من داخل دواليب اتخاذ القرار الاجتماعي والاقتصادي، يكشف عبد الحق العربي، المستشار الاجتماعي لرئيس الحكومة، دواعي القيام بالإصلاحات المؤلمة، محملا المسؤولية للحكومات السابقة التي يتهمها بعدم المبادرة إلى القيام بواجبها في وقت مبكر. العربي يقدم، في هذا الحوار، إجابات مفصلة عن خلفيات أبرز القرارات الحكومية المثيرة للجدل. { الإضراب العام قادم لا محالة، بحسب ما يؤكده زعماء النقابات، ألا تفكر الحكومة في طريقة ما لاحتواء الموقف؟ الإضراب حق دستوري مشروع، ويخضع لتقديرات الفرقاء الاجتماعيين، وكما أن للداعين إلى الإضراب قراءاتهم للوضع بالبلاد، فإن للمسؤولين الحكوميين قراءاتهم أيضا. ومن هنا، فإن الحكومة لن تتوانى في دراسة أي مقتضى يكون في مصلحة استقرار البلاد والوطن، ولن تتراجع عن قراراتها بمعالجة الاختلالات الكبرى التي تعرفها العديد من القطاعات، وتسعى جاهدة أن يتم ذلك في جو من التوافق والتشارك، وتضع مصلحة البلاد فوق أية مصلحة أخرى حزبية كانت أو نقابية. { هل وصلت العلاقة بين الحكومة والمركزيات النقابية الداعية إلى الإضراب إلى القطيعة؟ عن أي قطيعة نتكلم؟ ألم تنعقد دورة أبريل للحوار الاجتماعي التي ترتب عنها زيادة في الحد الأدنى للأجور بالقطاعين؛ الخاص والعام ! ألم تنعقد اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد في دورتين( الأولى في يناير 2013، والثانية في يونيو 2014)، بعدما لم تنعقد، ولو لمرة واحدة، خلال الولاية الحكومية السابقة. إذا كانت هناك قطيعة، فهي ليست من الجانب الحكومي. { تبادلت الحكومة والنقابات الاتهام بشأن تهديد السلم الاجتم اعي، هل ترى أن الوضع الاجتماعي بلغ حدا من الهشاشة التي تجعله قابلا للانفجار بمجرد تنظيم إضراب لمدة 24 ساعة؟ هناك إجماع من قبل كل المتدخلين؛ سواء على المستوى الوطني، وكذا حسب خطب صاحب الجلالة، وآخرها الخطاب الملكي أمام البرلمان، أو على مستوى المجتمع الدولي، أن أهم ما يميز الوضع بالمغرب هو الاستقرار الاجتماعي والسياسي. والحكومة حريصة كل الحرص على ضمان استمرار هذا الاستقرار، خصوصا وأن بلادنا أصبحت تكسب مواقع هامة على المستوى الجهوي والقاري في جلب الاستثمارات؛ مما يسهم -لا محالة- في تحسن الأوضاع نحو الإقلاع الاقتصادي للمغرب. لكن وباستقراء الوضع في المنطقة، وكذا بالنظر إلى تربص خصوم المغرب و «حسادنا»، فإن وضعنا وإن كان لا يتميز بالهشاشة التي يمكن أن تؤدي إلى الانفجار، فنحن لسنا بمأمن من وقوع انفلاتات ما لم تتحمل كل الجهات مسؤوليتها. { ألا ترى أن الاحتقان الاجتماعي قائم ويحتاج إلى التوافق بين الحكومة والنقابات -على الأقل- لاحتواء أي توتر متوقع؟ ليس هناك احتقان؛ هناك محاولات لردع الحكومة عن القيام بالإصلاحات الكبرى مصحوبة بحملات إعلامية مبنية على المعلومات الخاطئة والكاذبة، من قبل بعض المأجورين المحسوبين –للأسف- على صف الصحافة. أين هو ارتفاع الأسعار؟ ألم تؤكد جميع نشرات المندوبية السامية للتخطيط على تراجع الأسعار الأساسية خلال معظم أشهر هذه السنة؟ ألم ترفع الحكومة من الأجور الدنيا؟ ألم ترفع الحكومة من منح الطلبة؟ ألم تخفض من أثمنة 1400 دواء؟ ألم تصدر الحكومة قوانين ظلت على الرفوف لسنوات( نظام التعويض عن فقدان الشغل، واستفادة من تقل عدد نقطه عن 3240 من عائدات التقاعد)؟ لكن لنا كامل الثقة في المواطن المغربي، وفي ذاكرته التي لابد وأن تقوم بالمقارنات اللازمة بين الأوضاع السابقة ببلادنا وبين الوضع الحالي، بين ما يقع في دول الجوار وحتى ببلدان أوروبية وبين وضعنا بالمغرب؟ من جهة أخرى، ماذا تعني الدعوة إلى الإضراب العام يوم انعقاد المجلس الوزاري للمصادقة على القانون المالي ل2015، وأيضا احتمال تزامن يوم الإضراب مع انعقاد دورة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص إصلاح نظام المعاشات المدنية؟ هذا ليس صحيحا، ولن يكون صحيحا، فإذا كانت النقابات المذكورة تطالب بدورتين في السنة، فإن الحكومة الحالية، وبعد أقل من ثلاث سنوات من التدبير، قد أجرت أكثر من 10 اجتماعات مع النقابات الأكثر تمثيلية. والآن، ألم تعلن الحكومة عن عزمها دعوة الفرقاء الاجتماعيين إلى الاجتماع بمجرد الحصول على جواب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص إصلاح نظام المعاشات المدنية؟ { لا تعتبر النقابات أن لقاء 4 دجنبر 2013 دعوة إلى الحوار، بل كان لقاء للتشاور، وقد رأت أن موضوع اللقاء كان أكبر من لقاء تشاوري واحد، ودعت إلى أن يندرج ضمن ملفات الحوار الاجتماعي، وهو ما لم يحصل -لحد الآن- بحسب وجهة نظهرها، كيف ترد؟ أولا، دعوة الحكومة النقابات يوم 4 دجنبر2013 كان بهدف التشاور حول المقترحات الحكومية بخصوص إصلاح نظام المعاشات المدنية قبل عرضها أمام اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، والتي تحضرها عدة جهات أخرى اجتماعية واقتصادية وحكومية. وكان القصد منه الإعداد الجيد لاجتماع هذه الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى عدم الاستفراد بالقرار، وهي التهمة التي تلصقها مرارا النقابات المذكورة بالحكومة. وثانيا: ملف إصلاح أنظمة التقاعد وضعت له أجهزته، ومنذ أكثر من 10 سنوات، وذلك من خلال اللجنة الوطنية واللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، فلماذا تريد المركزيات المذكورة التخلي عن هذا المسار، وإدراج الملف في ما يسمى ب «جلسات الحوار الاجتماعي»؟ هل هو تنكر لعمل شاق ومضني تم القيام به لحد الآن، وأسفر عن توصيات وتصور يهم الإصلاح الشامل لأنظمة التقاعد، وكذا الإقرار باستعجالية إصلاح نظام المعاشات المدنية؟ أم هو محاولة لتهريب الملف من مساره المسطر لسنوات إلى مسار ومقاربة أخرى جديدة، قد تتطلب سنوات أخرى من العمل؛ مما سيفوت لا محالة فرصة هذا الإصلاح بأقل الخسائر. { تقليديا تجتمع النقابات مع الحكومة مرتين في السنة؛ الأولى في فصل الربيع، والثانية في الخريف(شتنبر)، ويعتبر اللقاء الثاني مهما بالنسبة للنقابات قصد تقديم مقترحاتها بخصوص القانون المالي، لماذا لم تستدع الحكومة النقابات للحوار خلال شتنبر المنصرم مثلا؟ للإشارة، فإن ما يسمى ب «دورة شتنبر»، تكون عادة خلال شهري شتنبر أو أكتوبر، كما تم الاتفاق على ذلك، كما أنها تكون عادة لمناقشة القانون المالي، وكذا تحديات وخصوصيات الدخول السياسي والاجتماعي. وكما في علمكم، لا يمكن الشروع في مناقشة مقتضيات قانون المالية قبل تحديد التوجهات العامة لقانون المالية، والتي يصادق عليها مجلس الوزراء. للأسف! تم الإعلان عن الإضراب العام يوم انعقاد هذا المجلس. كما أن من خصوصيات هذه السنة إطلاق إصلاح نظام المعاشات المدنية. وكما في علم الجميع، فإن الملف معروض على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي لإبداء الرأي. وكان من المفروض