صدر أمر قضائي قبل يومين، يُجمد الأجهزة التقريرية والتنفيذية لنادي القضاة بالمغرب، بناء على طلب تقدم به إلى المحكمة قضاة ينتمون إليه. فقد وصل الخلاف بين الأطراف داخل النادي المثير للجدل، مستوى غير مسبوق، شرعت المحاكم في حسمه. ماذا يقع بالضبط؟ وكيف وصلت الأوضاع إلى هذه المستويات؟ «وجها لوجه» يقدم ملامح نزاع حول القانون طرفاه محمد الهيني بوصفه واحدا من مسؤولي النادي المطعون فيه، والقاضي سمير آيت أرجدال، أحد الطاعنين في شرعية الجمع العام. محمد الهيني: قاض بالمحكمة الإدارية بالرباط، عضو نادي القضاة بالمغرب سنطعن في الحكم القضائي وسنستمر في عملنا { كيف وصلتم في نادي القضاة إلى مستوى حسم المحاكم في خلافاتكم؟ بشكل ملخص، فإن المشكلة بدأت عندما عارض 10 قضاة بعض المسائل الإجرائية في الجمع العام الأخير، وتقدموا بدعوى لإيقاف الأجهزة المنتخبة. إنهم يعتقدون ألا شرعية لهذه الأجهزة، لأن النصاب كما يرون هم لم يكن متوفرا في الجمع العام، لكنها وجهة نظرهم فقط. { ولكن الحكم الصادر قبل يومين، يؤكد أن وجهة النظر هذه سليمة.. أليس كذلك؟ هنالك خلط كبير وقع في التعامل مع الحكم الصادر قبل يومين، وكي نوضح الأمر لمن يرغب –فعلا- في الفهم، فإن الحكم ليس معناه بطلان الجمع العام، أو بطلان الأجهزة المنتخبة، أو الحكم ببطلان الكيفية التي جرى انتخابها. إن الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية في القضية الاستعجالية هو إجراء وقائي فحسب، ولم ينظر في الموضوع بتاتا، أي أن هذا الأمر القضائي لم يبت في شرعية الأجهزة المنتخبة لنادي قضاة المغرب، وما إذا كانت باطلة أم لا. بل قرر أن يجمد عملها حتى ينظر في الموضوع. { هنالك دعوى أخرى ترمي إلى بطلان الجمع العام سيبت فيها الأسبوع المقبل.. صحيح، لأن المسطرة تقتضي أن ترفع دعويين معا كي يقبل النظر في طلب إيقاف الأجهزة المنتخبة. وقد فعلوها كما يفرض القانون. لكن الأهم، وقبل أن يصدر الحكم في الموضوع، وهو الحكم الذي من شأنه أن يغير كل شيء، فإن الحكم الصادر بإيقاف الأجهزة المنتخبة ليس لديه أي تأثير جوهري على مشروعية الجمع العام، ولا يمكن تأويله على أنه ربح للمعركة من لدنهم، أو حتى لنصف المعركة. إنه قرار يرمي إلى وضع الأجهزة في حالة تجميد حتى يبت في الدعوى الثانية، وكل ما يقال عن أثر الدعوى الأولى مجرد مبالغات. { ألم يكن من الأجدر أن تتعاملوا أنتم كقضاة مع خلافاتكم بطريقة لا تصل إلى ردهات المحاكم.. لقد كان هنالك –فعلا- نقاش حول المعايير والسلامة القانونية للجمع العام، وكان هنالك خلاف حول تحديد مفهوم المنخرط في نادي القضاة. بالطبع، لا يمكنني القول إن مفهوم المنخرط قد جرى تحديده بكيفية دقيقة في الأنظمة الداخلية للنادي، ولذلك من الطبيعي أن يكون هنالك خلاف حوله كل مرة أحس طرف بأن الكيفية التي سيتم بها تفعيله ستضره. { لكن الأمر يتعلق بما يزيد عن 250 قاضيا لديهم الموقف المعارض نفسه بشأن قضية النصاب المعمول به في الجمع العام.. الإرادة العامة للحاضرين في الجمع العام، وهم نحو 700 قاض، كانت تسير في اتجاه أن الأمر سيحسم