لم يعد المغرب بلد عبور للمهاجرين الأفارقة نحو الفردوس الأوروبي، بل صار مستقرا لعدد متزايد منهم. ويتعرض الكثير لسلوكات عنصرية من طرف بعض المغاربة. وقد نظم لقاء بالمعهد العالي للتدبير (HEM) بالدار البيضاء، تحت عنوان: «هل المغاربة عنصريون؟» لتسليط الضوء على هذا الموضوع في ظل السياسة الجديدة للدولة في مقاربة ملف الهجرة. لم تنف غيثة زوغاري، ممثلة الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، وجود آفة العنصرية بالمغرب في عدد من القطاعات الحيوية، منها قاعة الاستقبالات في المستشفيات ومؤسسات قطاع الصحة… المتحدثة أوضحت، خلال مداخلة لها في لقاء نظمه، مؤخرا، «المعهد العالي للتدبير (HEM) بالدار البيضاء، أنه في إطار السياسة الجديدة التي ينهجها المغرب في مجال الهجرة، هنالك برامج من أجل تكوين المشتغلين في هذه المجالات حتى «ينفتحوا على ثقافات وجنسيات أخرى،» مشيرة إلى أن هنالك برامج من أجل تكوين المعلمين، ناهيك عن إدماج وحدات في المقررات الدراسية للغرض نفسه. كما تحدث غوبين أودوي، وهو فاعل جمعوي ومهاجر من إفريقيا-جنوب الصحراء يوجد في المغرب منذ عام 2005، عن بعض الإشكالات التي يمكن أن يعانيها المهاجر للحصول على أبسط الحقوق، مثل التطبيب..، مشيرا إلى أنه حينما يرافق أحد المهاجرين الذين لا يتوفرون على أوراق الإقامة، والذي لم يحصل على تسوية وضعيته يضطر هو إلى ضمانه بجواز سفره، مبرزا أنه يتم تسجيل اسمه عوض اسم المريض قائلا: «دائما في سجلات المستشفى أكون أنا هو المريض وليس من أرافقه» ! من محطة للعبور إلى محل للإقامة غوبين أشار إلى أنه في وقت سابق كان المهاجرون يعتبرون المغرب كمحطة للعبور، إذ يقبلون عليه من أجل المرور إلى بلد آخر، إلا أنهم -اليوم- بدؤوا يستقرون في المغرب، مستدركا: «لذلك يجب التفكير في هؤلاء، وفي كيفية ولوجهم إلى الخدمات الرئيسية». وأردف غوبين قائلا: «مقارنة مع أعوام سابقة بدأنا نلمس نوعا من التغيير، لكننا نطلب المزيد، لأن هناك أشياء أخرى يجب القيام بها»، مشيرا إلى أن المشاكل التي يواجهها المهاجر لا تتمثل بشكل أساسي في تسوية وضعيته القانونية، لكنها ترتبط أيضا ب «سلوكات وتصرفات غير سليمة»، تصدر عن بعض المغاربة، مشددا على أن المهاجر حينما يأتي إلى المغرب فهو يحمل معه ثقافة بلده، لذلك يلزمه بعض الوقت من أجل التأقلم. السياسة الجديدة للهجرة ارتباطا بالموضوع، أشارت زوغاري إلى أن المغرب افتقد -في وقت سابق- إلى سياسة رسمية لموضوع الهجرة، قائلة إن «كل ما كان متوفرا هو وزارة وحيدة تتكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج، أما سياسة الهجرة داخل البلاد، فتمت مقاربتها وفق القراءة الأمنية بالدرجة الأولى». المتحدثة سلطت الضوء على ما أسمته ب «فلسفة سياسة الهجرة في المغرب»، قائلة إنها تتركز أساسا على حقوق الإنسان ودستور المملكة، مشيرة إلى أنها تنقسم إلى ثلاثة أوراش كبرى. زوغاري أبرزت أن الورش الأول كان هو تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين، وهي العملية التي تم إطلاقها في يناير 2014، وستستمر حتى دجنبر المقبل، مردفة: «كل مهاجر تتوفر فيه الشروط اللازمة يمكنه أن يتقدم بطلب من أجل تسوية وضعيته القانونية». أما الورش الثاني فيهم القوانين بالأساس، معتبرة أن القانون الحالي الذي يؤطر مجال الهجرة يركز بالأساس على «الجوانب الأمنية والإدارية، ولا يتضمن أية إشارات تخص حقوق وواجبات الأشخاص». زوغاري تحدثت عن انكباب لجنة وزارية لحقوق الإنسان على إعداد مشاريع لثلاثة قوانين تؤطر هذا المجال من المنتظر أن يتم تقديمها للمصادقة عليها خلال الأشهر القادمة، معتبرة أنها «ستساهم في إتمام عملية تسوية أوضاع المهاجرين، وفتح الطريق من أجل المرور إلى جوانب أخرى». واعتبرت كذلك أن أهم ورش في إطار السياسة الجديدة للهجرة يتعلق بعملية إدماج المهاجرين، وبالتالي العمل على إعطائهم وضعا قانونيا سليما، يخرجهم من هامش المجتمع، ويقيهم من بعض السلوكات التي تكون عنصرية، قائلة: «هناك مجموعة من المشاريع التي سيتم اعتمادها في هذا الجانب في ميادين مختلفة، مثل التعليم، إذ سيتم فتح الباب أمام جل أطفال المهاجرين كيفما كانت وضعيتهم، سواء منتظمة أو غير منتظمة، لدخول المدارس»، مشيرة إلى أنه يتم تدارس كيفية إمكانية إدماج المهاجرين في سوق الشغل، وتمكينهم من السكن والصحة..، قائلة: «ينصب النقاش حاليا حول البحث عن طريقة لتمكين المهاجرين من راميد». بين القانون والواقع الصورة الوردية التي رسمتها زوغاري لم ترق نادية خروز، العضو المنظم لجمعية «كاديم»، وهي منظمة تعنى بالدفاع عن المهاجرين. إذ سلطت المتحدثة الضوء بشكل أساسي على ما اعتبرته فرقا بين ما يتم التنصيص عليه في القانون، وما يوجد على أرض الواقع. خروز اعتبرت أن هناك «إشكالات كثيرة» تعتري مجال الهجرة في المغرب، أبرزها تحديد فئات المهاجرين من قبل وزارة الداخلية، مردفة: «دائما ما يتم التفريق بين من له الحق في دخول الأراضي المغربية، ومن يمكن تسوية وضعيتهم، ومن يستطيع الحصول على تصريح بالعمل أو الزواج». المتحدثة أشادت بمبادرة تسوية أوضاع اللاجئين، إلا أنها انتقدت «تقسيم الأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلبات التسوية»، في مرحلة أولى، قائلة: «لقد تم إعطاء الأولوية في البداية للأشخاص الذين يتوفرون على عناصر تسمح لهم بالاندماج داخل المجتمع المغربي، وليس أولائك الذين وصلوا لتوهم إلى البلاد»، مشيرة إلى أن أغلب من تمت تسوية أوضاعهم القانونية هم مهاجرون من إفريقيا-جنوب الصحراء. الثقافة والعنصرية غيثة خالدي، عضو مؤسس لجمعية «أفريكاينا»، تحدثت في لقاء HEM عن دور الثقافة، وسلطت الضوء على ضرورة اعتماد حوار بين ثقافي في خضم السياسة الجديدة للهجرة، معتبرة أن الأمر سيساهم في تقريب المواطن المغربي من أحد مكوناته الإفريقية. المتحدثة اعتبرت أن هناك سلوكات «فظيعة» في تعامل المغاربة مع المهاجرين من إفريقيا-جنوب الصحراء، إذ تصدر عنهم مجموعة من السلوكات، سواء في الشارع أو في الإقامات السكنية وغيرها..، مبرزة أن المهاجرين المغاربة في بلدان أوروبية يعانون من نفس المشاكل التي تعترض المهاجرين من إفريقيا-جنوب الصحراء في المغرب. وأردفت خالدي قائلة: «يجب العمل إلى جانب المثقفين وفنانين من أجل مواكبة سياسة الهجرة الجديدة وإشراكهم في توعية وتحسيس المجتمع»، مشيرة إلى أنه تم إطلاق مجموعة من المبادرات في هذا الجانب، إلا أنها تحتاج إلى الدعم.