كم صباحا ومساء مرّا بك، من دون أن تقرأ خبرين على الأقل في صحافة السلطة في مصر عن إبطال مفعول قنبلة أو عبوة متفجرة بدائية الصنع؟ كم مرة وجدت نفسك محاصرا بغابة من أنباء الانفجارات والتفجيرات، كلما اقتربنا من موعد الخامس والعشرين من يناير، تماماً كما كان الحال بدرجة أقل في مناسبات أقل أهمية؟ لا بأس.. جهّز نفسك، من الآن فصاعداً، لسيل من الأخبار من هذا النوع، خصوصاً كلما تجاسر أحد من المجتمع الدولي، وأشار إلى خروق وانتهاكات لحقوق الإنسان وحرية التعبير في مصر الانقلاب، فمن الواضح أننا بصدد أداء رديء لسلطة رديئة الصنع، في سياق سعيها المحموم إلى صناعة مناخ مزيف لحالة «حرب على الإرهاب»، تخوضها حكومة الانقلاب لحماية العالم بأسره، من خطر، هي صانعته ومروجته بطريقة شديدة البدائية. أكثر ما يزعج هذه السلطة في الداخل أن استجابة معارضيها لعمليات الاستدراج إلى العنف تكاد تكون منعدمة. وبالتالي، تفقد الورقة التي تبتز بها الداخل والخارج، وتقتات عليها وتتربح وتكسب صمتا أمميّا متواطئا مع جرائمها. وبالتالي، تحرص، طوال الوقت، على إيجاد أجواء من العنف والإرهاب، كي لا يزعجها أحد بالحديث عن تراجع الحريات السياسية والاجتماعية. كان المنتظر من مؤسسات المجتمع المدني في مصر، وخارجها، أن تكون أكثر حضورا وجدية، بمواجهة الجنون الذي تمارسه السلطة في مصر تحت ذريعة «محاربة الإرهاب»، غير أنه ثبت أننا بصدد مجتمع مدني يكيل بمكيالين، هو الآخر، فلا يغضب أو ينفعل أو يتحرك، إلا عندما يطال جنون السلطة أصحاب الأيديولوجيات التي توافق هوى هذه المؤسسات. وقد تجلى ذلك في بيان صاخب لعدد وفير من منظمات المجتمع المدني لمناسبة قرارات منع من السفر لعدد من الناشطين، لا ينتمون إلى الإسلام السياسي، فيما يصمت هؤلاء «المدنيون»، أو يأتي صوتهم خافتاً وعلى مضض، حال استهداف إجراءات السلطة القمعية آخرين ينتمون لتيارات فكرية وسياسية مختلفة. ومن حيث المبدأ وبإطلاق، لا يمكن لمن يمتلك قيراطاً من الإنصاف والحس الإنساني أن يبتهج بمنع إنسان من السفر، ومصادرة حريته في التنقل، بصرف النظر عن درجة الاتفاق أو الاختلاف معه سياسيا وأيديولوجيا. وبإطلاق، أيضا، لا يمكن لأي كائن يدّعي الانتساب إلى جنس البشر أن يطرب للاعتداء على حياة إنسان آخر، مهما كانت درجة الخصومة معه، فما بالك بمن يحض على القتل، ويصفق له، بل ويستعجله إن تأخر القتلة. لكن مبدئية الفعل وأخلاقية السلوك تقتضي أن تكون هناك مسطرة واحدة ومعيار موحد، للتعاطي مع قضايا الحقوق والحريات، من دون السقوط في مأزق «السود والبيض» من ضحايا القمع والقهر، بحيث لا يكون هناك موقف، إذا تعلق الأمر بنجوم المقموعين، وموقف آخر هزيل إذا كانت المسألة تخص أولئك المجهولين، والذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، من دون أن يذكر أحد أو يتذكر أسماءهم، وإذا ذُكروا، فلِماما وذراً للرماد في العيون. والحاصل أنه، منذ انفجار بالوعة طلب العفو لعدد محدد ولون معين من الناشطين، وهناك سيناريوهات يجري حبكها في وسائل الإعلام التابعة لسلطة الانقلاب، تمهد لقرار من «الرئيس الإنسان الرؤوف الرحيم»، بإطلاق سراح عدد من الموقوفين والمعتقلين، قبل أن تحل الذكرى الرابعة لثورة يناير. وإن حدث هذا، ستكون هناك مساحات هائلة من الألعاب النارية الملونة، ابتهاجا بمكرمة الزعيم، ستغطي أصواتها وألوانها الزاعقة على عذابات نحو خمسين ألفا آخرين من المعتقلين السياسيين المجهولين. لقد جربتم الصمت، حين أكلت السلطة فريقاً من المخالفين لكم، فكانت النتيجة أنكم أُكِلتم بعدهم، فلا تكرروا الخطأ، أو بالأحرى الخطيئة. عن «العربي الجديد»