في مكانه، أي في الجمع العام نفسه، ووافقت الأغلبية على أن يسمح بالتحديد القائم للمنخرطين، وهو ما لم يستسغه المعارضون. لا يمكن لوم هؤلاء على موقفهم بشكل حاسم، لأن مفهوم المنخرط يطرح بعض الإشكالات عندنا، لكننا داخل الجمع العام وافقنا على ما رأيناه سليما من الناحية المسطرية، ولا يمكن بأي حال الطعن في قاعدة أن الجمع العام سيد نفسه. { وضح لي كيف يطرح مفهوم المنخرط مشاكل داخل نادي القضاة.. لأننا لم نحدد من هو المنخرط بصيغة دقيقة في الأنظمة الداخلية للنادي، فقد واجهتنا مشاكل في التعامل مع حالات قد ينطبق عليها المفهوم، وقد لا ينطبق عليها، مثل أولئك الذين غادروا النادي في وقت ما، والتحقوا بالودادية الحسنية للقضاة، أو أولئك الذين جرى التشطيب عليهم، ثم ظهرت أسماؤهم في لائحة المنخرطين، أو أولئك الذين لا يؤدون واجبات الانخراط، ومع ذلك يحتفظون بعضويتهم في النادي. كانت هذه أبرز الملاحظات المقدمة في الجمع العام، لكن معالجة هذه الإشكالات تتطلب عملا مضنيا، وسيستغرق الأمر أكثر من يومين، وهو الزمن المحدد للجمع العام. كانت الاستجابة للمعارضات المطروحة عملا غير ممكن، وكان موقفنا أن نؤجل الأمر إلى موعد لاحق، لكن ظهر لنا فيما بعد أن التأجيل بدوره سيكون موضع طعن. { كيف ذلك؟ كان من الواضح أن القضاة الذين أتوا إلى الجمع العام بغرض الطعن فيه، سيطعنون في أي شيء، وإن قدمنا تصورات بديلة أو قررنا تأجيل بعض التفاصيل الإجرائية. كانوا سيطعنون في تأجيل معالجة لائحة المنخرطين لا محالة. ولأننا نعرف ذلك، قررنا منح الجمع العام سلطة البت في الأمر. ووقع ما كنا نتوقعه، لأنه بالرغم من موافقة الأغلبية على تأجيل النظر في العملية، إلا أنهم طعنوا في الجمع العام في نهاية المطاف. كنا ندور في حلقة مفرغة، وكان لا بد من حسم الموقف. { وما ستفعلون بعد صدور الحكم ضدكم وإن كنتم تقولون إنه ليس ضدكم تماما..؟ كما قلت لكم، فإن الأمر القضائي هو حكم قضائي استعجالي له حجية مؤقتة، واتخذ إجراءات تحفظية وقائية مؤقتة إلى غاية صدور الحكم النهائي في الدعوى الموضوعية بالبطلان، وهو ليس انتصارا لجهة معينة وإنما هو تطبيق للقانون، حسب تفسير المحكمة دائما الذي يبقى قابلا للنقاش والطعن القضائي، باعتبار عدم نهايته. ويتعين علينا مباشرة الإجراءات المناسبة لضمان التنفيذ السليم والكامل للأمر القضائي. { وما هي هذه الإجراءات؟ على المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب أن يجتمع عاجلا لترتيب الآثار القانونية للأمر القضائي من زاوية التنفيذ الطوعي إعلاء للمشروعية وسيادة القانون. ثم مباشرة الطعن القضائي في الأمر المذكور بالاستئناف للعيوب القانونية الجوهرية الكثيرة التي شابته والتي تجعله باطلا ومنعدما، وأهمها تحوير الطلبات لأن الطلب موضوعه إيقاف تسليم الأشغال بين المكتبين؛ الحالي والسابق، وليس إيقاف الأنشطة؛ علما أن الطلب أصبح غير ذي موضوع لوقوع تسليم الأشغال خلال مدة بعيدة، وخرق الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية، وغياب شرطي الاستعجال والجدية. وعلى كل حال، وجب توضيح