«إذا كنتم أنتم حكومة جلالة الملك، فنحن معارضة جلالة الملك»، عبارة ثقيلة ألقاها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، ستبقى شاهدة على نخبة سياسية جعلت من الاحتماء بالملك، والتنافس في ذلك، لعبتها المفضلة، وذلك على حساب الرهانات التي تضمنها دستور 2011، وأيضاً على حساب تطوير الممارسة الديمقراطية. تاريخيا، يرجع استعمال عبارة «حكومة جلالة الملك» إلى ما قبل دستور 2011، حسب أستاذ القانون الدستوري، حسن طارق، الذي يرفض استعمال هذه العبارة في ظل دستور الملك محمد السادس، لأسباب منها أنه حدد صلاحيات كل مؤسسة، وأعطى الحكومة اختصاصات واسعة، تجعل رئيس الحكومة رئيس وزرائها، كما نص على التنصيب البرلماني للحكومة. وإذا كانت عبارة «حكومة جلالة الملك» سارية ومقبولة في عهد حكم الحسن الثاني، فإن عبارة «معارضة جلالة الملك» كانت مثيرة للسخرية في عهده. فقد استعملها اليسار الجذري أول مرة في السبعينات للتنقيص من دور المعارضة اليسارية الحزبية، ممثلة حينها في الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، كما استعملها الاتحاد الاشتراكي ضد التجمع الوطني للأحرار، بعد أزمة 1981، حين رفض الاتحاد قرار الملك الحسن الثاني تمديد الولاية البرلمانية سنتين إضافيتين، ما دفع الملك إلى استقبال قيادة الأحرار، حيث طلب منهم لعب دور المعارضة. لكن كلا العبارتين أصبحتا مرفوضتين من قبل الباحثين اليوم، وجزء من النخبة السياسية، وذلك اعتمادا على دستور 2011. محمد اليازغي، القيادي الاتحادي المعروف، اعتبر أن الدستور الحالي منح كل مؤسسة مسؤوليات واختصاصات، ولا يجوز لأي منها أن تختبئ وراء الأخرى. لكن، لماذا تفضل الزعامات الحزبية الاختباء وراء الملك؟ يرى المعطي منجب أن ثمة رهانات وراء ذلك، سواء بالنسبة إلى المعارضة أو الأغلبية. فاستعمال أحزاب المعارضة عبارة «معارضة جلالة الملك» ينطوي على رسالتين؛ الأولى موجهة إلى القصر، مفادها أن تحركاتها ومبادراتها إنما تستهدف الحكومة، وليس الملكية، وفي الوقت نفسه، تأكيد استعدادها ل«تقديم الخدمات الضرورية» إلى القصر والجهات النافذة في الدولة، حسب تعبير المعطي منجب. الرسالة الثانية موجهة إلى قاعدتها الانتخابية وإلى أعيان الانتخابات الذين يقدمون خدماتهم دائماً للحزب الأقرب إلى الدولة، وليس لمن هو في المعارضة. أما بالنسبة إلى الأغلبية، فهي تهدف من وراء عبارة «حكومة جلالة الملك» تحقيق هدفين كذلك؛ الأول تأكيد علاقة التعاون والانسجام الكامل بين الحكومة والملكية، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي يقودها، والذي يقدم نفسه على أنه الحزب الأقوى والأفضل لها حاليا في سياق إقليمي مضطرب. الرسالة الثانية موجهة إلى الجهات النافذة في الإدارة ورجال المال والأعمال والنخبة عموما، الذين يهمهم كثيرا الاستماع إلى الكلمات المطمئنة من حزب العدالة والتنمية خصوصا. في لعبة سياسية مثل هذه تبدو الملكية هي المستفيد الأكبر، لأن حسابات الأغلبية والمعارضة تكشف عجز النخبة السياسية عن تحمل مسؤوليتها باستقلالية عن الملكية. المؤرخ محمد الناجي اعتبر أن احتماء الزعامات الحزبية بالملك معناه أنها بدون مشروع، ويبقى الوحيد الذي يتوفر على ذلك المشروع المجتمعي هو الملكية. لكن خالد الرحموني، باحث في القانون الدستوري وعضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، يعتبر أن الاحتماء بالملكية هو محاولة «لتوريطها». ويوضح الرحموني أن الدستور حدد صلاحيات كل المؤسسات، سواء المؤسسة الملكية أو الحكومة أو المعارضة أو الأحزاب، وأعطى الملكية اختصاصات في ما هو استراتيجي، وجعل منها حكما بين المؤسسات، على أساس أن تقوم كل مؤسسة بدورها المحدد لها دستوريا. ولذلك، حين تؤكد النخب السياسية عجزها، وتتخلى عن دورها، لتحتمي بالملكية، تكون قد تخلت عن دورها الدستوري، وعادت بالمغرب إلى ما قبل دستور 2011، والخاسر هو الانتقال نحو الديمقراطية، و«الممارسة الديمقراطية»، ما يعني فشل النخبة السياسية في إقرار استقلالية المؤسسات عن بعضها، وتوازنها وتكاملها، وهو أساس العملية الديمقراطية في نهاية المطاف. المختبئون وراء الملك.. رهانات الربح والخسارة حكومة صاحب الجلالة، «معارضة صاحب الجلالة»، «صديق الملك»، «صديق صديق الملك»، عبارات يلجأ إليها السياسي، كما الفاعل المدني، كما التاجر أو رجل الأعمال، بشكل لا يخلو من تنافس في الاختباء وراء الملك. للوهلة الأولى تبدو مجرد عبارات مثيرة للسخرية، يستحق أصحابها، حسب البعض، الكثير من الازدراء، لأنها تحيل على «الزيف السياسي»، لكن بالنسبة إلى البعض الآخر، فهي لا تخلو من رهانات سياسية غايتها في النهاية التموقع قرب السلطة، وبالضبط قرب القصر، المؤسسة المركزية التي يكاد يدور حولها كل شيء. حكومة جلالة الملك الجدل السياسي الحالي حول «حكومة جلالة الملك» و«معارضة جلالة الملك» ليس وليد اللحظة، بل بدأ منذ زمن بعيد، وتجدد بشكل لافت منذ مجيء حكومة عبد الإله بنكيران. تصريحاته المتكررة حول علاقة حكومته