على أرض جماعة مولاي يعقوب البئيسة المهمشة دارت وقائع حرب سياسية وانتخابية كبيرة لا يعرف عنها بسطاء سكان هذه «الحامة» شيئا. وجدوا أنفسهم عالقين في معركة «الكبار» دون أن يعرفوا ما وراء هذا الاهتمام الكبير بأصواتهم التي كان العديد منهم يبيعونها بثمن يوم عمل في الحقل، أو يعطونها لأصحاب السلطة خوفا أو كرها... شباط خرج مزهوا بنصره على بنكيران في دائرة انتخابية شبه قروية، اختارها الخصمان لاختبار القوة بينهما... فماذا يمكن أن نستخلص من هذا النزال؟ أولا: الجميع طعن في نزاهة العملية الانتخابية، سواء الذي فاز أو الذي خسر. العدالة والتنمية يقول إن «شباط استعمل المال والبلطجية والفساد الانتخابي للحصول بالقوة على مقعد مولاي يعقوب، وهذا أمر وراءه خطة تحركها الدولة العميقة لإعطاء حزب الاستقلال الدور الذي أعطي لحزب الأصالة والمعاصرة وG8» (انظر حوار أفتاتي مع موقع «اليوم 24»). وحزب الاستقلال يتهم مرشحي المصباح ب«الفساد واستعمال سيارات وزارة النقل والتجهيز التي يديرها الحزب في الحملات الانتخابية، وأن حزب الاستقلال لا ينتظر تنقيطا من حزب وضعه إدريس البصري» (انظر حوار عادل بنحمزة مع موقع «اليوم 24»). إذن، الطرفان معا يتهمان في الحقيقة وزارة الداخلية التي تشرف على الانتخابات وتقف على الحياد السلبي إزاء ممارسات خارج القانون دون تدخل، ودون اعتقال ومتابعة الخارجين عن القانون، وهذا ما سيطرح السؤال مستقبلا: هل من مصلحة العملية الانتخابية أن تبقى تحت وصاية الداخلية؟ ثانيا: لجأت أحزاب المعارضة (الاتحاد الاشتراكي، الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري) إلى «تحالف غير طبيعي» من أجل الوقوف دون مرور مرشح حزب العدالة والتنمية، وذلك باختيار هذه الأحزاب عدم تقديم مرشحين لها في الدائرة، ودعم مرشح حزب الاستقلال حتى لا تتشتت الأصوات، ومن ثم يصعد حزب الميزان. هذا معناه أن مرشح المصباح انهزم أمام أحزاب وليس أمام حزب واحد، وهذا مؤشر على نوع التحالفات القادمة في الانتخابات المنتظرة، سواء الجماعية أو التشريعية. أحزاب المعارضة هذه لا يجمع بينها برنامج ولا رؤية ولا تحالف، فحزب الاستقلال على وشك الخروج من الحكومة، والاتحاد الدستوري لو طُلبت منه المشاركة بربع وزير في الحكومة الحالية لما قال لا أبدا. هذا علاوة على أن الاتحاد الاشتراكي هويته يسارية من حيث المبدأ... إذن، أصبح العداء للعدالة والتنمية هو برنامج هذه الأحزاب كلها، فهل هذا يصلح برنامجا لتكوين تحالف ما؟ ثالثا: بنكيران كان يراهن على هذا المقعد لبعث رسالة إلى من يهمهم الأمر، مفادها أن شعبية الحزب مازالت بخير، وأنه رقم أساس في المعادلة، ولهذا نزل شخصيا إلى الحملة، كما نزل عدد من الوزراء، لكن المصباح مني بالفشل، حيث جاء في المرتبة الثانية بفارق 1560 صوتا عن صاحب المرتبة الأولى «الاستقلالي» القادم حديثا من حزب الأحرار، حسن الشهبي. وهذا مؤشر يجب الانتباه إليه، حيث يدل على أن شعبية حزب المصباح بدأت تتأثر، ليس فقط بالقرارات التي اتخذت بالزيادة في أسعار المحروقات، بل جراء القرارات التي لم تتخذ... فحتى لو افترضنا أن حزب الاستقلال استعمل المال والبلطجية والإغراء، وهذه اتهامات القضاء وحده هو الذي يمكن أن يثبتها أو ينفيها، فإن إقدام آلاف المواطنين على إعطاء أصواتهم لشخص أو لحزب مقابل المال أو الخوف، فهذا معناه أنهم لم يشعروا بأن صوتهم له قيمة، وبأن إعطاءه لبنكيران وحزبه يمكن أن يعود عليهم بالنفع... هنا صلب المشكلة والأزمة القادمة. الناس لن يفقدوا فقط الأمل في حزب العدالة والتنمية وقدرته على تغيير واقعهم، بل سيفقدون الأمل في السياسة والانتخابات والمؤسسات، وبالتالي، فإن بعضهم سيلجأ إلى بيع صوته وقبض الثمن الفوري يوم الاقتراع، والبعض سيقاطع هذه المسرحية ويجلس في بيته يتفرج.