مع بزوغ أول أشعة الشمس، يحج إلى مدينة فاس، عدد من الفلاحين، أغلبهم من الفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية القريبة. هؤلاء يتجهون نحو "الفندق الأمريكي"، المتواجد على الطريق المؤدية إلى المدينة العتيقة، ليس من أجل حجز غرفة كما يوحي اسم المكان، بل لفحص ومعالجة بهائهم من خيل وحمير وبغال، في هذا المستشفى البيطري الذي يقدم خدماته مجاناً منذ قرابة قرن من الزمن. كثيرون ممن يمرون من قرب المركز البيطري يطرحون أسئلة عدة، خصوصاً وأنه يحمل اسم "الفندق الأمريكي" الذي يوحي أنه فندق يستقبل سياح فاس، لكنه غير ذلك. وتقول مديرة "الفندق الأمريكي"، في فاس، كيكي غاي وهي بريطانية الجنسية (60 عاما)، لوكالة الأناضول، إن "تأسيس هذا المستشفى البيطري يعود إلى سنة 1927، حين قدمت إيمي باند بيشوب، وهي سائحة أمريكية، إلى فاس ولاحظت استعمال أهالي قرى فاس للحيوانات كثيراً في حياتهم اليومية، في حمل البضائع الثقيلة والحرث والحصاد، وارتأت، وهي التي تنتمي إلى عائلة تهتم بالحيوانات، أن تساعدهم عبر توفير الفحص والعلاج مجاناً، ووهبت ثمانية آلاف دولار من أجل تأسيس هذا المركز البيطري". ومنذ تأسيسه يتوافد على المستشفى فلاحو مدن فاس وتازة وتاونات والنواحي ، حيث يسهر على التطبيب البيطري طاقم يضم أطباء بيطريون من الولاياتالمتحدةالأمريكية، إضافة إلى مغاربة. وهؤلاء يعملون بتجهيزات طبية متطورة، ويولون اهتماماً بالغاً لصحة الحيوانات التي يستقبلها المستشفى، حيث يسهر الأطباء وبعض المساعدين بالتناوب على العلاج والمراقبة المستمرة، من علاجات التشوه والكسور وتضميد جراحات الحيوانات. ويتوفر بالمركز جهاز الفحص بالموجات الصوتية ومنظار التصوير الباطني وجهاز التشخيص بالأشعة، وكلها أجهزة لم تكن متوفرة سابقاً، إضافة إلى مختبرات في المكان تعمل على متابعة صحة الحيوانات بشكل دقيق، وإعطائها الكلأ الصحي. وعن الحيوانات التي يخدمها المركز تقول كيكي غاي إنه "في السابق كان المركز يستقبل جميع الحيوانات التي تحتاج إلى العلاج، من قطط وكلاب وخيل وبغال وحمير، لكن مع ظهور العيادات البيطرية، ارتأى المسؤولون أن يوجهوا خدماتهم المجانية لصالح الفلاحين الذين يعتمدون على قوتهم اليومي بطرق تقليدية، والذين يستعينون بالخيل والبغال والحمير". ورغم أن "الفندق الأمريكي" يقدم منفعة عامة، إلا أن مديرته، وهي طبيبة بيطرية، تقول للأناضول إن "المركز لا يتلقى دعماً مادياً من الدولة المغربية، ويعتمد بشكل أساسي على الهبات التي تأتي من المؤسسة الأم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي مؤسسة مجتمع ماساتشوستس للرفق بالحيوان" (غير حكومية ومقرها بوسطن) حيث تتلقى مساعدات من جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالرفق بالحيوان في الولاياتالمتحدة، فيما تحفظت على ذكر قيمة تلك المساعدات. ومضت قائلة إن "صفة المنفعة العامة يستفيد منها المركز عبر الإعفاء من الضرائب والقيمة المضافة على بعض المعدات الطبية التي نشتريها من الخارج". وبات "الفندق الأمريكي" اليوم مقصد كل الفقراء الذين يبحثون عن علاج لبهائمهم، حيث يبدأ الطاقم البيطري كل صباح في استقبال عدد من الفلاحين، الذين يستفيدون مجاناً بفضل هذه المبادرة التطوعية التي أقدمت عليها سائحة أمريكية في عشرينات القرن الماضي، ولا يزال المركز مستمراً في خدماته المجانية إلى اليوم، بحرص كبير من طرف العاملين فيه على حماية الحيوانات المتواجدة داخل المركز. وأوضحت كيكي للأناضول، أن المستشفى يستقبل يومياً في الشهور الأخيرة من 10 إلى 20 حيوانا تحتاج العلاج، حيث يعمل طاقم مغربي أمريكي ، يضم 15 شخصا، إضافة إلى طلبة المعهد العالي للزراعة والبيطرة بالرباط، الذين يقضون مدة ستة أشهر داخل المستشفى البيطري في إطار اتفاقية موقعة بين الطرفين، بعد ذلك تتاح لهم فرصة دراسة التخصص في المملكة المتحدة. وعن السبب وراء تسمية المستشفى البيطري ب«الفندق الأمريكي»، قالت مديرة الفندق إنه "في السابق كان مصطلح الفندق الدارجة المغربية يطلق على مكان في المدن حيث يعمل الفلاحون، الذين يأتون من أجل التسوق والتضبع، على ربط بهائهم". وعما يستفيده المركز البيطري بحكم تقديمه خدمات بيطرية مجانية، قالت كيكي إن "الهدف الأساسي هو مساعدة الفلاحين الفقراء، الذين يعتمدون على البهائم لربح قوتهم اليومي، مضيفة أن عمل المستشفى يساهم في مساعدة العالم، وهو ما اعتبرته شرفاً لإدارة المستشفى وعماله، وبفضلهم يعالج "الفندق الأمريكي" ما يتجاوز 20 ألف حيوان في العام، بوتيرة تختلف من سنة لأخرى. كما يعتبر "الفندق الأمريكي" فضاءً يستقبل عدد من المهتمين بالمجال البيطري، ويشكل فرصة مهمة للعديد من الطلبة المغاربة وكذلك الفرنسيين والأمريكيين الذين يزورونه من أجل التعلم عن قرب على مجال البيطرة في إفريقيا، من خلال هذا المستشفى البيطري الوحيد من نوعه في المغرب. ويعلو بناية الفندق علما المملكة المغربية والولاياتالمتحدة في حين كتب اسم المركز البيطري بالعربية والفرنسية على جانبي الباب، وتبدو بناية المركز تنسجم مع الطابع المعماري لمدينة فاس العتيقة، المعروفة بأبوابها التاريخية، بحسب مراسل الأناضول.