تستحوذ ثلاث شركات أجنبية، مهمتها إنجاز دراسات واستشارات قانونية ومالية وتقنية، على سوق الدراسات بالمغرب، وتمثل نفقات الدولة على الدراسات 80 في المائة من رقم معاملات هذه المكاتب، لتكون بذلك زبونها الأول. تمثل النفقات التي تخصصها المؤسسات والإدارات العمومية لإنجاز دراسات استشارية وعمليات افتحاص 80 في المائة من رقم معاملات مكاتب الدراسات والاستشارات بالمغرب نهاية 2013، والتي وصلت إلى 740 مليار سنتيم. وقد حققت تلك المكاتب هذا الرقم من خلال إنجاز الدراسات والاستشارات القانونية والمالية والتقنية، ومواكبة مختلف الإستراتيجيات الوطنية والقطاعية من قبيل مخططات «المغرب الأخضر»، و«هاليوتيس»، و«المخطط الصناعي»، ومخططات واستراتيجيات أخرى تغذت منها الأوراش الكبرى بالمغرب في العشرية السابقة. كما تواكب المستثمرين الأجانب في إطار نظام التدبير المفوض، وتواكب كذلك البرامج التي تمولها الدول المانحة الأجنبية. الهيمنة لثلاثة مكاتب وحسب مصادر بمديرية المؤسسات العمومية والخوصصة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، تسيطر على سوق الدراسات والاستشارات والافتحاص في المغرب ثلاثة مكاتب استشارية أجنبية كبرى حقق كل واحد منها في سنة 2013 رقم معاملات يفوق 10 مليار سنتيم، وهذه المكاتب هي: «ماكينزي»(15مليار سنتيم)، «بوسطن كزنسولتينغ»(ما بين 20 و 25مليار سنتيم)، «فاليانس»(10مليار سنتيم). وكانت «فاليانس» قد رأت النور في 2003 بعد «اتحاد» كل من مكتبي»أرنست ويونغ» و»بيرتيس كونسولتينغ»، ليصبح القطب الجديد من بين المكاتب الثلاثة الأولى بالمغرب، والتي تواكب الأوراش الكبرى المهيكلة بالمغرب. من جهة ثانية، كشفت دراسة أنجزها مؤخرا مكتب الدراسات «فيداروك غرانت ثورتنتون» أن عدد مكاتب الدراسات والاستشارات بالمغرب قد أرتفع من 7 مكاتب في التسعينيات إلى 89 مكتبا في 2010، قبل أن يبلغ العدد حاليا 800 مكتب استشاري، ليتحول المغرب إلى بوابة لولوج أسواق إفريقيا والشرق الأوسط الواعدة، التي أصبحت «جنة» مكاتب الدراسات والاستشارات التي تتنافس على كعكة تصل إلى ملياري أورو سنويا. وهكذا، أصبحت الدارالبيضاء مركزا دوليا لفروع مكاتب الدراسات والاستشارات الدولية، لدرجة أن كل سنة تشهد استقرار ما بين7 و10 مكاتب جديدة أغلبها أجنبية. مكاتب وطنية ضعيفة إن مكانة المكاتب الوطنية تبقى ضعيفة، إذ أصبحت تكتفي بالعمل من الباطن مع المكاتب الأجنبية التي لم تترك لها سوى 20 بالمائة من سوق الدراسات والاستشارات والافتحاص بالمغرب. تبذير غير مبرر وينتقد عدد من المتتبعين لجوء المؤسسات والإدارات العمومية لخدمات المكاتب الأجنبية، رغم أن أغلب هذه الإدارات والمؤسسات تتوفر على أقسام و مديريات للدراسات يمكنها أن تساهم في توفير واقتصاد نسبة كبيرة من الإنفاق العمومي المخصص للدراسات والاستشارات. كما يرى هؤلاء المتتبعون أن المعلومات والبيانات التي تتوفر عليها الإدارات و المؤسسات العمومية خزان ثمين يغطي بشكل أو بآخر مجمل الدراسات التي تنجزها المكاتب الأجنبية التي يتعامل معها عدد من الأطر المغربية من الباطن. ويعتبرون أن عددا من الدراسات التي أنجزتها مكاتب دراسات أجنبية كان من الممكن أن تنجز محليا. لقد ساعدت «بيرد وبيرد» اتصالات المغرب على اقتناء فروع في إفريقيا. وكان المكتب الاستشاري الدولي logis هو من أنجز الدراسة الإستراتيجية المتعلقة بمشروع مصنع رونو بطنجة مقابل أكثر من 800 مليون سنتيم. أيضا، كانت مجموعة accenturé هي التي أنجزت الدراسة الإستراتيجية المتعلقة بتوسيع الخطوط الملكية المغربية لرحلاتها داخل إفريقيا. وكانت المجموعة الاستشارية نفسها هي أيضا من أشرف على إنجاز دراسة لفائدة وزارة الشباب والرياضة من أجل تنمية الأنشطة الرياضية الجماعية، والأنشطة الرياضية الخاصة بالنخبة، وكذلك عملية إدماج البنك التجاري المغربي ووافا بنك. من جهة أخرى، حملت الدراسات الخاصة بتنمية التجارة واللوجستيك، والدراسة حول القطاع الفلاحي، التي بلغت قيمتها 2.5 مليار سنتيم، وأخرى حول قطاع الطاقة بقيمة 1.5 مليار سنتيم توقيع مجموعة ماكينزي الدولية. وكان مكتب» بيريغ بوان» هو الذي أنجز الدراسة حول منظومة الأجور بالمغرب لفائدة وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات بقيمة 1.5 مليار سنتيم. كذلك أنجزت مجموعة «فاليانس» دراسة إستراتيجية حول المخطط الاستعجالي لقطاع التعليم بقيمة 600 مليون سنتيم. والأدهى في رأي عدد من المتتبعين أن عددا من الإدارات والمؤسسات تميل إلى التبذير، إذ لا تعمل بما يأتي في الدراسات التي تنفق عليها الملايين. وضربوا مثلا بالدراسة التي أنجزها المكتب الاستشاري الأمريكي»بوز ألن بولطن» حول مغرب تصدير بقيمة 700 مليون سنتيم، والتي ألغيت بعد ذلك، لأن المكتب المذكور لا يتوفر على فرع بالمغرب من أجل مواكبة تطبيق توصيات الدراسة، ما جعل وزارة التجارة الخارجية تطلق طلب عروض جديد تم فيه انتقاء المكتب الاستشاري الألماني «زولاند بيرجيه» لإنجاز دراسة حول الموضوع نفسه!