ويحمل الفلاحون من خارج مناطق زراعة الكيف حلم تحقيق في ذلك أرباح مرتفعة يتوقعون جنيها من هذه الزراعة، وهو الحلم الذي يبدو أشبه بسراب منذ 2008 والنقاش حول تقنين زراعة الكيف (القنب الهندي) مطروح للنقاش في الساحة الوطنية، حيث ظل هذا الموضوع طوال الست سنوات الماضية محط جدال واسع إلى أن وصل إلى مرحلته الحالية، حيث بدأت بعض الأحزاب السياسية المغربية (الاستقلال والأصالة والمعاصرة)، تتجه لإيجاد إطار قانوني يقنن الإنتاج والاستغلال لأغراض طبية وصناعية، عوض أن يقتصر دورها على التخدير. لكن إلى أي مدى سيساهم التقنين وفق المنظور الذي طرحه الحزبين في إنهاء الجدال حول موضوع عمر لأزيد من 5 عقود؟ بالتزامن مع توجه الاستقلال إلى البرلمان برز على الساحة الوطنية نقاش لا يقل أهمية عن مسألة التقنين، حيث بدأت بعض الأصوات من خارج المناطق التاريخية لزراعة هذه النبتة تتحدث عن «حق مضمون طبقا للقانون، أو بالأحرى طبقا للمبدإ الدستوري الذي يقول بأن المواطنين سواسية أمام القانون، فطرح سؤال هل سيمكن تقنين زراعة الكيف في مختلف مناطق المغرب؟ أي حتى المناطق التي لم تعرف يوما هذه الزراعة؟ الكيف لفلاحي المغرب كلهم! المقترح الوحيد الذي قدم إلى البرلمان والذي بلغ حاليا مرحلة النقاش في لجنة القطاعات الإنتاجية، والذي نهل كثيرا من المقترح الذي وضعه «الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف» لم يمض عليه وقت طويل، حتى ظهر إلى العلن من يطالب بتمكينه في ظل أي قانون سيصدر بهذا الخصوص الحق في الزراعة. في هذا السياق، وجهت «الجمعية الجهوية لمنتجي الحبوب بمنطقة الشاوية»، ملتمسا قالت إنه «يستند إلى دورها الفعال في مجال التجميع داخل برنامج المغرب الأخضر، ونظرا إلى توفرها على الإمكانيات المادية والبشرية، وكذا التنظيمية التي تخول لها الاشتغال في هذه الزراعة وضمان إنجاحها على غرار الأعشاب الطبية التي تعرف زراعتها تطورا ملموسا بمنطقة الشاوية، وضمانا لإنتاج هذه النبتة وتسويقها للصناعة الصيدلية». الملتمس الذي وجهته إلى كريم غلاب رئيس مجلس النواب، قالت بأنه يرمي إلى «جعل مقترح قانون تقنين زراعة نبتة القنب الهندي يشمل جميع الفلاحين المغاربة بجميع المناطق الفلاحية بالمغرب، وليس حصره على المناطق الجبلية فقط، حتى تتحقق المساواة أمام القانون وتضمن دستورية القوانين». الجمعية وعلى لسان رئيسها الفاطمي بوكريزية الذي كشف ل»اليوم24، أن الملتمس المقدم لرئيس مجلس النواب نابع من «قناعة وخبرة»، وبالتالي، فدفاعهم عن حقهم وحق باقي الفلاحين المغاربة بأن تصبح الزراعة معممة،»مسألة لا جدال فيها»، وفي حالة صدور قانون لا يستجيب لمضامين الملتمس «ستدفع الجمعية في اتجاه إسقاطه عبر إثارة عدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية لخرقه مبدأ المساواة أمام القانون». وإذا كانت الدعوة تستند إلى «مرتكزات منطقية» وفق بوكريزية، فإن إلياس أعراب الفاعل الجمعوي بمنطقة «بني أحمد إمكزن» إحدى مناطق زراعة الكيف، رأى بأنه «لا يوجد دافع منطقي لمثل هذا الطلب»، فالمشاريع المقترحة واليوم الدراسي الذي نظم بالبرلمان من قبل الأصالة والمعاصرة «لم تقدم أي أرقام أو توقعات تفيد بأن تقنين الكيف واستعماله طبيا وصناعيا سيوفر مداخيل كبيرة للفلاح، فهذه الاقتراحات لم تقدم الضمانات اللازمة للفلاح الذي يزرع النبتة حاليا، بالأحرى أن تكون إغراء لفلاحي المناطق الأخرى، خاصة التي تتوفر على أراضي زراعية جيدة بالمقارنة مع مناطق الريف الغربي». أعراب يعتبر مسألة التقنين بحد ذاتها مسألة ليست بالهينة إذ «لا يمكن الجزم بأن تقنين الكيف والاستعمالات الأخرى له ستجد الطريق إلى التنفيذ بسهولة مطلقة، فاستعمال الكيف صناعيا وطبيا يحتاج إلى مختبرات ومصانع وغيرها»، سبب كاف لدفع المتحدث نفسه إلى التساؤل «ما الذي أغرى إذن فلاحي الشاوية لتقديم طلبهم في هذا الوقت بالذات؟». نظام التقديرات ..