أولا يجب أن أوضح ميولاتي الفكرية والأيديولوجية منعا لكل لبس. أنا: مواطن بسيط مساند لحقوق الإنسان كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وافق عليه العالم عام 1948. علماني. ديموقراطي. حداثي. أمازيغي الهوية ومغربي الوطنية. لا أحبذ كثيرا الكتابة عن الشؤون الخارجة عن النطاق المغربي خصوصا والأمازيغي عموما وأفضل التركيز على مواضيع اللغة والهوية الأمازيغيتين. ولكن الفضيحة المصرية الأخيرة والإنحطاط المخزي الذي أبانت عنه معظم الأحزاب والقوى العلمانية والحداثية واليسارية في المغرب والعالم الأمازيغي وفشلها في الدفاع عن مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان يستوجب كلمة ولو قصيرة. فباستثناء قليلين، أبان أغلب العلمانيين والحداثيين واليساريين المغاربة والأمازيغ عن فشل ذريع وازدواجية معايير مخزية واستخفاف كبير بمبادئهم وهم يعلقون على الإنقلاب المصري بشكل يسوغ الإنقلاب أو يبرره أو يحاول تفسيره كنازلة من نوازل القدر والزمان. طبعا ما يهمنا في المقام الأول هو المغرب والبلدان الأمازيغية وليست مصر. والمصريون أدرى بشؤونهم أولا وأخيرا. ولكننا نهتم بما يحدث لهذا الشعب الأفريقي الشقيق لأن ما يمر به يمكن أن يقاس إلى حد ما بما مرت به الجزائر في عشرية الإرهاب والإستبداد المدمرة وما تمر به حاليا الشعوب الأمازيغية الأخرى، ومنها الشعب المغربي، في محاربتها للإستبداد والتخلف. فإذا فشل علمانيونا وحداثيونا وديموقراطيونا وحقوقيونا في رؤية الأمور في بلاد القبط رؤية سليمة وفشلوا في الوفاء لمبادئهم الديموقراطية الحقوقية العلمانية فكيف يمكننا أن نثق بهم حينما يتعلق الأمر بالمغرب؟ خصوصا وأنهم يصارعون الإسلاميين والمحافظين التقليدانيين والدولة المغربية دفاعا عن حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية والتحديث ودفاعا عن ثروات الشعب. 1- هل يمكن تبرير السحق والقتل بسوء تصرف حزب أو جماعة معينة؟ كتب الكثيرون عن أخطاء مرسي والإخوان. ولكن يمكن اختصار أهمها في ما يلي: - تردي الإقتصاد وتفاقم الفقر، والفشل في محاربة المافيوزية الإقتصادية، وغياب برنامج تنموي حقيقي. - إصدار مرسي لإعلان دستوري استبدادي أشبه بفرمان عثماني، فتسبب في غضب شعبي عارم أدى إلى تراجع مرسي عنه جزئيا، ثم إلغائه. - استحواذ الإخوان على كتابة الدستور واستخدامهم لمنطق الأغلبية في تمريره. في حين أن الدساتير تكتب بشكل توافقي وطني يضم الجميع. وذلك ما يضمن الإستقرار واستمرار الدستور لوقت طويل فلا يتم تغييره بسرعة كالقوانين العادية. أما هذا الإستحواذ الإخواني على الدستور فقد أفرز سخطا شعبيا وشعورا بالظلم والتهميش لدى المسيحيين والعلمانيين والليبراليين واليساريين ولدى الناس غير المسيسين. وفي الإستفتاء على الدستور المصري الجديد عام 2012 صوت 64% ب"نعم" و36% ب"لا"، مع نسبة مشاركة بلغت 33% ونسبة مقاطعة بلغت 67%. إن نسبة الرفض الهائلة تشير إلى أن أكثر من ثلث الشعب لا يستطيع العيش تحت هذا الدستور الإخواني وهذا يعني أنه ساقط عاجلا أم آجلا. هذه الأخطاء كانت معروفة لدى الجميع. إلا أن إصلاحها لا يمر عبر انقلاب عسكري أو إزاحة للرئيس المنتخب ووضع آخر غير منتخب مكانه وعسكرة السلطة والشارع. الإصلاح الحقيقي يتم بالإحتجاج السلمي والعمل بالآليات الديموقراطية. فمثلا نجح الإحتجاج السلمي ضد الإعلان الدستوري لمحمد مرسي في إجباره على التراجع عنه جزئيا، ثم إلغائه فيما بعد. وهذا يعني أن الإحتجاج السلمي ينتج فعلا نتائج ملموسة وذات شرعية شعبية. كما أن العصيان المدني يدخل ضمن أساليب الإحتجاج السلمي كأقصى أسلوب سلمي يتخذه الشعب لمواجهة سوء تصرف السلطة. نعم. يحق للشعب أن يطالب رئيسه المنتخب بالتنحي فورا وعلى الرئيس أن يتحمل مسؤوليته إما بالقبول وإما بالرفض مع تقديم حل بديل معقول كتنظيم استفتاء أو انتخابات رئاسية أو برلمانية مبكرة. ولكن لا يحق للجيش خرق الدستور وتنحية الرئيس المنتخب خارج ما يقوله الدستور والقانون. لأن الدستور والقانون يأتيان من الشعب وليس من الجيش. أما ما قام به الجيش ومساندوه من فلول النظام السابق وكبار اللصوص ورجال الأعمال والإعلام الخاص فهو انقلاب وهجوم على الديموقراطية. فقد ركب الجيش (الذي كان "على سبة") على ظهر الحركة الإحتجاجية الشعبية "تمرد" المضادة لمحمد مرسي والمضادة للإخوان ووجهها لصالحه وزاد من دراماتيكيتها ولم يتركها تنضج وتتطور لتصل إلى نتيجة نهائية طبيعية. طبعا تقول نظرية المؤامرة بأن كل شيء كان مطبوخا سلفا. ولكننا لا نحتاج إلى نظرية مؤامرة لتفسير ما وقع. فالواقع قبيح بما فيه الكفاية. وزاد الجيش على فعلة الإنقلاب أن فكك الحكومة والبرلمان المنتخب وألغى الدستور بكامله واعتقل قيادات الإخوان ومئات الناشطين والصحفيين مما يدل على نية مبيتة لديه على شل الديموقراطية وتكميم الأفواه وليس فقط تخليص الشعب من "رئيس مستبد". فلو كان الجيش مجرد حارس للحرية والديموقراطية كما يدعي لما سجن مرسي وكل قيادات الإخوان ولكان قد انسحب إلى الثكنات أو إلى حفظ الأمن في الشوارع بمجرد إزاحة مرسي وإرساله إلى بيته، تاركا المجال للقوى السياسية والمدنية لتنهي القضية بحل متوافق عليه. ولكن لأنه انقلاب حقيقي فالجيش استحوذ على كل شيء وفكك كل المؤسسات المنتخبة وأعاد فلول النظام السابق إلى السلطة واختطف مرسي وسجنه في مكان مجهول، وكأن الجيش (بكل سلاحه وسطوته) كان خائفا من عودة السوبرمان مرسي إلى الرئاسة! ومن أجل ترفيه المتظاهرين وتسليتهم أرسل مراهقو الجيش المصري طائرات الهيليكوبتر ترقص بشكل أخرق وخطير فوق رؤوس الجموع الغفيرة في ميدان التحرير في ما يشبه "حيحة شعبية" على الفتيات (يا عيني!). أما توجيه اللوم للإخوان حول ما وقع لهم من اقتلاع ومذابح فهو يدخل في باب "الضرب في الجريح" أو"الضرب في الميت" و"توبيخ المعتدى عليه". ولا داعي طبعا للتطرق لأدبيات وتعليقات الشماتة والتشفي في الإسلاميين وفي الإخوان ونكبتهم، والتي قرأناها وسمعناها من كثير من العلمانيين والحداثيين واليساريين في المغرب وخارجه، فهي مثيرة للإشمئزاز خصوصا حينما تقترن بالتهوين والإستخفاف بمئات القتلى المدنيين في الشوارع وتجاهلهم وكأنهم حشرات لا قيمة لها أو كأن القتلى يتحملون مسؤولية مقتلهم، بينما تتم أحيانا إقامة الدنيا وإقعادها من أجل مقتل أو جرح شخص واحد أو اثنين! 