بالملك، كانت تخلف دائماً ردود فعل متباينة. في البداية، كان محور النقاش يدور حول ثنائية: الثقة أم التعاقد. كان هاجس بنكيران، منذ اليوم الأول لوصوله إلى رئاسة الحكومة، هو كسب ثقة الملك ورضاه، بينما كان منتقدوه يحذرونه من أن الجري وراء تلك الثقة، كما فعل عبد الرحمان اليوسفي قبله، قد لا يوصله إلى شيء، لأن الثقة تفترض وجود علاقة مودة وحب، والسياسة لا حب فيها. في ذلك السياق، كان بنكيران يعتبر أن الحكومة هي حكومة جلالة الملك، وأنه لم يأتِ للتنازع مع الملك بسبب الاختصاصات. بالنسبة إلى بنكيران، فدستور 2011 يمنح الملك اختصاص تعيين رئيس الحكومة، وهو من يعين باقي الوزراء باقتراح من رئيس الحكومة. وينطلق كذلك من النصوص الدستورية التي تجعل الملك هو رئيس المجلس الوزاري الذي يضع السياسات العليا للدولة، ناهيك عن انفراده بالاختصاص في المجالين الديني والعسكري. وفي آخر تصريحاته، تلك التي خص بها قناة «الحرة» الأمريكية، قال بنكيران إن «الصلاحيات الأساسية للحكم في المغرب توجد بيد المؤسسة الملكية»، الأمر الذي يعني أن الملك هو من يحكم فعلا في المغرب وليس الحكومة. السياق الثاني الذي أثيرت فيه القضية كان اتهام رئيس الحكومة بالتنازل عن صلاحياته، من قبل أحزاب المعارضة. هذا الاتهام كان وليد الجدل الأول حول الثقة والتعاقد. بنكيران، وإن أكد مرة أخرى قناعته بأن الحكومة هي «حكومة جلالة الملك»، فقد أضاف إليها تبريرات مثل قوله: «الملك رئيسي، ورئيس كل الوزراء». لقد اعتبر دائما أن هدف المعارضة هو دفع الحكومة إلى الاصطدام بالملك، وليس همها التأويل الديمقراطي للدستور كما تزعم، ولهذا أكد مرارا أنه «ليس الرجل الذي يمكن أن يصطدم بالملك بسبب الصلاحيات أو غيرها». وراء العبارات، إذن، محاولات متكررة للإيقاع بالحكومة، هكذا يتصور قادة حزب العدالة والتنمية، فالقراءة المهيمنة لما يجري «سياسية وليست دستورية». وانطلاقا من ذلك تفهم قيادة الحزب تصريح إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، بالقناة الثانية حول «معارضة جلالة الملك»، فهي تعكس بالنسبة إلى قيادات في الحزب الحاكم «حالة تيه»، أصابت المعارضة التي تبدو بالنسبة إلى خالد الرحموني، عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، «عاجزة وغير قادرة على بناء مشروعيتها الخاصة بعيدا عن حقل الإجماع». الجدل، إذن، وإن كان يتسم بالتنافس في الظاهر، فهو تنافس في الاختفاء وراء الملكية. لهذا تركز أحزاب المعارضة على أمرين في خطابها التواصلي؛ الأول تأكيد وجود مسافة بين المؤسسة الملكية والحكومة، وخاصة حزب العدالة والتنمية، حيث تؤكد ولاءها للأولى وتهاجم الثانية بالتهمة نفسها، أي الاختباء وراء الملك. الأمر الثاني يتمثل في تأكيد ضعف الكفاءة، وخاصة في التنزيل الديمقراطي للدستور، لأن الحزب مهموم بحل مشاكله الخاصة مع الدولة، على حساب الاستقرار والديمقراطية والحريات، حسب الخطاب المتكرر لزعماء المعارضة، وبالتالي، فهي يمكن أن تكون بديلا في هذا السياق. معارضة جلالة الملك لطالما عابت المعارضة على الحكومة اختباءها وراء الملك، رافضة استعمال وزرائها عبارة «نحن حكومة جلالة الملك»، لكن المفاجأة هي أنها قبلت الانجرار إلى اللعبة نفسها. الحدث هنا هو التصريح الذي أدلى به إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، في برنامج «مباشرة معكم» على القناة الثانية الأسبوع الماضي، والذي اعتبر فيه أن المعارضة هي أيضاً «معارضة جلالة الملك». حصل ذلك في سياق الجدل، مرة أخرى، مع الأغلبية الحكومية، ففي الوقت الذي اعتبر نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن الحكومة الحالية هي «حكومة جلالة الملك، ولا داعي إلى المزايدة علينا»، ردّ إدريس لشكر، معترضا على ذلك بقوله:»إذا كنتم أنتم حكومة جلالة الملك، فنحن معارضة جلالة الملك». في اليوم الموالي، حاول لشكر تصويب عبارته، بسبب ردود الفعل التي أثارتها، والتي وصلت إلى حد أن تقدم أحد أعضاء اللجنة الإدارية للحزب، جواد بنعيسي، باستقالته من الحزب. في الاستدراك، اعتبر لشكر أن عبارته تلك جاءت في سياق الجدل والرد على تصريحات الوزير بنعبد الله»، ولا تعبر عن قناعة سياسية لديه. إلا أن استدراكات لشكر جرت عليه النبش في تصريحاته السابقة، إذ سرعان ما أذاعت مواقع إلكترونية شريط «فيديو» على «اليوتيوب»، يتضمن تصريحا للشكر يعود إلى يناير من سنة 2012 تحت قبة مجلس النواب، إثر النقاش الذي حصل حول مدى قانونية ترشيح كريم غلاب لرئاسة المجلس بينما كان لايزال وزيرا في حكومة تصريف الأعمال برئاسة عباس الفاسي. وهو الوضع الذي يطرح مشكل الجمع بين المنصبين، وقال لشكر حينها كلمته الشهيرة: «أنا هنا وزير في حكومة جلالة الملك»، وكررها مرتين، رغم أن دستور 2011 كان قد دخل حيّز التنفيذ، الأمر الذي دفع البعض إلى انتقاد لشكر الذي أعطى نفسه ما يستنكره اليوم على بنكيران وحكومته. أصدقاء الملك لا تقف ظاهرة الاختباء وراء الملك عند حدود المعارضة والأغلبية، بل تمتد إلى أبعد من ذلك. محمد