القضاء الفرنسي، وذلك إثر إصدار ضابط جزائري سابق لكتاب يتهم فيه الجيش الجزائري بالوقوف وراء الجرائم التي كانت تلصق بالجماعات الإسلامية خلال الحرب الداخلية التي عاشتها البلاد. وبناء على هذا الكتاب تمت الشكاية. وبمجرد ما بلغ إلى علم الإليزيه أن هناك شكاية ضد الجنرال، تم اتخاذ قرار بإخراجه فورا من التراب الفرنسي، ولم يقع أي شيء فيما بعد. { لكن في قضية اغتيال المهدي بن بركة تمت متابعة مسؤولين مغاربة أمام القضاء الفرنسي؟ قضية بن بركة أعقد بكثير، لأن الأمر يتعلق باختطاف واغتيال وقع فوق التراب الفرنسي وتورط فيه مغاربة وفرنسيون وأطراف أخرى. وقد قال الجنرال دوغول حينها إن القضية لا تهم فرنسا، وإن هذا يعد عملا دنيئا، وطبعا فإن هذا غير صحيح. وقد كان رد الحسن الثاني هو أنه بعث إليه الجنرال الدليمي لتتم محاكمته في باريس، وهذا ما تم، حيث برأت محكمة فرنسية الدليمي من التورط في قضية بنبركة، رغم أن الدليمي وجهت له الاتهامات نفسها التي وجهت لأوفقير. المثير أن محاكمة الدليمي تزامنت مع حرب العرب ضد إسرائيل سنة 1967، وهو ما انتهزه محامي الدليمي الذي قال في مرافعته للمحكمة «إذا حكمتم ضد الدليمي، فإنني لا أضمن لكم أمن الفرنسيين المقيمين في المغرب، نظرا لأجواء الحرب». ولهذا تمت تبرئة الدليمي. { بخصوص الصلح الذي تم بين المغرب وفرنسا، هل لعبت فيه أحداث شارلي إيبدو أي دور؟ بعد أحداث شارلي إيبدو، ارتفعت عدة أصوات في فرنسا تقول إنه من غير المعقول أن تستمر القطيعة مع المغرب، منها صوت شارل باسكوا، وزير الداخلية الفرنسي الأسبق. هذه الأصوات تعرف أن التعامل مع المغرب في قضايا الإرهاب استراتيجي ومهم جدا. وهنا لابد من الإشارة إلى أن أحد منفذي الاعتداءات في فرنسا، وهو كوليبالي، سبق أن زار المغرب عدة مرات، وفرنسا ترغب في معرفة معطيات عن هذه الزيارات. ثانيا، لدي معطيات بأن إفشال العملية التي كانت ستنفذ في بلجيكا ساهم فيها المغرب بتقديم معطيات عن المغربي أباعود المبحوث عنه. إذن هناك رغبة قوية في فرنسا في عودة التعاون الأمني والاستخباراتي. ولهذا يمكن القول إن أحداث شارلي إيبدو لعبت دورا في تسريع عودة العلاقات. { هل كان لخرجات وزير الخارجية صلاح الدين مزوار التصعيدية وعدم مشاركته في مسيرة باريس أي دور؟ سبق أن انتقدت عدم مشاركة مزوار في مسيرة باريس، حيث بدا لي أن الأمر غير مفهوم، لكن راجعت موقفي بعدما تبين السبب وراء عدم المشاركة، حيث كان هو مراعاة مشاعر الناس، التي عبروا عنها بأشكال مختلفة وبشعار «إلا الرسول». أما بخصوص التصعيد في التصريحات، فقد كان مفهوما في سياقه. ويمكن القول إن خرجات مزوار، خاصة في جون أفريك، جعلت الإعلام الفرنسي ينتبه إلى خطورة الأزمة مع المغرب.