2- إلقاء المحاضرات والتحليلات على القتلى والجرحى! تصور أن مراهقا كان يلعب بالكرة على الطريق العامة المخصصة للسيارات رغم نصحك وتحذيرك له مرارا وتكرارا، ثم جاءت سيارة بسرعة جنونية فصدمته بقوة وجرحته جرحا بليغا. ما الذي ستفعله حينئذ وهو مجندل على الشارع ينزف ويصرخ؟ هل ستلقي عليه محاضرة حول مخاطر اللعب على الطريق؟ أم أنك ستوجه كل انتباهك وجهدك إلى ايقاف النزيف والإتصال بمصلحة الإسعاف؟ هل ستلومه على رعونته وعناده وغبائه وهو ضعيف ممدد على سرير المستشفى؟ أم ستتضامن معه في محنته وتسأله عن ما إذا كان يحتاج مساعدة ما؟ هل ستخبره (وهو ممدد على السرير) بأنه هو السبب فيما حصل له وأنه وجد ما كان يبحث عنه؟ أم أنك ستسأله عن ما إذا خف ألمه وما إذا كان عطشانا أو جائعا؟ 3- العلمانيون خانوا مبادئهم العلمانية الديموقراطية: حينما سقط الإخوان سقوطهم الأول يوم الإنقلاب، سكت العلمانيون المغاربة والأمازيغ بسبب شعورهم بالحرج من الإنقلاب الفج الذي عصف بالديموقراطية التي يساندونها مبدئيا، من جهة، وبسبب رفضهم للإسلاميين ومشروع دولتهم الدينية من جهة أخرى. ثم مرت مدة قصيرة فانحلت عقدة ألسنة العلمانيين وأمسكوا العصا من الوسط (وما هو بوسط) وأخذوا يلومون مرسي والإخوان والإسلاميين ويقدمون لهم المواعظ والتحليلات والتفسيرات (على غرار وعظ أو لوم المراهق لحظة اصطدام السيارة به على الشارع) ويقولون بأن الجيش ما كان ليقوم بما به لو كان الإخوان حكماء ومتبصرين ومتعقلين....إلخ. أما السقوط الثاني للإخوان فقد جاء مع المذابح المتتالية ضد المعتصمين المدنيين العزل وضد أنصار الإخوان المشاغبين والمخربين، وآخرها المذبحة الكبرى المعلومة التي نفذها الجيش والشرطة والشمكارة في القاهرة في الساحة المعلومة واليوم المعلوم. وتبعتها مذابح أخرى في هوامش أخرى في مصر. وقد قتل أزيد من 1000 مصري في يوم واحد في كل أنحاء مصر، ونشرت أسماؤهم واحدا واحدا من طرف "المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية" ECESR، أغلبيتهم الساحقة مدنيون، ولكن كان من بين القتلى 43 من رجال الشرطة أيضا. وأسماء القتلى نجدها على الموقع التالي: http://ecesr.com/report/657746 ومرة أخرى صمت العلمانيون المغاربة والأمازيغ صمتا كاملا ريثما يتم "تسياق" وتنظيف الشوارع من الدماء والجثث وتشطيب الساحات من أطنان الخيام الممزقة والأمتعة المكسرة. ثم انبرى العلمانيون مرة أخرى يكيلون المواعظ والتحليلات واللوم للإخوان ويقولون بأنهم سبب ما لحق بهم، وأنهم لم يفهموا الديموقراطية، وأنهم حاولوا أخونة الدولة، وأنهم أساءوا استخدام السلطة،...