الوفا، وزير الحكامة والشؤون العامة في الحكومة الحالية، سبق له أن استأذن الملك للترشح لمنصب الأمين العام لحزب الاستقلال، في مؤتمره الأخير شهر شتنبر 2012، إذ قدم نفسه كمرشح للملك، قبل أن يُفشل عباس الفاسي، الأمين العام المنتهية ولايته، لعبته تلك. يروي الوزير الوفا ذلك قائلا: «طلبت من جلالة الملك، باعتباري وزير التربية الوطنية (في النسخة الأولى لحكومة بنكيران) أولا، وثانيا لأنني وزير في حكومة جلالة الملك، أن يأذن لي للترشح للأمانة العامة، ووفقا لأخلاقي ومروءتي والتقاليد لا أريد أن يسمعها جلالة الملك من فم أحد، لذلك طلبت من جلالته الترخيص لي للترشح». الوفا برر ذلك بالصراع الذي اشتد بين حميد شباط وعبد الواحد الفاسي، والذي أدى إلى أزمة داخل الحزب كانت تهدده بالانشقاق، ويبدو أن الوفا رأى الفرصة مواتية ليكون الخيار الثالث بدل شباط أو الفاسي، لكن الخطة لم تنجح. التجلي الآخر لهذه الظاهرة تمثل في لعب ورقة «صداقة الملك». بدأ ذلك مع صعود نجم فؤاد عالي الهمة في دواليب الدولة والحكم، بعدما كان رفيق الملك محمد السادس في الدراسة. صفة صديق الملك انفرد بها الهمة من بين كل تلاميذ المعهد المولوي، وأصبح لها معنى سياسي، خاصة عندما استقال من وزارة الداخلية، وانخرط في تأسيس حركة لكل الديمقراطيين ثم حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008. اللعبة نفسها استخدمها آخرون، لعل أبرزهم سميرة سيطايل، التي تملك من النفوذ في قطاع الإعلام ما استطاعت به مواجهة حكومة ورئيسها. ففي حوار لها مع «أخبار اليوم» (مارس 2013)، كشفت سيطايل أنها «تعرف الملك محمد السادس منذ كان وليا للعهد»، وأكدت أنها «تحدثت إليه عن الصحافة حينئذ، ولمست اهتمامه بقضايا الصحافة وإكراهاتها»، مؤكدة أنه «من العيب (حشومة) أن يقول أحدنا: أنا أعرف الملك، أو على اتصال دائم به، أو أنا على علاقة خاصة به، لأن الملك ملك الجميع، ملك 33 مليون مغربي». سيطايل تعرف أيضا «صديق الملك» وأحد مستشاريه البارزين، أي فؤاد عالي الهمة، إذ كشفت أن علاقتها به ترجع إلى 25 سنة مضت، وقالت في هذا الشأن: «علاقتي به خاصة، ولا علاقة لها بعملي، ويشرفني معرفة شخصية مثل الهمة». وإذا كانت سيطايل تستظل بصداقة الملك والهمة، ما منحها نفوذا قويا في قطاع الإعلام، فإن نور الدين عيوش كشف أيضاً صداقته للملك، في سياق السعي إلى الإقناع بمشروعه المتمثل في إدماج الدارجة في التعليم. والمثير أنه أعلن علاقته تلك على قناة عمومية، وفي سياق جدل سياسي ولغوي حاد. لكن لماذا يلجأ بعض الفاعلين إلى سلاح الصداقة مع الملك؟ محمد بوبكري، أستاذ علم الاجتماع، اعتبر أن مقولة «صديق الملك» تعكس، في جانب منها، الطابع الشخصي للسلطة في المغرب، فالقرب من الملك ليس مسألة شخصية واجتماعية طبيعية، إذ الصداقة تكون بين شخصين، ولا تكون بين شخص ومؤسسة، كالمؤسسة الملكية، لكن يبدو أن الذين يلجؤون إلى إشهار ورقة «صداقة الملك»، يعرفون أنها جد مربحة، لأنها قد تكون مصدرا للسلطة والنفوذ والجاه. عودة إلى زمن الحسن الثاني لعبة الاختباء وراء الملك ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى زمن حكم الملك الحسن الثاني أيضا، مع اختلاف بسيط. في السبعينات، مثلا، كان وصف المعارضة بأنها «معارضة جلالة الملك» يعتبر سُبّة. المعطي منجب، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس، قال إن العبارة سبق أن استعملها ما كان يسمى في السبعينات ب«اليسار الجذري» ضد «اليسار الإصلاحي». فالجبهويون، التيار اليساري الراديكالي، الذي ظهر بقوة في نهاية الستينات في الجامعة المغربية، كان يسخر من الأحزاب اليسارية التي كانت تعارض نظام الحسن الثاني، أي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بالأساس، بوصفها ب«معارضة جلالة الملك»، وهذا ليمنح نفسه شرعية كونه هو من يمثل «المعارضة الثورية» التي تنشد التغيير الحقيقي. وفي الثمانينات، استعمل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية العبارة نفسها، أي «معارضة صاحب جلالة»، للسخرية من خصومه السياسيين. يتذكر محمد اليازغي، أحد القيادات التاريخية للاتحاد، أنه عندما قرّر الفريق الاتحادي الانسحاب من البرلمان سنة 1981 احتجاجا على قرار للحسن الثاني بتمديد الولاية البرلمانية الثانية حينها (1977-1981) سنتين إضافيتين، استدعى الملك الحسن الثاني قيادة التجمع الوطني للأحرار، وكلفها بلعب دور المعارضة. اليازغي اعتبر أن تلك الواقعة هي التي برّرت، فعلا وواقعا، استعمال عبارة «معارضة جلالة الملك». لكن، رغم ذلك، ومقارنة بإدريس لشكر اليوم، فإن من كان ينعت حينها بالأحزاب الإدارية، أي تلك التي تأسست تحت رعاية الإدارة/الدولة، لم يسجل أن أحدها أو أن إحدى قياداتها اعتبرت نفسها، في وقت من الأوقات، أنها تشكل «معارضة جلالة الملك». أما عبارة «حكومة جلالة الملك»، فقد كانت تستعمل دون تردد، سواء من الملك أو من الوزراء الأولين المتعاقبين، وذلك لأنها كانت تعكس الحقيقة الدستورية القائمة. محمد اليازغي