أن تتلقى الحكومة رأي المجلس أواخر شتنبر 2014، لكن المجلس، طالب بمدة إضافية محددة –قانونيا – في شهر آخر. والحكومة لازالت مستعدة للحوار مع النقابات حول الملفين معا. { كان آخر اجتماع في اللجنة الوطنية لإصلاح التقاعد يوم 18 يونيو، حيث طلبت الحكومة من النقابات رأيها حول الإصلاح، وخلال أقل من شهر تسلمتم مذكرات جوابية، لكن عوض أن تجتمع الحكومة مع النقابات قصد التوصل إلى رأي وسط، أحالت الحكومة المشروع ككل على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لماذا لجأتم إلى المجلس قبل الحوار مع النقابات؟ أولا، لم يتم تسلم المذكرات النقابية في أقل من شهر، بل أول مذكرة تم التوصل بها كانت يوم 18 يوليوز. كما أن الإحالة على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لا تتناقض مع إمكانية مدارسة المذكرات النقابية. من جهة، لأن المجلس يقدم رأيه فقط، وليس له صلاحية التقرير. ومن جهة أخرى، فالنقابات ممثلة في هذا المجلس؛ مما يمكنها من إبداء رأيها في مجلس دستوري تشاوري هام. ومن ناحية أخرى، فإن المذكرة التي رفعتها النقابات الثلاث الداعية إلى الإضراب العام عبرت، من خلالها، عن رفضها القاطع للإصلاح المقياسي، وبذلك عبرت عن عدم استعدادها لمناقشة أي مقترح للإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية. { إصلاح التقاعد تنظر إليه النقابات كملف يجب أن يعالج من منظور شمولي، وليس بالتركيز فقط على الصندوق المغربي للتقاعد، وهو أمر يبدو منطقيا، لماذا لا تلتزم الحكومة، وفق جدول زمني معلن ومحدد، بالإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد مجتمعة؟ ما يجب أن يعلمه المواطن أن أنظمة التقاعد بالمغرب متعددة؛ فهناك بالقطاع العام كل من الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يؤدي معاشات موظفي الدولة، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الذي يتكلف بمستخدمي المؤسسات العمومية والجماعات المحلية. وبالقطاع الخاص، هناك كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد، هذا بالإضافة إلى العديد من الأنظمة الخاصة. وكل نظام له قوانينه الخاصة وطرق اشتغاله وكيفيات احتساب المساهمات والمعاشات التي يشرف على تدبيرها. كما أن جل هذه الأنظمة، ما عدا «الصندوق المغربي للتقاعد»، لا تعرف أوضاعا استعجالية ولا أزمات قريبة. وفي ما يخص الإصلاح الشمولي، فإن منظوره البعيد هو توحيد كل هذه الأنظمة في نظام واحد. لكن في مرحلة أولى هناك مقترح بإحداث قطبين: قطب عمومي، وقطب خاص. وهو ما يتطلب، في نهاية المطاف، دمج الأنظمة في نظام واحد قد يشتمل على تقاعد أساسي وتقاعد تكميلي، وربما تقاعد إضافي. ومن هنا، يتضح أن عملية الدمج هاته لا يمكن أن تتم خلال نظام دخل مرحلة الأزمة، ويعتمد مقاييس وقوانين تختلف جذريا عن نظام آخر أقل سخاء ولا يعرف أية أزمة حاليا. الدخول إلى مرحلة الإعداد للإصلاح الشامل تتطلب بالضرورة إخراج الصندوق المغربي للتقاعد من أزمته. وهو ما تقترحه الحكومة من خلال إجراءات ستمكن من تأجيل الأزمة بحوالي 8 سنوات، ستكون كافية لمباشرة الإصلاح الشامل. وليس هناك أي اعتراض على وضع جدولة زمنية واضحة لذلك. { المقترح الحكومي لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد يقوم على ثلاثة إجراءات(الرفع من السن، والرفع من المساهمة، وإعادة احتساب أجر التقاعد على أساس السنوات الثماني الأخيرة)، ألا ترى أن هذه الإجراءات مجتمعة جد مجحفة في حق الموظف؟ لتوضيح الأمر، لابد من التذكير بأن القانون المنظم للصندوق المغربي للتقاعد، وفي مرسومه التطبيقي في مادته 7، ينص على ضرورة الحفاظ على مستوى محدد من الرصيد الاحتياطي، وألا تتم «مراجعة الاقتطاع والمساهمات بكيفية تضمن التوازن بين الموارد والتكاليف طيلة مدة لا تقل عن عشر سنوات». وهذا ما يمكن أن يحصل -لا قدر الله- في السنوات القليلة القادمة، في حالة عدم التدخل الفوري. أما اعتماد ثلاثة مقاييس مرة واحدة، فالهدف منه التخفيف من حدتها. لأنه إذا تم التخلي عن أي منها ستكون آثاره كبيرة على باقي المقاييس. وبالتالي كان من الضروري اعتماد مقاييس متعددة لتكون بحدة أقل. { لماذا لا تستجيب الحكومة لمقترح النقابات بخصوص إجبارية الرفع من سن التقاعد، وترك الأمر اختياريا؟ الرفع من سن التقاعد، الهدف منه أمرين؛ أولا، تخفيف الضغط على الصندوق لمدة معينة، ثم تقليص المدة التي تؤدى فيها المعاشات بعد الإحالة على سن التقاعد. ومن هنا، فإن ترك الأمر اختياريا له عدة نقائص: منها عدم التكهن بعدد الذين سيرغبون في ذلك، ومن تم عدم القدرة على القيام بالدراسات الاستشرافية والتقديرية لأثر الإصلاحات، وهل ستمكن من إنقاذ مالية الصندوق. ومن جهة أخرى، سنصبح أمام نوعين من المتقاعدين؛ متقاعد يؤدي أكثر ويستفيد من نفس النسبة التي يستفيد منها الأقل أداء؛ علما -كما سبق- أن هذا نظام تضامني والحكومة تساهم فيه بصفتها مشغلة فقط. { اعتبر الرأي الاستشاري الأولي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الرفع من السن دفعة واحدة مسألة «غير إنسانية»، هل الحكومة مستعدة لإعادة النظر في كيفية تنزيل تلك الإجراءات؟ الحكومة قدمت تصورا ومقترحا للإصلاح يمكن من تأجيل الأزمة حوالي 8 سنوات على الأقل، بما يمكن من تفعيل الإصلاح الشمولي. غير أنها تبقى منفتحة على كل الآراء، ومستعدة لمناقشة التدابير المواكبة للحد من آثار هذه الإجراءات، خاصة على صغار الموظفين، وكذا مدارسة إجراءات مواكبة لتجاوز آثار الرفع من السن لبعض الفئات المهنية. ولا تفوتني الإشارة –هنا- إلى أن تطبيق هذه الإجراءات سيتم -من جهة- بشكل تدريجي، بحيث سيتم الرفع من السن بشكل متدرج، وكذا تطبيق باقي المقاييس، كما أن الإجراءات المتعلقة باحتساب المعاش سوف لن تمس بالمكتسبات. فهذه الإجراءات –أولا- لا تهم المتقاعدين الحاليين، ولن تطبق على السنوات السابقة منذ تاريخ دخول الإصلاح حيز التطبيق بالنسبة للموظفين المنخرطين في الصندوق. { طيب، لنفترض أن الحكومة ذهبت في الإصلاح إلى النهاية، ما الذي ستقدمه للموظف كمقابل؟ إصرار الحكومة على ضرورة القيام بالإصلاحات، ينطلق من مسؤوليتها السياسية والتاريخية والأخلاقية في ضمان استمرارية أداء المعاشات، وفي ضمان مبدأ التضامن بين الأجيال. فتخليها عن الإصلاح معناه منح الجيل الحالي حق الاستيلاء على معاش الأجيال المقبلة من الموظفين. وهنا لابد من تحميل الحكومات السابقة مسؤولية عدم القيام بالإصلاح في وقت مبكر، بحيث كان من الممكن أن يتم الإصلاح وفق إجراءات أقل إيلاما، لا من حيث الرفع من السن أو من حيث المساهمات. من جهة أخرى، لابد من الإشارة إلى أن أجور الموظفين الحاليين المنخرطين في هذا النظام، وكذا تحملاتهم؛ سواء منها المتعلقة بالمعاشات أو بالتغطية الصحية، تكلف