رغم أن جهاز السكانير في ميناء طنجة المتوسطي يرصد مبدئيا كل شيء، ولا يفلت لا كبيرة ولا صغيرة، إلا أن المهربين ينجحون في تمرير أطنان من المخدرات أمام أمواجه الراصدة. كيف ينجحون في ذلك؟ وهل هذا الجهاز «فعال» حقا في محاربة الاتجار بالمخدرات؟ أطنان من المخدرات عبرت ميناء طنجة المتوسط وقبله ميناء طنجةالمدينة، لكن العاملين في أجهزة المراقبة داخل الميناء لم يستطعوا إحباطها، سواء أولائك الذين يشتغلون بوسائل بدائية ويعتمدون على البحث اليدوي أم حتى الذين يعملون بجهاز «السكانير». ورغم أن السلطات المينائية تؤكد أن جميع الشاحنات بدون استثناء تمر عبر هذا الجهاز المتطور، إلا أنه جرى تسريب أطنان مهمة من المخدرات منذ بدء العمل بهذا الميناء إلى اليوم. وما حصل يوم الثلاثاء الماضي بميناء طنجة المتوسط من عبور شاحنة محملة بطنين من المخدرات، قبل أن يعيدها رجال الأمن من على متن أبواب الباخرة، يطرح تساؤلات كبيرة حول نجاعة أجهزة المراقبة لصد ومكافحة عمليات تهريب المخدرات بأكبر ميناء بشمال إفريقيا. هكذا عبرت الشاحنة كانت الشاحنة تستعد لصعود الباخرة المتجهة نحو ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني. كل شيء كان على مايرام. الشاحنة مرت عبر جهاز «السكانير»، لم يسجل من كانوا يراقبونها أي أشياء مشبوهة، ولم يكن بمقدور رجال الجمارك سوى تقديم ورقة تسمح بمغادرة الشاحنة ميناء طنجة المتوسط، بعد أن أنهت كل الإجراءات الأمنية والجمركية التي تسمح بمغادرتها. دقائق قبل أن تتحرك الشاحنة حل رجال الأمن بعين المكان، وطلبوا من سائق الشاحنة النزول قصد إخضاعها للتفتيش مرة أخرى. اعترض السائق، وقال إن الشاحنة عبرت جهاز السكانير ولم تظهر صور هذا الجهاز، الذي لا يفلت لا كبيرة ولا صغيرة، أي شيء مشبوه، وإن إعادة تفتيش شاحنة فارغة ليس سوى مضيعة للوقت والجهد. زاد السائق في احتجاجاته، بيد أن الشرطة كانت حصلت على معلومات تؤكد لها أن الشاحنة تحمل كمية مهمة من المخدرات لكن أين هي؟ وفي أي مكان؟ هذا ما سيكتشفه رجال الأمن بعد دقائق. شاحنة فارغة ولكنها محملة بالمخدرات! بشكل سريع، أعيدت الشاحنة إلى جهاز السكانير للتأكد هل فعلا تظهر المخدرات، وإذا كانت الفرضية صحيحة، فإن جميع من كانوا يراقبون متواطئون، أو إن صور هذا الجهاز لا تظهر شيئا، وبالتالي اعتقد الجمركي والأمني والتقني، هؤلاء هم من يتحكمون في هذا الجهاز، أن الشاحنة فعلا فارغة. التحقيقات كشفت أن صور هذا الجهاز لا تظهر شيئا، ما أخلى مسؤولية من كانوا يراقبون هذه الشاحنة التي كانت في الواقع تحمل طنين ونصف طن من المخدرات. وبعد عملية بحث يدوية، اكتشف المسؤولون داخل الميناء أن المخدرات كانت مخبأة بعناية في قاعدة خلفية للشاحنة، إذ لم تستطع أشعة الجهاز الوصول إليها، لأن طريقة تعبئتها كانت ذكية جدا، حتى إن عملية البحث المتطور لن تنفع معها. وأوقفت عناصر الأمن، على إثر هذه العملية، شخصين، السائق ومساعده، وأحيلا على النيابة العامة بتهمة «الاتجار الدولي في المخدرات»، بيد أن السؤال ظل مطروحا، كيف حصل رجال الأمن على معلومات تفيد وجود مخدرات داخل هذه الشاحنة؟ المعلومات التي حصلت عليها « اليوم24»، من مصادر داخل الميناء، تؤكد نوعية هذه الأخبار التي يتوصل بها رجال الأمن أو الجمارك، تكون عادة من مخبرين يترصدون ويتتبعون خطوات المهربين، بل إنهم ينسجون معهم علاقات، تخول لهم معرفة وجود عمليات التهريب، وفي أي توقيت، وعلى متن أية باخرة. إلا أن المصادر ذاتها عادت لتؤكد أن الشاحنة المذكورة كانت قاب قوسين من دخول الباخرة، وأن أصحابها كانوا مطمئنين لأن بضاعتهم سوف تصل. ويضيف المصدر الأمني أن هناك فرضية أخرى قد تفسر سقوط هذه الكمية بعد تجاوزها لأجهزة المراقبة، وهي