أشبه بما كان في عهد تجارة الرقيق، توجد بالمغرب فتيات يقوم آباؤهن بوضعهن ك«رهائن» مقابل مبلغ مالي يتوصل به الأب كدين، مع تسجيل العملية في « كونطرا » بين الطرفين، يلتزم بها الأب بإرجاع المبلغ المدين به، وبذلك تصبح الفتاة زوجة للدائن، إلا أنه يُمكنه إراجعها إلى أهلها متى احتاج إلى ماله. هذه هي تفاصيل الفضيحة التي كشفت عنها جمعيات حُقوقية، مساء أول أمس الخميس، خلال ندوة صحافية بالرباط. عن تفاصيل «الفضيحة»، كشفت زكية شرامو، رئيسة جمعية النخيل النسائية، عن تزويج مجموعة من الفتيات أغلبهن قاصرات بمدينة قلعة السراغنة نواحي مراكش، عن طريق «الكونطرا». وشبهت المتحدثة هذه العملية ب «النخاسة»، معلقة أن هذا الأمر «يعيد المغرب إلى ما وراء الجاهلية الأولى التي كانت فيها النساء يُبعن في الأسواق»، مضيفة أن «هذه العملية التي تستشري في مجموعة من دواوير قلعة السراغنة يتم فيها رهن الفتاة لدى شخص يملك المال، يفعل بها ما يُريد، حيث يتخذها خادمة أو خليلة مؤقتة، ثم يُعيدها إلى أهلها مع استرجاع المال الذي أعطاهم إياه، والذي يتراوح ما بين 20 و60 ألف درهم»، تقول الحقوقية، مشيرة إلى أن «عددا من هؤلاء الفتيات عند عودتهن إلى أهلهن يرجعن وهن حوامل أو بين يديهن أطفال صغار». و «الكارثة العظمى»، تستدرك شرامو، أن «هذا الزواج يكون موثقا بعقد مصادق عليه من طرف السلطات الإدارية»، في حين أرجعت هذه العملية إلى انتشار الفقر والأمية في صُفوف الأسر هُناك، موضحة أن «عددا من مغاربة الخارج المهاجرين يأتون في الصيف لإبرام مثل هذه العقود، فقد يلجأ أحد منهم إلى الزواج بفتاة ما، ثم يعيدها إلى أهلها في نهاية عُطلته السنوية بعد أن يقضي وطره منها». في المقابل، أماطت المتحدثة اللثام عن مجموعة من الإحصائيات المتعلقة بحالات العنف التي تستقبلها جمعيتها كل يوم، موضحة أنه يتم استقبال 20 حالة عنف ضد النساء يوميا، وفي مقدمتها العنف الزوجي. إلى ذلك، وفي نفس الندوة الصحافية، تم الإعلان عن انطلاق حملة «ها علاش»، من طرف كل من جمعية جسور، وبيت الحكمة، وجمعية نخيل، إذ أوضحت ليلى أميلي، رئيسة جمعية جسور، أن حملة «ها علاش»، هدفها إيصال «صوتنا إلى الجميع عن طريق حملة تواصلية من أجل النهوض بحقوق النساء والتعريف بالقوانين عبر طرق مبسطة»، مركزة على «الفصل 19 من الدستور الذي حمل نقط مهمة. لكن للأسف لم يتم تفعيله لحدود الساعة، لذلك ها علاش حنا هنا»، على حد تعبير أميلي. وطالبت المتحدثة بضرورة الإسراع بتفعيل الفصل 19 من الدستور، وإخراج هيئة المناصفة، ومكافحة كل أشكال التمييز، داعية إلى ضمان مشاركة نسائية في المؤسسات، معلقة بالقول: «لا نريد منة ولا امتيازا، بل فقط نريد أن تطبق قوانيننا، وتتحقق المساواة والمناصفة الحقيقية». تعرف نسبة زواج القاصرات بالمغرب ارتفاعا ملحوظا، بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة العدل والحريات، والتي تحدثت عن ارتفاع قدر بنسبة 2.85% مقارنة بعام 2012، حيث بلغ عدد العقود المسجلة 35 ألفا و152 عقدا، ممثلةً نسبة 11.42% من مجموع رسوم الزواج المبرمة في سنة 2013. ورغم تولي الوزارة عناية خاصة لزواج القاصرات، وتتبعه عن كثب من خلال تنظيم ورشات عمل، والحرص على تطبيق المقتضيات القانونية، إلا أنه مازال يعرف ارتفاعا من سنة لأخرى. وينص القانون المغربي على أن سن 18 هو سن الأهلية للزواج، تماشياً مع الاتفاقيات الدولية، لكنه في الوقت نفسه فتح نافذة للاستثناءات تسمح بزواج القاصر، لكن بشروط وضوابط. وتجيز المادة 20 من مدونة الأسرة زواج القاصرات بإذن من القاضي، حيث تنص على أنه «يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي».