إن سجن علي أنوزلا والمساس بالصحافيين عموما يزيد فقط في تلطيخ صورة البلاد التي حاول رجالات العهد الجديد أن يخففوا من الشوائب السوداء التي ظلت عالقة بها طيلة سنوات العهد السابق. يغمرني إحساس بالمرارة كلما تذكرت حماسي الساذج أو سذاجتي المفعمة بالحماس وأنا أخطو خطواتي الأولى، في التسعينيات من القرن الماضي، بالمعهد العالي للصحافة بالرباط قبل أن يتبع الموضة الفرنسية ويغير اسمه ليصبح «المعهد العالي للإعلام والاتصال». كنت أعتقد أنني أطأ حقلا خصبا ستزهر فيه الأحلام التي كانت في صدري.. لكن بعد انتهاء التكوين اكتشفت أن ميدان الصحافة والإعلام في بلادي حقل مليء بالألغام والخطوط الحمراء التي تمسي في مكان وتصبح في آخر.
تخففت مرغما من أحلامي، الواحد تلو الآخر، ووضعت قلمي المتحمس في جيبي ورحت أدرب النفس حتى تصير مثل بهلوان خرافي يتقن اللعب بالكلمات وهو يسير على خيط من دخان، بهلوان تعوّد مع الوقت على تسكين الخوف المزمن من تلاشي ذلك الخيط الهش بالسخرية المرة، وبالدعاء الأزلي: الله يعفو علينا من هاد الحرفة! وهذا أول ما أسعفني به لساني لما علمت صباح الثلاثاء الماضي باعتقال علي أنوزلا، مدير موقع «لكم» بالعربية، وبتهمة ثقيلة تحيل على «قانون الإرهاب»، وليس قانون الصحافة، هي نشر فيديو لتنظيم القاعدة يحرض على ارتكاب أعمال إرهابية ضد المغرب، مع العلم أن الموقع المذكور لم يتعمد نشر الشريط ولا أشاد بمضمونه، بل أورد، على سبيل الإخبار وليس التحريض، رابطا لمقال الصحافي الإسباني إنياسيو سامبريرو الذي تضمن بدوره رابطا يفضي إلى هذا الشريط. إن سجن علي أنوزلا أو أي صحافي آخر ليس هو السبيل للتصدي للتحريض على القتل والإرهاب، خاصة وقد بات بإمكان أي أحد اليوم أن يشاهد ما يريد ويحصل على ما يريد (بما فيه تعلم كيفية صنع القنابل والعبوات المتفجرة) بنقرة خفيفة على حاسوب خفيف أيضا وفي أي مكان. وتَجَنُد مجموعة من الأحزاب ضده لن يكف المتطرفين عن محاولة ضرب المغرب والمغاربة، وتحريض الصحافيين بعضهم على بعض لن يوقف الإرهابيين استهداف البلاد والعباد. إن سجن علي أنوزلا والمساس بالصحافيين عموما يزيد فقط في تلطيخ صورة البلاد التي حاول رجالات العهد الجديد أن يخففوا من الشوائب السوداء التي ظلت عالقة بها طيلة سنوات العهد السابق. والخطير أن عملية التلطيخ الجديدة جرت بسرعة وتمت قبل أن يرتد الطرف إلى ذلك الذي أمر(أو أولئك الذين أمروا) باعتقاله. فبنقرة بسيطة انتشر الخبر في كل مكان وعادت إلى أذهان العالم صورة ذلك المغرب باعتباره جحيما تكتوي فيه حرية التعبير بنار القمع. أما السبيل الأفضل للتصدي للإرهاب فهو الكف عن تضييع الجهود في تحريك الخطوط الحمراء ووضع الألغام، وتحريك البعض ضد البعض، والالتفات إلى مهمة أكثر أهمية هي العمل على تجفيف الينابيع التي يرتوي منها الإرهابيون وينسجون منها مادتهم التحريضية بحرفية كبيرة. وتتمثل هذه الينابيع في عاهاتنا المؤسساتية والاجتماعية، وهي كثيرة، ولعلنا لم نعد نرى عددا مهما منها من فرط ما تعودنا عليها. وأول عاهة يجب معالجتها هو الكائن المغربي الذي يعاني من هشاشة مفرطة، وكما يقول عبد الله العروبي لدينا «ضغط على شخصية الفرد وإهمالا لكل ما يمكن أن يدفع إلى ازدهارها»، ولعل هذا ما أدى Share on Facebook Tweet --