، وكأن ذلك يبرر ما فعله الجيش والبوليس المصريان بهم من انقلاب واعتقال وتقتيل وسحق! رسب العلمانيون والحداثيون واليساريون في الإمتحان لأنهم تخلوا عن مبادئ العلمانية والديموقراطية وحقوق الإنسان التي يدافعون عنها. وفشلوا عن الدفاع عن المنهج الديموقراطي التي يتبنونه. وتعامل العلمانيون ببرود عجيب مع أعمال التقتيل التي قام بها النظام المصري القديم الجديد ضد المدنيين. وبينما كان الإعلام الغربي (الغارديان، BBC، الإندبندنت، نيويورك تايمز...) يغلي غليانا ويعتصر نفسه اعتصارا وهو يحاول الإحاطة بأبعاد الأزمة وفك طلاسم انقسام الشعب المصري حيث إن حوالي نصف المصريين ساندوا الإنقلاب وساندوا تصفية الإخوان، حسم العلمانيون المغاربة والأمازيغ أمرهم وخلدوا إلى النوم مبكرا مرتاحين، وتاركين الغربيين يفكرون مكانهم. أن لا يبالي المغاربة والأمازيغ بما يحدث بمصر هو أمر مفهوم خصوصا أن المغرب لديه ما يكفي من المشاكل والكوارث. ولكن ما مدى التزام العلمانيين بالعلمانية والديموقراطية وحقوق الإنسان حينما يجد الجد بالمغرب وتدق ساعة الإمتحان؟ 4- القاعدة الذهبية: الديموقراطية لا تبنى بالإنقلاب على الديموقراطية منذ الأيام الأولى للإنقلاب المصري الفضائحي أصدرت منظمات حقوق الإنسان الدولية بيانات تشجب فيها حملة الإعتقالات التي نفذها البوليس المصري ضد قادة الإخوان وإغلاقه القنوات التلفزية، فضلا عن استنكارها لأعمال القتل البشعة. وطالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين أو تقديمهم لمحاكمات عادلة وفق القانون. أما زعماء أوروبا وأمريكا فقد رفض بعضهم الإنقلاب أو على الأقل عبروا عن قلقهم العميق وطالبوا بالعودة إلى الديموقراطية. ووصل الأمر بالأوروبيين والرئيس أوباما إلى المطالبة بالإفراج عن الرئيس المقلوب محمد مرسي. طبعا لم يفعل الأوروبيون والأمريكيون ما يكفي (لحسابات سياسية وأمنية واستراتيجية) ولكنهم على الأقل تمكنوا من البقاء أوفياء لمبادئهم الديموقراطية العلمانية الحقوقية إلى حد أدنى مقبول. وأوقفت بعض الدول الأوروبية مساعدات مالية للدولة المصرية. وتم بذل مجهودات من طرف الأوروبيين والأمريكيين للوساطة بين الجيش والإخوان خربها الجيش وأجهضها حسب ما صرح به للغارديان والنيويورك تايمز والواشنطن بوست المبعوثون الأوروبيون والأمريكيون ومصادر أخرى. أما الإتحاد الأفريقي African Union فقد جمد عضوية مصر فور وقوع الإنقلاب، فأصبحت مصر دولة منبوذة مثل تلك الجمهوريات الأفريقية البائسة التي طحنتها الإنقلابات والحروب الأهلية ك "سيراليون" و"رواندا" و"الكونغو". إخواننا الأفارقة جنوب الصحراء يعرفون الإنقلابات العسكرية جيدا لأنها خربت أفريقيا تخريبا. لذلك كان ردهم صارما وفوريا رغم كون مصر ثالث أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان بعد نيجيريا وإثيوبيا، ورغم أنها ثاني أكبر اقتصاد أفريقي بعد جنوب أفريقيا. 