قبل أن تنتهي السلطات من بناء السياج الحدودي مع الجزائر، الذي يمتد على أزيد من سبعين كيلومترا، اندلعت احتجاجات المهربين، الذين يقولون إن مصدر رزقهم توقف،بعد تشديد الخناق الأمني عليهم ومنعهم من ممارسة نشاطهم تحت طائلة الاعتقال. ما كانت السلطات تتخوف منه منذ أشهر حدث بالفعل على الشريط الحدودي. العشرات من المهربين ينتظمون في وقفات احتجاجية للمطالبة بتمكينهم من مزاولة نشاطهم بدون قيود أمنية، رافعين شعار: «سوا اليوم سوا غدا الخدمة ولا بد». هؤلاء المهربون تركوا دراجاتهم النارية وحميرهم المستعملة في نقل المحروقات من الجارة الشرقية، وحتى سياراتهم (المقاتلات)، والتحقوا بخط النار هذه المرة ليرفعوا الشعارات أمام حرس الحدود والسلطات المحلية، للدفاع عن لقمة عيشهم، كما يقولون. ربيع المهربين! وفي خضم العمل في السياج الذي يشيده المغرب على الشريط الحدودي مع الجارة الجزائر، لمسافة تتجاوز السبعين كيلومترا، لاحت في الأفق أزمة بين المهربين والسلطات المحلية، حيث إن العشرات منهم خرجوا إلى الشريط الحدودي، ونفذوا وقفات احتجاجية طلبا لتخفيف الضغط الأمني عليهم. في الأسبوع الماضي نفذ العديد من المهربين وقفة بدوار «أولاد السايح» الحدودي بنواحي وجدة، وقبل ذلك وقفة بالقرب من مركز الحراسة «الدوبة»، ولم يمض وقت طويل حتى خرج مجددا العشرات من المهربين للاحتجاج على ما آلت إليه أوضاعهم، حيث نظموا صباح أول أمس بدوار «أولاد الخير» بالجماعة القروية أهل أنكاد وقفة صباحية. «سوا اليوم سوا غدا الخدمة ولابد، هذا هو الشعار الرئيس الذي رفعناه»، يقول أحد المهربين المحتجين، قبل أن يضيف: «احتجاجاتنا سلمية تتوخى تحقيق هدف واحد، وكما الاحتجاجات السابقة رفعنا الأعلام الوطنية وصور جلالة الملك». المهربون رفعوا الأعلام الوطنية وصور الملك لبعث رسالة إلى السلطات، مفادها أن احتجاجاتهم ليست لها أي أبعاد سياسية، وإنما الغرض منها هو الدفاع عن لقمة العيش. «نحن حرسنا هذه الحدود على مدى السنوات الماضية، ونتعاون مع السلطات، ولم ولن نسمح بأن يمس أمن البلاد، وهمنا هو إطعام صغارنا»، يقول آخر. ويرى حسن عماري، الناشط الحقوقي، أن احتجاجات المهربين هي نتاج طبيعي لوضع شاذ على الحدود. «عندما يمس مصدر عيش المهربين، فانتظر احتجاجات من هذا النوع، لأن هؤلاء يعتمدون على هذا النشاط لتوفير لقمة عيشهم»، يقول عماري، قبل أن يكشف في تصريح ل« اليوم24» أن الضغط الأمني على هؤلاء المهربين خلق مشاكل اقتصادية برزت في مدن الجهة، وتجلت بالأساس في غياب المحروقات المهربة من السوق السوداء، وهي المحروقات التي تعتمد عليها شريحة مهمة من المواطنين لقضاء أغراضهم اليومية. على حافة الإفلاس خالد، أحد أبناء دوار الحمرة على بعد عدة كيلومترات من منفذ «روبان» الذي يستعمل في التهريب جنوبوجدة، يجلس القرفصاء في انتظار الفرج. «منذ أسبوع بالتمام والكمال لم أتمكن من الحصول على قطرة بنزين لأعيد بيعها، الحركة متوقفة على الشريط الحدودي، والوضع متأزم جدا»، يقول خالد، قبل أن يضيف: «في البداية كان الجزائريون هم الذين يشددون الإجراءات ويمنعون المهربين عندهم من تهريب البنزين، لكن اليوم نرى العكس، حيث إن السلطات المغربية هي التي تقف حاجزا أمام لقمة عيشنا». خالد واحد من بين العشرات من المهربين الذين أوشكوا على الإفلاس، بل إن العديد منهم أفلسوا بشكل فعلي، ولا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم المادية. «هذه الأزمة التي تعصف بنا كادت أن تدفعني إلى الإحجام عن تسجيل أبنائي في المدرسة هذه السنة، ليس لأنني أرفض تعليمهم لكن لم تعد لدي الإمكانيات المادية الكافية لمسايرة متطلباتهم»، يقول إبراهيم، وهو أيضا من المهربين الذين امتهنوا التهريب المعيشي على مدى سنوات. ووفق الشهادات التي استقتها «اليوم24» من العديد من المهربين، فإن الشريط الحدودي في منطقة «روبان»، الذي كان المتنفس الوحيد لهم، أصبح اليوم نقطة سوداء، وأصبحت هذه المنطقة مقترنة اليوم بالتشدد الأمني، بعدما كان المهربون من كل صوب وحدب يقصدونها لضمان قوت يومهم. لعنة السياج رغم أن الكثير من المهربين يرجعون أسباب خروجهم للاحتجاج إلى تشديد الخناق الأمني عليهم ومنعهم من ممارسة نشاطهم تحت طائلة الاعتقال «والسيزي»، فإن آخرين يقولون إن احتجاجاتهم لها