تصفية الحسابات بين تجار المخدرات، وهم من يعملون على تسريب هذه المعلومات للأجهزة الأمنية. مخدرات «تخدع» السكانير أثارت عمليات تهريب المخدرات التي اجتازت جهاز «السكانير» تساؤلات كثيرة حول الطريقة التي أعدت بها هذه المخدرات، لدرجة لم ينفع جهاز»السكانير» في ضبطها، حتى إن بعض الأصوات بدأت تتعالى داخل الميناء للعودة لعمليات التفتيش اليدوي، لأنهم يرون أنها أنجع من هذا الجهاز. فهناك شاحنات كثيرة كانت محملة بالمخدرات، وكانت تقصد ميناء الجزيرة الخضراء، وعندما عبرت جهاز «السكانير» لم يتمكن من رصد المخدرات بداخلها رغم أن كميتها تكون كبيرة، ولكن عندما يتم إخضاعها للتفتيش اليدوي، يفاجأ الجمركيون بحمولتها. فمثلا، عبرت قبل سنتين شاحنة مليئة بتسعة أطنان من المخدرات، جهاز «السكانير»، لم «يرصد» منها شيئا، بيد أن جمركيين توصلوا بمعلومات تفيد وجود مخدرات داخل تلك العربة الضخمة التي كان يقودها إسباني. خضعت هذه الشاحنة لتفتيش يدوي دقيق، وعثر على مخدرات كانت معدة على شكل كريات متوسطة الحجم، ملفوفة ومدسوسة وسط شحنة من البطيخ، جرى شحنه بضيعة في مدينة أكادير، وكان سيصدر نحو السوق الفرنسية. ويبدو أن جهاز «السكانير» هذا ينجح في ضبط الكميات الصغيرة، أما الكميات الكبيرة من المخدرات، فيبدو أنه غير قادر على رصدها، إذ نجحت شاحنة محملة بأزيد من 10 أطنان من المخدرات في الصعود إلى الباخرة دون أن يوقفها أحد. في هذه العملية، كانت المخدرات عبارة عن كريات حمراء ملفوفة بالجبس، وبدا شكلها شبيها بشكل الطماطم التي كانت من المفروض أن تصدر عبر تلك الشاحنة، واكتفى أصحاب البضاعة بوضع صناديق قليلة من الطماطم في الواجهة، ومن ورائها الصناديق المحملة بالمخدرات. مصادر داخل الميناء قالت إن الكميات الكبيرة المعدة للتهريب عادة ما يتم حجزها عن طريق معلومات تتوصل بها الأجهزة، وتضيف ذات المصادر ذاتها: «المهربون الذين يرسلون أطنانا من المخدرات إلى أوروبا لا يغامرون بهذه الكميات الكبيرة، دون أن تكون لهم ارتباطات سواء داخل الميناء المتوسطي أم حتى بميناء الجزيرة الخضراء». وما يؤكد ما ذهب إليه المصدر هو وقائع عملية تهريب 32 طنا من المخدرات التي هزت ميناء طنجة المتوسط، هذه العملية كشفت تواطؤ جمركيين، بل أكثر من ذلك، سلك سائق الشاحنة طريقا خاصا، غير المسلك الذي تمر منه عادة شاحنات التصدير، وبدت الشاحنة وكأنها تتجول بحرية داخل الميناء. موقف السلطات المينائية السلطات المينائية سواء تعلق الأمن بالجمارك أو رجال الأمن أو مسؤولي الوكالة التي تسير الميناء، عندما ينجحون في إحباط كميات من المخدرات، فإنهم لا يترددون في الكشف عن تفاصيلها وكيف نجحوا في اكتشاف المخدرات. غير أن المسؤولين أنفسهم يختفون عندما ينجح المهربون في تسريب أطنان من المخدرات إلى إسبانيا، ويرفضون الإدلاء بأي تصريح حول العملية، بل في بعض الأحياء، تقوم الإدارة العامة للأمن الوطني بإيفاد عناصر الفرقة الوطنية من أجل فتح بحث داخل الميناء، وللإجابة عن سؤال واحد هو: كيف عبرت المخدرات؟ مصدر مسؤول رفض ذكر اسمه قال ل « اليوم24» إن الهدف من إيفاد عناصر الفرقة هو نزاهة التحقيقات فقط، تكون لهم صلاحيات البحث والاستماع لكل من يشتبه في تورطهم في تسهيل مأمورية المهربين. غير أن نتائج التحقيق هذه عادة ما لا يتم الكشف عنها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بكميات كبيرة، كتلك التي عبرت الميناء قبل سنتين، حيث كانت الشاحنة محملة ب 32 طنا من المخدرات، وكانت حصيلة الاعتقالات جمركيا وعنصرين من رجال الأمن الخاص، قبل أن تنجح الشرطة الدولية في إلقاء القبض على العقل المدبر لهذه العملية، وهو مفتش جمركي جرى إيقافه ب»فلندا»، وسلم إلى السلطات المغربية.