5- عشرة حقائق فشل العلمانيون فشلا ذريعا في فهمها واستيعابها: - أولا: شرعنة الإنقلاب على الديموقراطية يعني شرعنة الإستغناء عن الديموقراطية. إذا كان الإنقلاب على الرئيس والبرلمان وإزاحتهما من السلطة خارج مقررات الدستور والقانون مقبولا فما حاجتنا بالديموقراطية؟ ما الفائدة من الديموقراطية والإنتخابات والدستور وكل ذلك الصداع؟ ما قيمة القواعد والقوانين والأعراف إذا تخلينا عنها في اليوم التي صممت خصيصا له: يوم الإمتحان؟ - ثانيا: أكبر امتحان للمدافعين عن حقوق الإنسان هو حينما تتعرض حقوق الخصوم الأيديولوجيين للإنتهاك. أما الدفاع عن حقوق الحلفاء والأصدقاء والأحبة والخلان فهو شبيه في سهولته بدفاع ابن العم عن ابن عمه ضد ظلم غريب من الغرباء. ولكن هل نجرؤ على الدفاع عن حق الغريب حينما نرى تعرضه للظلم على يد ابن العم؟ - ثالثا: عنف الدولة هو الذي ينتج العنف الشعبي المؤدلج في شوارع المدن وليس العكس. فأعمال العنف والتخريب التي ارتكبها المئات من أنصار الإخوان (حرق الكنائس، قتل بعض رجال الشرطة وقتل بعض المسيحيين) ليست في معظمها سوى رد أوتوماتيكي على العنف الوحشي للجيش والشرطة والشمكارة. - رابعا: لا يجب الخلط بين الجماعات الإسلامية الإرهابية/المتمردة التي تملك بنية عسكرية حقيقية (وهي في جوهرها منظمات سياسية/عسكرية متمردة تريد الإطاحة بالنظام وكانت تسمى قديما ب”الخوارج” و"الروافض" بمعناهما الواسع) وبين أعمال الشغب والتخريب وحتى القتل التي تقع في شوارع المدن ويقوم بها شباب مؤدلج أو غاضب على الدولة. أما الخلط بين الإثنين ووصفهما معا ب"الإرهاب" فهو سقوط طفولي ساذج في أفخاخ بروباغاندا الدولة. - خامسا: الخلافات السياسية الكلاسيكية بين "الحزب الحاكم" و"أحزاب المعارضة" يجب أن يتم حسمها بين الطرفين بشكل سياسي وفكري وشعبي دون تدخل العضلة العسكرية والبوليسية. أما حينما تتدخل العضلة العسكرية أو البوليسية منحازة لطرف ضد طرف آخر فالطرف المغلوب سيضطر للجوء إلى أساليب أخرى كالمقاومة السلمية / المسلحة أو التمرد أو المقاطعة أو الإعتصام ليعوض بها ثقل العضلة البوليسية أو العسكرية المساندة للخصم، ولن يتخلى عن مقاومته واعتصامه وتمرده إلا بعد زوال انحياز العضلة العسكرية والبوليسية للطرف الآخر. لهذا فالصراعات السياسية التي لا يتم حسمها وحلها بشكل سياسي وفكري وشعبي عادل ستبقى مفتوحة لسنوات طويلة إلى أن يتأتى حلها سياسيا وفكريا وشعبيا بشكل عادل أو مقبول ديموقراطيا. - سادسا: أخطر خصم سياسي هو الذي لم يعد لديه ما يخسره. - سابعا: أقوى خصم سياسي هو الذي لا يوجد في السلطة. - ثامنا: دمقرطة الحركات الإسلامية واندماجها في الدولة المدنية الحقوقية من أجل أن تتطور إلى شيء شبيه بحزب العدالة والتنمية التركي أو الحزب المسيحي الديموقراطي الألماني لن يتم إلا بمسلسل طويل من الحوار والعمل المشترك والتنافس المتحضر في ظل احترام الديموقراطية وحرية الفكر وحقوق الإنسان، وليس بالإنقلابات والإستقواء بالعسكر والبوليس والتنكر للديموقراطية كلما ظهرت أزمة أو مشكلة. - تاسعا: الفكر الظلامي والإستبدادي المعادي للحريات الذي