أوضح أن الدساتير ما بين 1962 حتى 1996، كانت تجعل من الوزير الأول مجرد منسق بين الوزراء، وبدون سلطات أو صلاحيات معتبرة، وكانت السلطات كلها بيد الملك، الذي يتدخل في كل شيء، نظرا إلى أن الدستور كان يسمح له بذلك. وهو الوضع الذي جاء دستور يوليوز 2011 لتغييره، إذ «تحدث عن نظام ملكية برلمانية ديمقراطية اجتماعية»، وهو النظام الذي يكون فيه للحكومة موقع وصلاحيات وسلطات وجب عليها تفعيلها وعدم التنازل عنها. دستور 2011.. علامة تحول العلامة الفارقة، إذن، هي دستور 2011. بهذا المعنى تبدو القراءة الدستورية أكثر موضوعية من القراءة السياسية الغارقة في الإيديولوجيا وحسابات المصالح. في هذا السياق، يعتبر حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أن تعبير «حكومة جلالة الملك» كان جائزا استعماله قبل دستور 2011، أما بعده فلا. لماذا؟ يُوضح حسن طارق قائلا: «لأن دستور 2011 نص على التنصيب البرلماني للحكومة»، واشترط لذلك «تصويتا إيجابيا بالأغلبية المطلقة» لأعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي. وأكد طارق أن الدستور كذلك أعطى الحكومة اختصاصات وسلطات محددة، بما يجعلها مسؤولة سياسيا عن تنفيذ برامجها، ومستقلة «نسبيا» عن المؤسسة الملكية، سواء من حيث التأليف أو الصلاحيات أو المسؤولية. وتتجلى تلك الاستقلالية في أن الملك لا يمكنه إقالة رئيس الحكومة، الذي يمنحه موقعه الدستوري سلطة رئاسية وتراتبية على الوزراء. وهكذا، إذا كانت الدساتير السابقة تسمح بالحديث عن حكومات صاحب الجلالة، لأنها تخضع في وجودها للملك، حيث يعتبر «التعيين الملكي الشرط الوحيد لتأليف الحكومة ولمباشرة مهامها، دون الحاجة إلى موافقة البرلمان»، فإن دستور 2011 تجاوز صيغة التنصيب الملكي، وإن حافظ على سلطة التعيين للملك. الرأي نفسه أكده خالد الرحموني، باحث في القانون الدستوري وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي اعتبر أن دستور 2011 قطع مع الملكية التنفيذية، حيث أصبح «للملك دستوريا اختصاصات واضحة ومحددة»، كما أنه أعطى الحكومة صلاحيات واختصاصات محددة ومتميزة عن الملك، بشكل لا يستقيم معه القول إنها «حكومة صاحب الجلالة». بل اعتبر الرحموني أن الاختباء وراء الملك، من قبل السياسيين، من خلال توظيف عبارات من قبيل: «حكومة جلالة الملك» أو «معارضة جلالة الملك»، ممارسة «لا تنتمي إلى الحداثة السياسية»، وعودة إلى الملكية التنفيذية التي تزعم أن للدولة برنامجها، وأن دور النخب التمثيلية هو تنفيذه فقط. الرهانات المتضاربة حينما تختبئ الحكومة وراء عبارة نحن «حكومة جلالة الملك»، فهي تسعى إلى التأكيد على الانسجام والتعاون معه بدل التنازع. يعتبر مثل هذا الخطاب مربحا لها، خاصة تجاه الجهات واللوبيات التي تعتبر أن ولاءها هو للملك بالدرجة الأولى، وليس للحكومة. ولذلك، فجهات مثل الإدارة، ورجال الأعمال، والخارج، وأعيان الانتخابات الذني بواسطتهم استطاعت بعض أحزاب الأغلبية الاستمرار في الوجود، يهمهم كثيرا الاستماع إلى مثل تلك العبارات المطمئنة. لقد سبق لرئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أن كشف، أمام البرلمان، أنه عندما يتدخل الملك في عمل ما، فإن سرعة تحرك الإدارة تكون أقوى، على خلاف ما إذا كان ذلك العمل نفسه يتعلق فقط بالحكومة ووزرائها. بل كشف أن عبارته الشهيرة «عفا الله عما سلف» التي صرح بها في بداية حكمه سنة 2012 جاءت بعدما أدى الخطاب حول الاقتصاص من المفسدين ومحاربة الفساد إلى «ارتباك» في الإدارة، وكان لازما تهدئة الأجواء حتى تستطيع الحكومة الاستمرار في العمل، لأن حكومة من دون إدارة مقتنعة ببرنامجها، تعني لا شيء. في هذا الإطار، يمكن فهم تصريح بنكيران بأن الملك هو من يحكم، أو عبارته «أن الصلاحيات الأساسية للحكم بيد المؤسسة الملكية»، بينما صلاحيات الحكومة محددة في إطار باقي مؤسسات الدولة. وهي عبارة موجهة للخارج العربي والغربي، لذلك تم اختيار قناة «الحرة» لتصريف هذا الموقف عبرها لكن المعطي منجب، أستاذ التاريخ المعاصر، اعتبر أن تصريح بنكيران، هو «موقف معارض» للوضع، أي لاستمرار المؤسسة الملكية في احتكار وسائل الحكم، وهو موقف لن يستطيع زعماء المعارضة مثل حميد شباط أو ادريس لشكر التصريح به حتى وهم في موقع المعارضة، بينما يستطيع قادة العدالة والتنمية ذلك. مهما تكن حسابات بنكيران، ومهما بلغ الاختلال في ميزان القوى القائم، فإن عبارة «حكومة جلالة الملك»، تعتبر بالنسبة لخالد الرحموني «غير دستورية»، أما محمد بوبكري، أستاذ علم الاجتماع، فيعتبر أن تلك العبارة، مثلها مثل عبارة «معارضة جلالة الملك»، تعني «تخليا عن المسؤولية» من قبل زعماء الأغلبية والمعارضة على السواء، وتعني كذلك «إقرارا من هؤلاء الفاعلين أنهم عاجزين عن القيام بمهمتهم»، وبالتالي فهم ينفون عن أنفسهم صفة المواطنة». وهو وضع يكشف، بحسب بوبكر، أن المغرب يعاني من «فراغ مؤسساتي خطير»، حيث لا أحزاب ولا معارضة ولا حكومة ولا برلمان، فراغ يبعث على الخوف من المستقبل، حيث