في الحوار التالي يشرح الاستاذ والباحث في السوسيولوجيا زكرياء اكضيض كيف ان تواطؤ المجتمع يجعل من الدعارة المصدر الاساسي للدخل بالنسبة للعديد من العائلات ما هي أسباب تحول البغاء إلى مصدر أساسي للدخل لدى بعض الفئات الاجتماعية في المغرب ؟ أولا، ظاهرة العمل الجنسي هي ظاهرة متجذرة في بنية المجتمع المغربي منذ القدم، وليست وليدة اليوم، حيث ظل العمل الجنسي في تلازم مع ما هو اقتصادي إلى حدود اليوم، وكان ومازال موردا ماليا للعديد من الفئات في المجتمع المغربي. ثانيا، لا بد من الإشارة إلى أن العمل الجنسي في الآونة الأخيرة عرف اتساعا وكثافة عقب تحولات قيمية واجتماعية وسياسية عرفها المجتمع المغربي. فعلى المستوى القيمي، تنامت قيم استهلاكية أصبحت تغذي وعي الأفراد، وتجعلهم يبحثون عن الترقي الاجتماعي السريع دون تقديم المجهود الفردي اللازم من جهة، ودون أداء فاتورة العمل المشروعة من جهة أخرى. ويأتي اتساع العمل الجنسي في هذا السياق، حيث نجد تباينا واضحا على مستوى المدخول المالي بين الأعمال المهنية المشروعة والعمل الجنسي، الذي يدر على أصحابه مداخيل تفوق بأضعاف مداخيل المهن المنضبطة للوعي الأخلاقي السائد في المجتمع. وفي تلازم مع ما هو قيمي، نجد هنالك أنماطا للتنشئة الاجتماعية ترسخ في وعي الأفراد أهمية الجسد كمورد مادي، يتم الرهان عليه عندما يصل الفرد-الجسد إلى نضجه الفيزيولوجي اللازم («البنت فاخرة» مثلا في التداول العام ). فلا ينظر إلى المرأة، مثلا، كمشروع قادر على تحقيق أهدافه، بل يكرس في وعيها، عن طريق الإكراه الاجتماعي الذي يمارس بواسطة التنشئة الاجتماعية، أنها مجرد جسد للمتاجرة المشروعة وغير المشروعة. كيف تقيم كباحث استرتيجية الدولة في التعامل مع هذه الظاهرة؟ وفي السياق ذاته، تبرز السياسة غير المعلنة للدولة تجاه العمل الجنسي من خلال تواطئها الخفي مع العمل الجنسي إرضاء لفاعلين اقتصاديين يعتبر الجنس محركا رئيسا لخدماتهم الاقتصادية. هذا ما فجرته البرلمانية خديجة زومي في قبة البرلمان من خلال تصريحها بأن الدعارة تساهم في اقتصاد البلاد. تواطؤ لا يمارس من طرف الدولة وحدها، بل من طرف الوعي الجمعي الذي يعمل على إضفاء طابع الصمت على الظاهرة نظرا إلى وظائفها الاجتماعية داخل بينة المجتمع. فهناك نوع من الصمت المزدوج حيال الظاهرة؛ صمت الدولة تجاه المجتمع، وصمت المجتمع على الدولة. لتبقى الحملات الأمنية للدولة رهينة بما هو موسمي فقط. فهذه المحددات القيمية والمجتمعية والسياسية التي تتحكم في شروط إنتاج الظاهرة، هي التي تجعل منها مصدرا أساسيا للدخل لدى العديد من فئات المجتمع المغربي. هل نستطيع القول إن الدعارة تعيل نسبة مهمة من الأسر المغربية؟ فعلا. العمل الجنسي هو مورد مالي بالنسبة إلى العديد من الأسر المغربية، حيث يختلف حضور العمل الجنسي لدى ممارسيه؛ فهو يتجسد كنشاط اقتصادي رئيس لدى البعض، وكنشاط اقتصادي موازٍ لدى البعض الآخر. فنجد هنالك نوعا من المزاوجة بين المهن المنضبطة للوعي الأخلاقي والمهن الخارجة عن إطاره، ليتستر العمل الجنسي أحيانا خلف مهن معينة، تجعل للممارس مسوغات مهنية تحميه من انتقادات الوعي الأخلاقي السائد. ما هي الشبكات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتفع ماليا من الدعارة؟ سوق تجارة الجنس منتعشة، وتعرف خدماتها إقبالا متزايدا على المستوى الوطني والخارجي، إلى درجة تصدير الخدمات الجنسية خارجيا، حيث تستفيد منها شبكات ولوبيات اقتصادية. فعلى المستوى الوطني، أصبح حضور العمل الجنسي محركا اقتصاديا للعديد من الفضاءات الخاصة، كالمقاهي والفنادق والمراقص، ومحركا اقتصاديا للسياحة الداخلية، خصوصا كراء المنازل في المناطق التي تعرف رواجا جنسيا في المغرب. فالخدمات الجنسية لا تقتصر فقط على الجسد الأنثوي، بل تمتد إلى خدمات يقدمها الذكور والأطفال والمثليون؛ فهي تتسم بالتنوع، حيث إن لكل خدمة ثمنها المحدد في سوق العمل الجنسي الذي يختلف حسب الأمكنة والأزمنة. فما يطلبه المتزوج من خدمة، لا يشابه ما يبحث عنه العازب، وما يشتريه الزبون الأجنبي من خدمة لا يشبه الخدمات التي يطلبها الزبون الوطني. كما أن سوق العمل الجنسي يتأثر بالزمن؛ فالقيمة المالية للخدمات الجنسية ترتفع أيام العطل وفي نهاية الأسبوع. فنحن هنا أمام سوق للعمل الجنسي له محدداته وقواعده الخاصة، إذ لا يمكن للزبون ولوج ذلك المجال دون انضباط لها. هذا الأمر يجعل أصحاب بعض المقاهي والمراقص والفنادق يتنافسون بشكل غير علني على توفير كل ما هو مغرٍ من خدمات جنسية لزبائنهم.