علاقة بالسياج الذي قالت السلطات أثناء شروعها في تشييده إنه لن يمس المهربين الذين ينشطون في مجال التهريب المعيشي، حيث يؤكد العديدون منهم أن السياج خلق التفرقة بعدما اتضحت المناطق التي ستترك فيها السلطات «أبوابا» لممارسة النشاط كما سبق ووعدت، غير أن المحتجين يقولون إن السلطات لم تكن عادلة في الموضوع، وإن مهربين كبارا مارسوا ضغوطا لتمكينهم من أبواب بجانب ضيعاتهم الفلاحية التي يتخذونها قاعدة لممارسة نشاطهم، كما هو الحال بالنسبة إلى بارون تهريب اعتقل منذ أيام من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حيث أكد البعض أنه تمكن من جلب العشرات من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالتهريب المعيشي في المنطقة، ونفذوا وقفة احتجاجية على أساس أنهم مهربون يريدون الاستفادة من منفذ في تلك المنطقة، قبل أن تخضع السلطات لتلك الضغوط، وتترك منفذا كبيرا قدرته المصادر نفسها بعشرات الأمتار. المشاكل التي بدأ السياج يطرحها بحدة سبق للمنتخبين ممثلي السكان أن طرحوها قبل وقوعها في اجتماعاتهم السابقة مع السلطات الولائية «بحكم معرفتنا الجيدة بطبيعة المجتمع الذي يقطن الشريط الحدودي، وحاجياته، حيث أبدينا مخاوف من أن السياج المذكور ستكون له نتائج وآثار عكسية على شريحة مهمة من السكان»، يقول مصدر مسؤول بالجماعة القروية أهل أنكاد، قبل أن يؤكد، في تصريح ل« اليوم24»، أن السكان بدؤوا مؤخرا بتوجيه اللوم إليهم لأنهم لم يدافعوا عن مصالح المواطنين الذين يعتمدون على الحدود «لتوفير لقمة عيشهم». الوالي يحقق بعد تنامي أخبار الاحتجاجات ووصولها إلى المسؤول الأول على الجهة، بادر الوالي، محمد مهيدية، إلى إجراء اتصالات مع بعض المنتخبين بالمجالس القروية، وكشفت مصادر مطلعة أن الوالي يحقق في صحة ما يتداوله المهربون عن وجود ضغوطات لتمكين مهربين كبار، دون غيرهم، من منافذ، وما إذا كانت المنافذ التي تركتها السلطات سيستفيد منها جميع المهربين، أم إنها أنجزت على «المقاس» وتحت إلحاح مهربين بعينهم. أفتاتي وحجيرة مع المحتجين عمر حجيرة، رئيس الجماعة الحضرية لمدينة وجدة والبرلماني عن دائرة وجدة أنكاد، يرى أن احتجاجات ممتهني التهريب المعيشي «منطقية»، في ظل غياب البديل. «من حقهم الاحتجاج لأن الحكومة تتعامل مع هذه المنطقة وهذه الشريحة بمنطق غير سليم، وتعتبر أن قدر هؤلاء هو العيش من مداخيل التهريب»، يقول حجيرة، قبل أن يضيف، في تصريح ل« اليوم24»، أنه من الخطأ اعتبار أن هؤلاء «يعتمدون وسيظلون يعتمدون على نشاط التهريب، لأن مداخيل هذا النشاط تتغير وفق المناخ السياسي السائد». الحل، وفق حجيرة، يكمن في توفير مناصب شغل لضمان مدخول قار لهؤلاء، عبر تفعيل المناطق الصناعية الموجودة بالجهة، كالقطب التكنولوجي والقطب الفلاحي. ودعا حجيرة إلى فتح حوار مع الجارة الشرقية الجزائر لفتح الحدود، «هذا لا يعني أن مستقبلنا يجب أن يبقى مرهونا بالجارة الشرقية، فالمشاريع التي أطلقها جلالة الملك بالمنطقة الشرقية هدفها أن يولي سكان هذه المناطق وجههم شطر الرباط، سواء فتحت الحدود أو لم تفتح، ولا يجب أن يرهن مستقبلنا بالجزائريين»، يقول حجيرة مستدركا. ولم يختلف موقف البرلماني عبد العزيز أفتاتي عن موقف حجيرة من احتجاجات المهربين، غير أنه يرى أن الحل «السحري» يكمن في فتح الحدود، حيث قال: «فتح الحدود سيمكن من تنقل البضائع والأشخاص بشكل سلس، ومن العار أن يستمر هذا الوضع»، لكن في انتظار هذا الحل الذي يبدو أنه بعيد المنال بسبب «الإصرار» الجزائري على الإغلاق، «لا بد من توفير البديل، وهذه مهمة الحكومة والسلطات، فمشاكل سكان المنطقة ستظل قائمة إلى أن يتغير الوضع على الأرض». الاحتجاجات ستتواصل بعد الاحتجاجات التي خاضها المهربون، تدخلت السلطات والدرك لتهدئة الوضع، وقدمت لهم وعودا بتخفيف الإجراءات الأمنية عنهم، وتمكينهم من العمل، غير أن العديدين منهم هددوا بالعودة إلى الاحتجاج إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم. في هذا السياق توقع الناشط الحقوقي حسن عماري أن يستمر الاحتقان على الشريط الحدودي ما لم تغير السلطات المقاربة الأمنية. «إذا كانت السلطات تريد ضبط الحدود، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب شريحة مهمة من المواطنين»، يقول عماري.