الشعب يعاني من الاحتقان في أعلى درجاته، وحيث «الإرهاب التكفيري» على الأبواب. حسابات لشكر وشباط حسابات المعارضة أيضاً لا تقل نفعية عن حسابات الحكومة، فهي ترمي من خلال استخدامها لعبارة «معارضة جلالة الملك» إلى أنها لا تعارض الملك بل تعارض الحكومة. المعطي منجب اعتبر أنها الرسالة الأبرز من وراء ذلك هي أنها «في خدمة الملكية»، وضمنيا يعني أنها تحاول القول إن العدالة والتنمية «لا يخدم الملكية». أبرز تصريح يكشف عن هذا المعنى، هو تصريح حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، في نفس البرنامج التلفزيوني (مباشرة معكم) حين قال إن حزب الاستقلال هو من «أعاد الملك إلى العرش». الرسالة الثانية التي تحرص عليها المعارضة كذلك موجهة إلى أعيان الانتخابات، هؤلاء الذين يبحثون دائماً عن الحزب الأقرب إلى السلطة، والأكثر ولاء للملك. مضمون رسالة لشكر لهؤلاء تقول «نحن الأقرب إلى المخزن والقصر»، وليس العدالة والتنمية. وهي تنطلق من معطى أساسي في الانتخابات يقول بأنه ليس هناك حزب سياسي قاد الحكومة وتراجع نفوذه الانتخابي، فالاتحاد الاشتراكي حين قاد حكومة التناوب حصل على أصوات ومقاعد أكبر من تلك التي قادته أول مرة الى مقاعد الحكم، ثم تكرر الأمر نفسه مع حزب الاستقلال حين قاد الحكومة بين 2007 و2011، لكنه حصل على مقاعد أكثر في البرلمان وعلى أصوات أكبر كذلك في انتخابات 25 نونبر 2011 وإن جاء في المرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية. لذلك يبدو أن أحزاب المعارضة تقرأ نتائج استطلاعات الرأي جيدا، والتي تكشف أن شعبية بن كيران لم تتراجع كثيرا منذ وصول حزبه إلى رئاسة الحكومة، خاصة في المدن، أما في العالم القروي فإن نفوذه يكبر ويتسع، بشكل لم يكن يتصوره حتى وهو في المعارضة. تطرح مثل هذه الحسابات مشكلة كبرى حول دور المعارضة. يرى حسن طارق أن المعارضة تتصور أن دورها ليس بلورة بديل لما هو قائم، بل القيام بدور يفرضه الموقع، أي أنها تمارس «معارضة الاضطرار»، ذلك أنها «تستبطن وظيفتها كمجرد لعبة أدوار» وبالتالي فهي تتصور أن جوهر مهمتها هي «المواجهة الميكانيكية والآلية لقرارات الحكومة»، وبالمقابل، «تتوقف عن استحضار مشروعها كبديل». وفي حالة مثل هذه تفقد الديمقراطية جوهرها الحي بما هو «نقاش الأفكار، المواجهة بين المشاريع والمشاريع المضادة، والصراع بين السياسات والسياسات البديلة»، وهو ما يعني في النهاية أن «الديمقراطية مجرد لعبة تبادل أقنعة»، ويعني أن «السياسيين يغيرون المواقع دون أن تتغير السياسات»، لأن «السياسات التي يمكن أن نعارضها اليوم بحكم إكراه الموقع يمكن أن نطبقها غدا بحكم تغير الموقع» كذلك. الرابح والخاسر في لعبة سياسية مثل هذه تبدو المؤسسة الملكية هي المستفيد الأكبر، إذ أن كل شيء يدور حولها، لكن ثمة رأي آخر يعتبر أن ما يجري هو «توريط لها». محمد الناجي، مؤرخ وأنتروبولوجي، يعتبر أن الاحتماء بالملكية، يرجع بالأساس إلى أن الأحزاب السياسية لا تتوفر على مشروع مرجعي تنطلق منه للمستقبل، الملكية وحدها من تتوفر على ذلك، ولكونها المؤسسة الوحيدة التي تتوفر على مشروع، فهذا يجعلها المحرك لكل العملية السياسية. أما الأحزاب فهي ضعيفة ومن دون مشروع سياسي، فالاتحاد الاشتراكي منقسم وأصبح ضعيفا، فين حين أن التقدم والاشتراكية لم يعد يساوي أي شيء من دون الأعيان. يعني ذلك بالنسبة للحكومة خاصة أن الملكية استرجعت كل ما تنازلت عنه خلال الربيع العربي، في دستور 2011، إذ عادت هي القوة المحورية والمركزية في الدولة، وجميع المؤسسات بما فيها الحكومة، التي يقودها حزب إسلامي، أصبحت تدين له بالطاعة والقبول. هذا الوضع يعد انتصارا بالنسبة للقوى المقتنعة بأن الربيع العربي قد أقفل، ويجب العودة إلى زمن الملكية التنفيذية. لكن بالمقابل، يرى البعض أن الاحتماء بالملكية هو محاولة «لتوريطها». خالد الرحموني يعتبر أن الدستور حدد صلاحيات كل المؤسسات، سواء المؤسسة الملكية أو الحكومة أو المعارضة أو الأحزاب، وأعطى للملكية اختصاصات فيما هو استراتيجي، وجعل منها حكما بين المؤسسات، على أساس أن تقوم كل مؤسسة بدورها المحدد لها دستوريا. ولذلك، حين تؤكد النخب السياسية عجزها، وتتخلى عن دورها، لتحتمي بالملكية، تكون قد تخلت عن دورها الدستوري، وعادت بالمغرب إلى ما قبل دستور 2011. وعليه، يتبين أن حسابات الأغلبية والمعارضة لها خاسر وليس مستفيد، والخاسر هو الانتقال نحو الديمقراطية. يرى الرحموني أن الضحية لمثل هذا النقاش هو «الممارسة الديمقراطية»، أي الفشل في إقرار استقلالية المؤسسات عن بعضها، وتوازنها وتكاملها، التي هي أساس العملية الديمقراطية في نهاية المطاف. بنكيران: الملك رئيسي ونحن حكومته لعل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، من أبرز السياسيين المغاربة الذين لا يملون من تكرار القول إن حكومته هي «حكومة جلالة الملك»، وبالتالي، فهو «ليس الرجل الذي يمكن أن يصطدم بالملك بسبب الصلاحيات أو غيرها». من بين آخر تصريحاته في هذا السياق، ما أدلى