أعاد الملتقى البرلماني للجهات في نسخته الرابعة الذي نظم مؤخرا من قبل مجلس المستشارين، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، ورش الجهوية المتقدمة إلى صدارة انشغالات الحكومة. وتجسد نجاح الملتقى المنظم بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات تحت شعار "مأسسة النهج التعاقدي: دعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة"، في بلورة توصيات ذات أبعاد إستراتيجية تروم تسريع تنزيل الجهوية المتقدمة وإرساء آليات لتقييم السياسة الجهوية للدولة. وتميز الملتقى بمشاركة أزيد من 400 عضو 139 منهم يمثلون مجالس الجهات، بحضور 8 رؤساء جهات شخصيا، كما تميز بحضور الوالي المدير العام للجماعات الترابية بالنيابة و5 عمال بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية، إضافة إلى أزيد من 40 ممثلا للجامعات ومؤسسات التعاليم العالي ببلادنا ضمنهم رؤساء وعمداء جامعات وكليات ومدراء مؤسسات التعليم العالي بمختلف جهات المملكة، فضلا عن خبراء مغاربة مهتمين بموضوع الجهوية المتقدمة. وعرف الملتقى مشاركة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات كشركاء لمجلس المستشارين في تنظيم هذه التظاهرة الكبرى التي أضحت تقليدا سنويا، كما تميز بحضور رئيس مؤتمر السلطات المحلية والجهوية لدى مجلس أوروبا. وتكمن أهمية تنظيم هذا الملتقى، كما قال رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، يأتي في سياق الوعي بالمسؤولية في مصاحبة ومواكبة أجرأة هذا التحول المجالي، من منطلق ما خص به الدستور من أحكام المجلس، سيما وأن ثلث أخماس مكوناته تنحدر من الجماعات الترابية، إضافة وهذا هو الأهم السعي إلى أن يكون "برلمان الجهات"، من خلال تجويد التشريع النافذ، والدفع بإخراج النصوص التنظيمية التي يتوقف عليها إعمال القانون التنظيمي المعني، وتقييم أداء التعاطي الحكومي في الموضوع، بالإضافة إلى تنظيم مبادرات ترمي إلى إرساء تقليد للتفكير الجماعي، بما يتيحه من عرض التجارب، وتقاسمها، واستعراض المعيقات، والبحث عن مداخل لرفعها وتجاوزها. وجاء اختيار شعار النسخة الرابعة للملتقى في أهدافه وما يتيح من إمكانيات هامة لملامسة بشكل اكبر مجالات فعل الجهوية، وهو الأمر الذي أبرزه رئيس المجلس من كونه يروم تسليط مزيد من الضوء على آلية ومنهج التعاقد كأسلوب جديد للعمل بين الدولة والجهات بما تتيحه من شراكة مؤسساتية، وما تصبو إليه من التقائية وتنسيق بين الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، وبين مثيلاتها على المستوى الجهوي، لا سيما في سياق وطني يعرف تحولات عميقة ومشاريع وطنية كبرى، لعل أهمها الرهانات الجديدة للاستثمار، والورش الكبير للحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تحديات غير معهودة، وعلى رأسها التغيرات المناخية ومعضلة الجفاف، بما ترتب عنها من شح الموارد المادية، وأثر ذلك على السياسات العمومية في كليتها. وشدد النعم ميارة المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق أعضاء المجلس في متابعة مخرجات الملتقى على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، في أفق المساهمة في إنجاح هذا الورش الاستراتيجي الذي يرعاه الملك، والتعجيل بإنهاء مرحلة تأسيسية، للانتقال إلى مرحلة الاشتغال العادي للمجلس الجهوية لمواجهة تحديات تنمية الإنسان والمجال. هذا وتوجت النسخة الرابعة من الملتقى الذي عرف نقاشا غنيا بين مختلف الفعاليات المشاركة، بالتوقيع على اتفاقية بين رئيس مجلس المستشارين ورؤساء جمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات، واعتماد وثيقة ختامية تضمنت توصيات تأسيسية وتوجيهية تضم اقتراحات ذات أبعاد إستراتيجية تروم في مجملها التأكيد على الأهمية القصوى التي يكتسيها النهج التعاقدي في تأطير العلاقات بين الدولة والجهات، وبين الدولة وباقي أصناف الجماعات الترابية، وبين المجالس الترابية المنتخبة فيما بينها. وقد ضمت الوثيقة الختامية كذلك توصيات داعمة لبناء القدرات التفاوضية والتعاقدية للجماعات الترابية الغاية منها تأهيل المنتخبين والاطر الإدارية المحلية وتعزيز قدراتهم على مواجهة التحديات التي يتطلبها التعاقد، لاسيما في علاقة الجماعات الترابية بالدولة. كما ضمت مقترحات باستثمار كل الإمكانات التنظيمية المتاحة لدى مجلس المستشارين لإحداث آلية مؤسساتية تتولى تقييم تجربة تنزيل الجهوية المتقدمة وتجميع المعطيات المحينة ذات الصلة، وتشكيل خلية تتولى رصد وتحديث البيانات ذات الصلة بشكل دائم ومنتظم، واستثمارها ضمن قاعدة بيانات مندمجة. ويندرج تنظيم الملتقى البرلماني للجهات في إطار إستراتيجية المجلس الهادفة إلى احتضان النقاش العمومي والحوار المجتمعي التعددي حول القضايا الراهنة، إذ بات يشكل فضاء سنويا للنقاش الغني والفعال بين مختلف الفاعلين حول مختلف الجوانب المتعلقة بورش الجهوية المتقدمة بهدف البحث عن السبل الكفيلة بتعزيز ودعم نظام الجهوية المتقدمة لتوطيد أسسه وإبراز الآفاق الواسعة التي يفتحها هذا الورش الإصلاحي الكبير أمام تقدم وازدهار المغرب.