أن الأمر القضائي لا يمس بصحة انتخابات الأجهزة الجهوية للنادي، ولا بصحة وقانونية المقررات الصادرة عن المكتب التنفيذي الحالي. كما ندعو الرئيس السابق للنادي أن يعقد المكتب كإدارة لتسيير الأشغال إلى حين صيرورة الأحكام القضائية وتصبح نهائية، لتقرر على ضوئها إما انتخابات جديدة أو استمرار الأجهزة المنتخبة في العمل. ! سمير آيت أرجدال: رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء (نادي القضاة بالمغرب) نادي القضاة ضعف واستحوذ عليه طالبو الكراسي وأفسدوه { ماذا يحدث داخل نادي القضاة حتى أصبح القضاء يحكم بإيقاف أجهزة تسييره؟ لما عقد نادي القضاة جمعه العام الأخير، كان هنالك نقاش قانوني حول النصاب القانوني، كما يحدده الفصل 23 من القانون الأساسي، إذ لا يتحقق إلا بحضور نصف المنخرطين. لكن ما وقع هو أن الحاضرين كان عددهم نحو 500، وهو أقل بكثير من النصاب المفترض لعدد المنخرطين المعلن عنه بصفة رسمية، أي 1520. وبالطبع، كان علينا كقضاة أن نتمسك بتطبيق القانون، إذ لا يعقل أن نخرق القانون بينما نسعى إلى تطبيقه على الناس الآخرين في المحاكم. لقد كان ذلك بعد نظر لتفادي كل الإشكالات البعدية حول سمعة القضاة. { وماذا كان موقف الآخرين؟ نهض الرئيس السابق، ياسين مخلي، من مكانه، وأعلن أن الجمع العام سيد نفسه، وما سيقرره في هذه القضية هو ما سيكون؛ فأخضع الأمر للتصويت برفع الأيادي، وكسب تلك الجولة. لقد أحسست كقاض بالحرج، لأني لا يمكن أن أقبل على نفسي خرق القانون، فيما وظيفتي هي تطبيقه والحرص على سلامته. { وماذا فعلتم حينها؟ كنا نرغب في أن نوضح للقضاة في الجمع العام بأن ما يفعلونه غير سليم، وكنا نود أن تُعطى لنا الكلمة لتوضيح موقفنا، لكنهم حرمونا من هذا الحق. لقد شرعوا في الهتاف، وأنكروا علينا محاولتنا وضع القضية للنقاش. أحسسنا ب»الحكرة»، لأن القضاة أو بعضهم -على الأقل هناك- كان لديهم موقف جامد من الاختلاف في الرأي. ومع ذلك، كان لا بد أن يظهر الخلاف، لأنه ليس سوى امتداد طبيعي للاختلالات التنظيمية داخل نادي القضاة، وكنا نعاني بسبب ذلك، وكنا نعتقد أن الجمع العام سيحسم في هذه الإشكالات، لكنهم تجاهلونا بالمطلق بدعوى أن الكثير من القضاة الحاضرين يتبعهم السفر، ولا مجال لمناقشة تستغرق زمنا طويلا. كانت الخطة أن يحول الجمع العام إلى جمع عام تقني فقط. فاضطررنا، قصد مواجهة ذلك، للانسحاب، وكنا نحو 250 قاضيا. { وبعدها قررتم أن تحسموا المشكلة في المحاكم؟ في بداية الأمر، كنا نأمل في أن يكون للآخرين بعض الحكمة، فشكلنا لجنة مصغرة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع، لكن الوعي المهني عند القضاة الموجودين في الأجهزة المنتخبة كان غائبا، وكان يتعاملون معنا بمنطق إن القافلة تسير والكلاب تنبح، وبالتالي كان من الضروري أن نلجأ إلى القضاء كي ينصفنا، فوضعنا دعويين؛ واحدة استعجالية ترمي إلى إيقاف الأجهزة المنتخبة لنادي القضاة، والثانية ترمي إلى بطلان الجمع العام الأخير. وقد قضت المحكمة الابتدائية لصالحنا في الدعوى الأولى، بينما جرى تأخير الدعوى الثانية إلى الأسبوع المقبل بطلب من دفاع المطعون فيهم. { وهل كان ضروريا أن يحسم القضاة خلافاتهم بأحكام قضائية؟ لم نلجأ إلى القضاء من أجل القضاء، كما لم نذهب إليه كي ننفذ خطة مزعومة لنسف نادي القضاة. كان هدفنا هو الدفاع عن المشروعية، وكان لزاما علينا أن نحمي القانون الأساسي والأنظمة الداخلية لنادي القضاة من العبث، وكان لا بد أن نغلق الباب الذي فتح على مصراعيه لتأويل موقفنا في الجمع العام. وفي اعتقادي، فإن الحكم الاستعجالي ما يجب أن يفهموه جميعا، فقد أظهر أن القضاء كوجهة للبت في الخلاف، يمكنه أن يكون قويا ونزيها، كما أكسب الشرعية القانونية مدلولها التطبيقي، وأسس للحماية القانونية المشروعية، لكنه أيضا كشف ما هو أبعد: إن نادي القضاة في أزمة، وهو ما كان الكثيرون ينكرونه. إن هذا الحكم يؤكد وجودها بشكل ملموس. { بعد صدور الحكم، ما هي خطوتكم المقبلة كطرف رابح في هذه الدعوى؟ من المفترض أن نقوم بتبليغ الحكم إلى المعنيين به، ثم تنفيذه، لكننا قررنا أن نُمهل الطرف الآخر وقتا معينا كي يحاول لملمة أطرافه. عليه أن يقتنص الفرصة كي يشرع في البحث عن صيغ لجمع الشمل، وأن يكف عن التعالي المصطنع، وغير المدعوم بقواعد على الأرض. عليهم أن يعوا بأن الأزمة قد انفجرت في وجوه الجميع، وألا يسعوا إلى حجبها بحلول ترقيعية. إننا مستعدون لبدء كل شيء من الصفر، وسنقبل بانتخابات جديدة بشرط أن تكون شفافة. إن ما جرى في الجمع العام لا يليق بمقام القضاة، ولا نريد أن يتكرر ذلك، فنحن لا نرغب بالمطلق أن نرى مرة ثانية، استدعاء للجمع العام عن طريق «الفايسبوك»، أو أن تُحجب لوائح المنخرطين عن اطلاع أعضاء الهيأة. سيكون هدرا للوقت. { يظهر أن الوضع سيتطور إلى مستويات أخطر.. ما تكشفه الدعاوي ضد الطرف الآخر، والحكم الصادر قبل يومين، هو أن الانشقاق قد حدث داخل نادي القضاة. لقد تأكد ذلك لمن في نفسه شك. وإذا ما أردنا أن نتفادى هذه النتيجة، فإن الطرف الآخر عليه أن يتحمل مسؤوليته، وعليه أن يشرع في مناقشة حرة ونزيهة لوضعه ومواقفه وتصوراته، وعليه أيضا أن يقبل بحد مقبول من الصيغ التوافقية على مستوى الفكر والمبادئ والتوجهات، لكن لن يكون هنالك أي توافق على المستويات التقنية. { قد ينعكس كل هذا على حرارة نادي القضاة.. ربما ستبرد. أليس كذلك؟ حرارة نادي القضاة بردت منذ عام، فقد تغلغلت الاختلالات التنظيمية، وسادت ديكتاتورية الأغلبية داخله. ليس هنالك ضمير جمعوي ناضج داخل النادي لحد الآن، وغلب الانفعال وحماس الشباب على الرزانة المطلوبة في هذه الأوقات. ولكننا بالرغم مما يقال ضدنا، لسنا في حالة شرود. سنحاول أن نناضل من داخل النادي ضد كل من يريد أن يستحوذ عليه وكأنه ملكية خاصة. إن الحقيقة المرة هو أن نادي القضاة هيأة ضعيفة من حيث الأجهزة، وأداؤها الوظيفي باهت، واستغرق الطرف الآخر في البحث عن كرسي مريح. إن كل التبجح المعلن من لدنهم قد سقط هذه المرة، وعليهم أن يستفيدوا من الدرس. إن مطبخكم الداخلي في حالة سيئة، ولا تأتوا غدا كي تطالبوا بإشراف القضاة على الانتخابات، بينما أنتم تفسدون انتخاباتكم الخاصة !