به لقناة «الحرة» الأمريكية، هذا الصيف، إذ اعتبر أن «الملك هو من يحكم»، وأكد أن المغرب «لا يمكنه أن ينجح بدون تعاون بين المؤسسة الملكية والبرلمان والحكومة»، وأكد مرة أخرى أن «توجهنا أن تكون علاقتنا مع المؤسسة الملكية على أفضل ما يرام، وخصوصا أنا». وتابع قائلا: «قلت للمغاربة بكل وضوح منذ أن عينني جلالة الملك، إذا كان المغاربة يبحثون عن رئيس حكومة يصطدم بملكهم، بسبب الصلاحيات وغيرها، فليبحثوا عن شخص آخر، فأنا لا أصلح لهم إذن». بنكيران يعتبر أن علاقته بالملك تحكمها الآية القرآنية: «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، فهي علاقة مبنية على الشرع، وليس على المحبة التي يمكن أن تتغير، حسب ما قاله بنكيران في لقاء جهوي لحزبه بالدارالبيضاء. وهذه العلاقة المبنية على الدين هي التي لجأ إليها لتبرير عدم حضوره إلى مكان فاجعة بوركون بالدارالبيضاء في يوليوز الماضي، حيث ردّ على أحزاب المعارضة التي انتقدته بقوله: «الملك إمامنا وينوب عنا جميعا»، فهو «قد قام بالواجب نيابة عن المغاربة كلهم». وردا على الانتقادات التي تتهمه بالتنازل عن صلاحياته للملك مقابل بحثه عن الثقة، قال بنكيران صراحة، وفي أكثر من مرة: «أقول لمن يقول إني تنازلت عن صلاحياتي لجلالة الملك، إن الملك رئيسي، ولم أتنازل له على صلاحيات»، مشيرا إلى أن «الملك يمارس صلاحياته، وأنا أمارس صلاحياتي، ولا أتقاسم معه السلطة». لكنه لم يجد حرجا في أن يؤكد لاحقا أن «الصلاحيات الأساسية للحكم في المغرب توجد بيد المؤسسة الملكية»، قبل أن يضيف: «نحن نترأس الحكومة ولدينا صلاحيات محددة في الدولة». فؤاد عالي الهمة.. صديق الملك لم يقل الهمة يوما أنه صديق الملك، ولا الملك تحدث عنه بصفته صديقا، بل يبدو حسب بعض المصادر أن هذه العبارة تزعج كثيرا المستشار الملكي، لكن الدراسة سويا في المعهد المولوي، والعمل جنبا لجنب لسنوات طويلة، والصور التي يظهر فيها الملك وهو يسوق سيارته وإلى جانبه المستشار فؤاد عالي الهمة، كلها مؤشرات بنيت عليها مقولة «صديق الملك» ظهرت تأثير علاقة الصداقة الشهيرة بين الملك ومستشاره فؤاد عالي الهمة عقب استقالته من وزارة الداخلية، لبناء مشروع سياسي تمثل، أولا، في «الحركة من أجل كل الديمقراطيين»، ثم في «حزب الأصالة والمعاصرة». الجميع يتحدث عن علاقة الصداقة بين الملك والهمة بحكم أن الجميع يعرف أنه زميل الملك منذ الدراسة في المعهد المولوي، قبل أن يعينه الحسن الثاني مديرا لديوان ولي العهد، ومنه إلى دواليب الدولة والحكم. علاقة الهمة بالملك محمد السادس تذكر كثيرا بالعلاقة التي جمعت بين والده، الملك الحسن الثاني ومستشاره المقرب، أحمد رضا اكديرة، مع فارق أن الأخيرين لم تجمعهما مقاعد الدراسة. لكن يبقى أن كليهما (اكديرة والهمة) استطاع بناء نفوذ سياسي كبير. وتعكس مقولة «صديق الملك»، في جانب منها، الطابع الشخصي للسلطة في المغرب، فالقرب من الملك ليس مسألة شخصية واجتماعية طبيعية، والصداقة تكون بين شخصين، ولا تكون بين شخص ومؤسسة، كالمؤسسة الملكية. عباس الفاسي: سأنفذ برنامج جلالة الملك مباشرة إثر تعيينه وزيرا أول عقب انتخابات 2007، وأثناء خروجه من القصر، فوجئ عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال حينها، بسؤال صحفي مباشر يسأله عن برنامجه الحكومي، ليرد أيضا وبشكل مباشر: «برنامجي هو برنامج جلالة الملك، وأنا جئت لأنفذ برنامج جلالته». لذلك، تجمع التحليلات على أن عهد حكومة عباس الفاسي عرف تمددا واسعا للملكية التنفيذية. فرغم أن تعيينه كان عودة إلى «المنهجية الديمقراطية»، باعتباره زعيم الحزب الفائز في انتخابات شتنبر 2007، إلا أن الطريقة التي «ولدت» بها حكومته كانت مثيرة للانتقاد، بسبب أنه تلقى أسماء أعضائها من مستشار ملكي جاءه في ليلة القدر بجامع القرويين بفاس حاملا في جيبه ورقة تضم لائحة الوزراء الذين اقترحهم الفاسي بدوره على الملك لتعيينهم. عباس ولكي يؤكد دعمه للملكية التنفيذية، اعتبر أن «المغرب ليس هو بريطانيا»، لأن «المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك يمكنه أن يتحفظ على قرارات المجلس الحكومي الذي يترأسه الوزير الأول». حصل هذا بالفعل حين صدر مرسوم عن الوزير الأول يلحق وكالات التنمية لأقاليم الشمال والجنوب والشرق بوزير الإسكان والتنمية المجالية، الأمر الذي رفضه القصر الملكي، الذي أصدر بلاغا بتاريخ 30/12/2008 أكد فيه «جلالة الملك الحفاظ على صلاحيات وكالات التنمية لأقاليم شمال وجنوب وشرق المغرب»، وهو ما كان يعني إلغاء مرسوم عباس الفاسي. هذا الأخير لم يعترض ولم يدافع عن قراره، بل اعتبر التدخل الملكي «تصحيحا لخطأ ارتكبته الحكومة»، وقال إنه «سعيد» بهذا التصحيح الملكي. أما ما يتعلق بدوره في السياسة الخارجية، فقد اعتبر عباس الفاسي أن دوره ينحصر في «تمثيل جلالة الملك في العديد من القمم»، وكذا «استقبال المسؤولين الأجانب أثناء زيارتهم المغرب»، وقال الفاسي إنه لا يشعر أبدا بأنه «مهمش»، رغم اعترافه صراحة بأن «صاحب الجلالة