كلمة السر! في تقنين القنب الهندي تكمن الكثير من التفاصيل، فالمتخصصون والمتابعون لتطور هذه الزراعة يبدون تحفظا كبيرا على الكثير مما يقال عن الموضوع «ما يجب معرفته فيما يتعلق بالكيف الطبي أو الترفيهي، فإن الكميات القصوى المسموح إنتاجها لا تحددها الدولة و لا أي جهة داخلية، بل تحددها الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة وفق نظام يسمى نظام التقديرات»، يقول شكيب الخياري، صاحب أول مشروع للتقنين، ورئيس «الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف»، وبالتالي، وفق هذا المعطى،» القانون هنا لا يستثني، ولكن هناك نظام تقديرات يضع مناطق المغرب كلها في خانة المستفيدة، وفق ترتيب يخضع للنظام السابق، ومن ثمة ستكون الأولوية للمناطق التاريخية ثم تليها باقي مناطق المغرب الأخرى». هذا النظام وفق المتحدث نفسه «يشمل كافة العقاقير المخدرة المشروعة المستعملة في المجالين الطبي والعلمي، حيث تحدد الهيئة الكمية الحصرية التي يحق للدولة التوفر عليها خلال سنة، وهو أمر جار في المغرب، ومن ثم، فإن المساحات المزروعة بالكيف الطبي أو الترفيهي بالضرورة أن تكون محددة وفق نظام التقديرات، ما يعني أنه لا يمكن أن يتم الترخيص بذلك لكافة مناطق المغرب». وبما أن المناطق التاريخية معنية بالدرجة الأولى بالتقنين، فإن منح التراخيص للمناطق التاريخية هي مسألة بديهية، حيث "يتم لاحقا الانتقال إلى خارجها وفق ترتيب يجب أن يحدده القانون، وإذا كانت الكميات المنتجة داخل المناطق التاريخية يساوي تقديرات المغرب من الكيف الطبي فلا يمكن الزيادة على ذلك، وإلا أصبح المغرب في وضع المخالف للاتفاقيات الأممية لمحاربة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، والشيء نفسه إذا تم الترخيص في كامل تراب المناطق التاريخية للكيف وفق التقديرات الخاصة بالمغرب»، يؤكد الخياري. أما بالنسبة إلى الكيف الصناعي، فهو نوع من الكيف درجة المادة المخدرة فيه ضئيلة لا تتعدى0,2% وفق المعايير الأوروبية، ولا يصلح للاستعمال الترفيهي، ولا تشمله الاتفاقيات الثلاث لمحاربة الاتجار غير المشروع بالمخدرات ومن ضمنها نظام التقديرات، ويمكن زراعته بأي كمية كما يمكن للدولة أن تحدد المساحات بنفسها، والدولة حسب الخياري قامت من خلال المعهد الوطني للبحث الزراعي، ومختبر الأبحاث والتحاليل التقنية والعلمية التابع للدرك الملكي بإنجاز تجارب لزراعة عينات من الكيف الصناعي، من الفترة الممتدة من 19 أبريل 2010 و10 غشت 2010، بكل من علال التازي، و صفرو، وبني ملال و أكادير، وخلصت بنجاح تلك المحاولات. البرلمان ليس من حقه! المتابعون للشأن العام بمنطقة الريف يعرفون جيدا أن ملف القنب الهندي هو وقود الصراع السياسي الذي برز بالمنطقة بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة، وهو ما يفسر هذا التسابق المحموم لوضع واقتراح إطار تشريعي يحمي في النهاية المزارعين وعائلاتهم الذين يشكلون كتلة ناخبة تقدر بعشرات الآلاف. لكن هل البرلمان هو الوجهة الصحيحة لوضع إطار ينظم ويقنن هذه الزراعة؟ ابن يونس المرزوقي أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول يجيب عن السؤال بالتأكيد على أن البرلمان يضع التشريعات المسندة إليه صراحة بفصول من الدستور، وعلى سبيل الحصر تلك الواردة في الفصل 71 من الدستور، وهي المجالات التي لم يرد فيها القنب الهندي، وبالتالي، لا يحق للبرلمان وفق المتحدث نفسه إصدار قانون يقنن هذا الوضع. وحتى التقنين في إطار وكالة وطنية أو جهوية وفق المصدر نفسه، فإن الوكالة أو فلسفة إحداث الوكالة، تستلزم توفر شرط الحاجة الماسة إلى المرفق العمومي الذي يدبر، «فكيف إذن يمكن اعتبار الكيف حاجة ماسة للمواطنين؟» يتساءل المرزوقي.