الدولة ما يقارب ثلثي مداخيلها. فهل يُعقل أن تذهب جل مداخيل الدولة إلى الموظفين . لكن رغم ذلك، فالحكومة ستقوم بعدة إجراءات مصاحبة لتخفيف العبء عن الفئات الدنيا من الموظفين، وعن بعض الفئات الهشة من المواطنين. { تطالب النقابات منذ مدة بإجراء يبدو ملحا؛ ويتعلق بتخفيض الضريبة على الدخل، وهو إجراء يمكن أن يكون ثمنا معقولا للموظف في مقابل انخراطه في إصلاح التقاعد، لكن مشروع القانون المالي لسنة 2015 لا يتضمن ذلك، وكان نفس الاقتراح قد تداولته فرق الأغلبية، مؤخرا، في لقاء بينها، هل يمكن للحكومة أن تقبل به؟ الحكومة واضحة في هذا المجال، لا يمكن أن تعطي بيد ما ستأخذه بيد أخرى، لتضعه في الصندوق المغربي للتقاعد. { إذا كانت الحكومة قادرة على تعويض الموظف عما سيمسه من اقتطاعات، فلماذا لا تضخ المبالغ المستحقة، مباشرة، في الصندوق المغربي للمعاشات؟ الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لن تستفيد منها ميزانية الدولة، بل بالعكس من ذلك فميزانية الدولة ستتأثر بفعل تمديد مدة أداء الأجور، الناتج عن تمديد سن الإحالة على التقاعد، وجراء الرفع من مساهمات الدولة كمشغل في صندوق التقاعد. لكن على المواطن أن يعلم أن الإصلاحات الكبرى التي تقوم بها الحكومة هدفها الأساس هو التمكن من إصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد، وتمكين الدولة من هامش يمكنها من أداء ديونها، والرفع من الاستثمارات، ومن تم الرفع من فرص التشغيل. فهامش الميزانية التي تتصرف فيه الحكومة وتضع به برامج تنموية يبقى محدودا. وبطبيعة الحال، كل ذلك سيؤدي -لا محالة- إلى معافاة المالية العمومية، وحصول نوع من الازدهار الاقتصادي الذي تكون نتائجه لصالح مستوى وجودة عيش المواطن. حاليا، يمكن أن نقول بأننا نقتسم الفتات، ولابد –إذن- من خلق الثروة حتى يمكننا الكلام بحق عن اقتسام وتوزيع حقيقي وذي معنى للثروة. وطبعا، «إذا جاد الله جاد عمر». { أين وصلت مراسيم تطبيق الإجراء الحكومي المتعلق بدعم الأرامل؟ دعم الأرامل التزام حكومي. ولا زالت الحكومة تعمل على تجاوز الصعوبات العملية والإجرائية المرتبطة به. وسيعرف طريقه نحو التطبيق قريبا إن شاء الله! { هل هناك «بلوكاج» من جهة ما ضده؟ هناك صعوبات عملية إجرائية فقط. { هل تخلت الحكومة، نهائيا، عن ملف دعم الأسر في إطار إصلاح صندوق المقاصة؟ ما تؤكده الحكومة هو أن الميزانية، التي كانت مخصصة لدعم المواد الغذائية، ستذهب إلى من يستحقها، ولن تتخلى الحكومة عن هذا الإجراء. وهنا، نؤكد أنه إذا كانت بعض المركزيات النقابية تدافع عن الموظفين والأجراء، فهناك فئة معوزة لا تتوفر على أجر، تأمل أن يرتفع، ولا معاش تتوخى الحفاظ عليه. وهذه الفئة تعتبر الحكومة، نفسها، هي المسؤولة عن الدفاع عنها وصون كرامتها. { أين وصل قانونا النقابات والإضراب؟ إن مشروعي القانونين تم إعدادهما، سابقا، وفتحت المشاورات بشأنهما مع المركزيات النقابية. إلا أن البعض منها يرفض رفضا قاطعا حتي مناقشة إمكانية إخراجهما، رغم أن القانون التنظيمي للإضراب هو استحقاق دستوري. غير أن الحكومة مقتنعة بضرورة تنظيم الحقل النقابي وتحسين حكامته، وكذا تنظيم العمل النقابي، وحماية حق الإضراب، إلى جانب حق العمل، وفق المبادئ الدستورية، والمعايير الدولية المعتمدة. لذا، فالحكومة ملزمة – كما هو معلوم- بإخراج النصين قبل نهاية ولايتها.