هو من يتحكم في أجندة انعقاد المجلس الوزاري». لشكر: نحن معارضة جلالة الملك في سياق الجدل مع نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي اعتبر الحكومة الحالية «حكومة جلالة الملك»، ردّ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، معترضا بقوله: «إذا كنتم أنتم حكومة جلالة الملك، فنحن معارضة جلالة الملك». لشكر اعتبر في برنامج تلفزيوني أن «الملك ملك كل المغاربة»، ودعا الحكومة إلى تجنب الاختباء وراء الملك، بالترويج لمقولة: «نحن حكومة جلالة الملك». لاحقا، وردّا على التعليقات التي أثارتها تصريحاته، والتي وصلت إلى حد تقدم أحد أعضاء المجلس الوطني للحزب، جواد بنعيسي، باستقالته من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قال لشكر إن تصريحه جاء في سياق الجدل والرد على تصريحات الوزير بنعبد الله. وقال لشكر إن حكومة بنكيران «تسعى إلى جرّ المعارضة إلى تمييع النقاش السياسي»، مشيرا إلى أنها حاولت مرارا «جرّ النقاش إلى صراعات سياسية فارغة، بدل تقديم رؤية وبرنامج واضح ودقيق للإصلاح الذي ترفع شعاره». وأضاف لشكر، حسب ما نشرته يومية «صحيفة الناس» في عددها ليوم الثلاثاء 23 شتنبر الجاري، «حكومة بنكيران تسعى إلى جر المعارضة إلى تمييع النقاش السياسي»، وهو ما استمرت في نهجه خلال حلقة البرنامج، «محاولة جر النقاش إلى صراعات سياسية فارغة، بدل تقديم رؤية الحكومة للإصلاح الذي ترفع شعاره». لكن استدراكات لشكر لم تنفعه في شيء، إذ سرعان ما انتشر فيديو على «اليوتيوب» يتضمن تصريحا له يعود إلى يناير من سنة 2012، ألقاه تحت قبة مجلس النواب وفي جلسة خاصة لهيكلة مجلس النواب وانتخاب أجهزته، بعد تعيين بنكيران رئيسا للحكومة وقبل تعيين باقي أعضاء الحكومة، حيث أثير جدل حول الصفة القانونية التي حضر بها وزراء حكومة عباس الفاسي، وبينهم لشكر نفسه إلى تلك الجلسة، لشكر حينها تبنى موقفا اعتبر فيه أنه ما دامت حكومة بنكيران لم تعين، فإن حكومة عباس الفاسي تعتبر حكومة تصريف أعمال مستمرة في عملها إلى حين تعيين وتنصيب الحكومة الجديدة، وقال كلمته الشهيرة: «أنا هنا وزير في حكومة جلالة الملك»، رغم أن دستور 2011 كان قد دخل حيّز التنفيذ، وهي مفارقة دفعت متتبعين إلى السخرية من تناقض تصريحات لشكر بين الأمس واليوم. بنعبد الله: نعم نحن حكومة جلالة الملك ولا داعي للمزايدة علينا رغم أن تصريحاته قليلة في هذا الشأن، إلا أن وزير السكنى والتعمير والأمين العام للتقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، تبنى المقولة نفسها مرتين على الأقل؛ الأولى، حين لم يذهب إلى مدينة الدارالبيضاء يوم انهارت ثلاث بنايات، بحي بوركون، على رؤوس قاطنيها، ما أودى بحياة أربعة مواطنين وجرح آخرين. وقد حضر الملك محمد السادس في موقع الحدث عدة مرات، في حين غاب وزراء الحكومة بمن فيهم رئيسها، عبد الإله بنكيران، ووزير السكنى والتعمير نبيل بنعبد الله، الأمر الذي أثار انتقادات حادة من أحزاب المعارضة ومن بعض جمعيات المجتمع المدني. على إثر ذلك، خرج بنكيران في مجلس النواب للدفاع عن موقف حكومته، والرد على المعارضة التي لم تزر قياداتها الضحايا والمتضررين في تلك الحادثة، مؤكدا أن زيارة الملك تكفي لأنه «إمام» هذه الأمة ينوب عن كل مكوناتها. تلاه نبيل بنعبد الله بتصريح قال فيه: «نحن حكومة جلالة الملك، وحين يحضر جلالة الملك لا يبقى الفضاء لشيء آخر». المرة الثانية التي تلفظ فيها بنعبد الله بتلك العبارة تمت في برنامج «مباشرة معكم»، حيث قام بالرد على اتهام متكرر أيضا لأحزاب المعارضة، التي ترى أن الحكومة تتبنى المشاريع الملكية وتنسبها إلى نفسها، وتعتبر أن الحكومة مؤسسة تنفيذية لها صلاحياتها واختصاصاتها في الدستور، وعليها، بالتالي، أن تضع مسافة بينها وبين المؤسسة الملكية التي منحها الدستور صلاحيات واختصاصات أخرى. بنعبد الله ردّ على ذلك بالقول: «نعم، نحن حكومة جلالة الملك، ولا داعي للمزايدة علينا في ذلك»، وأضاف أن ذلك هو الواقع سواء مع الحكومات السابقة أو الحكومات اللاحقة، كلها كانت وستكون «حكومات جلالة الملك»، لأن «الدستور الذي صوتنا عليه يقول ذلك». بنعبد الله، مثل باقي وزراء الحكومة، يعتبر أن المعارضة تسعى إلى خلق تنازع وتوتر غير موجود بين المؤسستين: الملكية والحكومة، فترد الحكومة على ذلك بالقول إنها حكومة جلالة الملك، تأكيدا للانسجام والتعاون والتكامل القائم بين الطرفين. الوفا.. مرشح جلالة الملك خلال المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال، الذي عرف صعود حميد شباط إلى منصب الأمين العام على حساب عبد الواحد الفاسي، وقع صراع بين المتنافسين، ما جعل الحزب الأعرق في تاريخ المغرب على شفا أزمة سياسية تهدده بالانشقاق، وهو ما نجا منه بصعوبة. خلال تلك الأزمة، استغل محمد الوفا الفرصة، ليستأذن الملك في الترشح لمنصب الأمين العام للحزب. يروي الوفا ذلك قائلا: «طلبت من جلالة الملك، باعتباري وزير التربية الوطنية أولا، وثانيا لأنني وزير في حكومة جلالة