يوجد لدى كثير من الإسلاميين لا يبرر وضع كل الإسلاميين في سلة واحدة. والأهم من ذلك هو أن لا شيء يبرر محاكمة نواياهم أو محاكمة مظهرهم الخارجي. وهذا يعني أنه يجب احترام حقهم في المشاركة السياسية والتعبير والتظاهر والإعتصام كأي تيار سياسي أو فكري آخر. بل إن حقوق الإنسان تعطيهم حتى الحق في استخدام الدين في السياسة مثلما يستخدم آخرون أيديولوجياتهم المفضلة في السياسة. وحينما يتلوث ويتوسخ الدين في مستنقعات السياسة فستكون تلك مسؤولية الإسلاميين ونتيجة منطقية لإقحامهم الدين في السياسة. أما إذا وصل الإسلاميون إلى السلطة وألغوا الديموقراطية وحقوق الإنسان (وهو ما لم يفعله الإخوان في مصر) فحينئذ لن يكونوا قادرين على تبرير استبدادهم وحمايته يوما واحدا إلا إذا كان الشعب مساندا لهم في ذلك. - عاشرا: التخوف المشروع الموجود لدى الكثيرين من نتائج استخدام الدين في السياسة لا يجب أن يبتلع الهاجس الأهم وهو: الحفاظ على حقوق الإنسان. فإذا استخدم حزب معين الدين في السياسة فهو في الحقيقة يعبر عن فكر وأيديولوجية معينة (وهو حق تكفله مبادئ حقوق الإنسان العالمية تحت بند حرية الفكر). واستخدام أي حزب للدين في السياسة سيفتح حتما المجال للأحزاب المضادة له لانتقاد الدين مادام قد أصبح جزءا من البرامج السياسية للأحزاب الدينية المتصارعة على الحكم. كما أن مجرد استخدام حزب واحد للدين في السياسة سيفتح شهية أحزاب أخرى لفعل نفس الشيء وتبني مذاهب أو أديان أو أيديولوجيات عقدية أخرى في السياسة. والحَكَم بين كل تلك الأيديولوجيات هو: مبدأ احترام الحريات وحقوق الإنسان. وحتى لو أراد حزب معين إلغاء المبادئ العالمية لحقوق الإنسان أو إلغاء مدنية أو علمانية الدولة واستبدال كل ذلك بنسخة دينية من حقوق الإنسان والقوانين والحُكم فإن السبيل لمقارعته سياسيا وفكريا هو الدفاع بالحجة والبرهان عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعلمانية والحرية، واستعمال الإحتجاج السلمي، وتقديم بدائل أفضل في مجالات التنمية. وليس الحل هو تقمص دور "الشرطة الفكرية" ومنع الأحزاب من تبني فكر معين، فذلك هو الإستبداد بعينه. وفي النهاية فالبقاء سيكون حتما للأفضل. 6- خاتمة: وبمناسبة الإنقلاب المصري أقدم أحر التهاني لإخواننا العلمانيين على هذا السقوط الأخلاقي المدوي والفشل المنهجي المريع وبخيانتهم لمبادئهم. وهنيئا لهم بتضاعف حجم الهاوية الفاصلة بينهم وبين جماهير البسطاء والمحگورين. وهذه الهاوية أو الفراغ لن يملأه سوى التيار الإسلامي الشعبوي، وبمنتهى السهولة، خصوصا وأنه مسلح بسلاح الدين الذي ينفذ إلى أعماق بيوت الشعب وبسلاح المظلومية بحديه القاطعين: "ما خلاّوناش نخدمو" و"ما كا يخلّيوناش نحكمو". وأغتنم هذه الفرصة الثمينة لأقدم لإخواننا العلمانيين أحر التعازي حول الهزائم الإنتخابية الساحقة التي تنتظرهم في الإنتخابات القادمة وفي الإستحقاقات الأخرى المقبلة في المغرب وبقية بلدان العالم الأمازيغي. وحينئذ فقط قد يستفيقون.