الملك، الإذن لي بالترشح للأمانة العامة، ولذلك فوفقا لأخلاقي ومروءتي والتقاليد، لا أريد أن يسمعها جلالة الملك من فم أحد، وطلبت من جلالته الترخيص لي بالترشح». ورغم أن الوفا أشار إلى أن عباس الفاسي، الأمين العام المنتهية ولايته آنذاك، كان حاضرا، إلا أن الوفا اعتبر أنه «يلعب في وسط حزب الاستقلال»، مؤكدا أنه «سبق أن قلت له إنه: يمكن تلعب على كلشي، ولكن ما تلعبش عليا أنا.. وأنا بزاف عليك، لأنني أنا طول حياتي واضح». انتقاد الوفا لعباس الفاسي بهذه الحدة سببه أن الأخير كان قد اتصل بدوره بالملك، يستبين رأيه في الموضوع، وحسب ما كشفه عباس لأعضاء في اللجنة التنفيذية حينها، فإن الملك أجابه بالقول: «أنا معنديش مرشح للأمانة العامة، وأنا معنديش علاقة بهذا الموضوع»، وبناء على ذلك، وقف عباس في وجه الوفا من خلال التعبئة ضد ترشحه، بالقول إن «محمد الوفا ليس مرشح جلالة الملك». سيطايل: أعرف الملك منذ كان وليا للعهد تعتبر سمير سيطايل من النافذين في الإعلام الرسمي، ويعتبرها البعض رمز «المخزن الإعلامي»، و«المرأة الحديدية» التي واجهت رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، علانية في وسائل الإعلام، وكما وقفت في وجه وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، حين أراد تمرير دفاتره في صيغتها الأولى. سيطايل، التي واجهت الحكومة في أكثر من ملف، اختارت هي أيضا إشهار ورقة صداقة الملك، وفؤاد عالي الهمة، لكي تؤكد أنها أيضا تتمتع بالنفوذ اللازم الذي يسمح لها بمواجهة رئيس الحكومة ووزرائه. في حوار لها مع «أخبار اليوم» (مارس 2013)، كشفت سيطايل أنها تعرف الملك محمد السادس منذ كان وليا للعهد، وأكدت أنها «تحدثت إليه عن الصحافة حينئذ، ولمست اهتمامه بقضايا الصحافة وإكراهاتها»، مؤكدة أنه «من العيب (حشومة) أن يقول أحدنا أنا أعرف الملك، أو على اتصال دائم به، أو أنني على علاقة خاصة به، لأن الملك ملك الجميع، ملك 33 مليون مغربي». سيطايل تعرف أيضا صديق الملك وأقرب المستشارين إليه، أي فؤاد عالي الهمة، إذ كشفت أن علاقتها به ترجع إلى 25 سنة مضت، وقالت في هذا الشأن: «علاقتي به خاصة، ولا علاقة لها بعملي، ويشرفني معرفة شخصية من عيار الهمة، وهو رجل محترم، وكل الذين التقوه أو يعرفونه يقدرون فيه هذا الجانب، وحبه لوطنه». إلياس العماري.. إلياس العمري صديق صديق الملك منذ بروز اسمه كفاعل سياسي يقف وراء حزب الأصالة والمعاصرة، لجأ إلياس العماري كثيرا إلى الورقة الرابحة «صديق صديق الملك»، أي فؤاد عالي الهمة. لكن في الأحداث الخاصة، قد يلجأ العماري بدوره إلى ورقة «صداقة الملك»، ففي أحداث «أكديم إزيك» سنة 2010، أنجزت 11 جمعية حقوقية تقريرا حول تلك الأحداث، ورد فيه اسم العماري، خلال التعرض للحوارات التي جرت بين السلطات واللجنة الممثلة للمحتجين، حضرها العماري، وتم تقديمه خلالها بأنه «صديق الملك». لكن العماري نفى أن يكون قد حصل ذلك في حوار صحفي له مع «الحياة الجديدة» (ع125)، وقال كلاما عاما يفهم منه أن «الشعب المغربي كله صديق للملك». أما عنه شخصيا فقال: «أنا صديق لأصدقائي، ورفيق لأصدقائي». في أبريل 2013، وعندما سئل على قناة «فرانس 24» عن صداقته للملك، ردّ العماري بقول غامض كذلك: «ليس صديقي لوحدي، لأنه ملك»، وإذن فهو «صديق كل الشعب المغربي». أما عن صداقته لفؤاد عالي الهمة، وقد أصبح مستشارا للملك، فقد قال يومها: «الهمة كان من مؤسسي حركة لكل الديمقراطيين، وحزب الأصالة والمعاصرة، ولأنني من المساهمين في هذا المشروع كذلك، وبحكم الانتساب المشترك إلى هذا المشروع، أصبح الهمة صديقي»، مشيرا إلى أن «الهمة وآخرين أصبحوا مجموعة أصدقاء حول المشروع»، بمعنى آخر أن الصداقة لم تكن قبل المشروع ولم تعد قائمة بعده. نور الدين عيوش: الملك صديقي نور الدين عيوش، رجل أعمال وفاعل مدني، اختار بدوره الإعلان، خلال مروره ببرنامج «مباشرة معكم» على القناة الثانية في نونبر 2013 حول اعتماد الدراجة في التعليم في مناظرة مع المفكر عبد الله العروي، عن صداقته للملك، وللمستشار فؤاد عالي الهمة كذلك. عيوش حضر إلى البرنامج للدفاع عن مشروعه المتمثل في إدماج الدارجة في التعليم، اعتمادا على توصيات ندوة دولية نظمتها مؤسسة زاكورة التي يترأسها، وعرفت حضور مستشارين للملك، أبرزهم فؤاد عالي الهمة وعمر عزيمان. وقال عيوش إن الضجة الرافضة لمشروعه بدأت منذ تلك الندوة التي حضرها مستشارو الملك. غير أنه استدرك قائلا: «بيني وبين الملك صداقة»، لكن «لم يسبق للملك أو القصر أن تدخل في عملي»، مشيرا إلى أن «القصر لا يتدخل في مثل هذه المبادرات»، مشيرا كذلك إلى أن الهمة لم يكن له أي دور كذلك في مبادرته الداعية إلى اعتماد الدراجة في التعليم. كان عيوش آخر من صرّح علانية بصداقته للملك، وعلى قناة عمومية، وفي موضوع مثير للخلاف، الأمر الذي جر عليه انتقادات قوية، اعتبرت أن عيوش لجأ إلى الاختفاء وراء الملك لترويج مشروع لا يحظى بالتأييد، وغير قادر على الإقناع بتبنيه في المنظومة التربوية المغربية.