ما إن تطأ قدمك الطريق المؤدية إلى دوار "برغة" وشاطئه، حتى تفاجأ بمشهد غريب، حيث العشرات من الشاحنات تسابق بعضها البعض، وهي تسير بسرعة جنونية في كلا الاتجاهين، بالرغم من ضيق الخط الطرقي، حيث تكتظ الطريق المعبدة التي تؤدي إلى الطريق الوطنية رقم 1. نهب ليل نهار ففي البداية تصطف الشاحنات بالقرب من شاطئ "برغة" الواقع بتراب الجماعة القروية العوامرة، قبل أن تلج إليه تباعا وبانتظام، ليشرع العشرات من عمال "المعاول" الذين يقضون بالتناوب جل ساعات اليوم وسط موقع المقلع العشوائي، حيث ينطلقون في الساعات الأولى من فجر كل يوم، ويستمرون هنالك حتى منتصف الليل، في شحن أكوام الرمال على متن الشاحنات، الواحدة تلو الأخرى، وكأن الأمر يتعلق بمقلع مرخص له باستخراج الرمال. ونفس الأمر يحدث بشاطئ دوار "الغديرة" المحسوب على المدار الحضري للعرائش، إذ تقصده أكثر من 40 شاحنة، تؤكد مصادر متطابقة ل"اليوم24″ وهي تحكي كيف يتم نهب الرمال، التي تسمى ب"الحمرة" و"الحرشة" وهي رمال يمنع مبدئيا التصرف فيها. ينتظر العشرات من شبان الدوار تراجع مياه البحر أثناء حركة الجزر، فيعملون على جمع أكوام من الرمال البحرية بواسطة "المعاول"، ثم شحنها تباعا على متن الشاحنات، فكل مجموعة من الشبان تلتزم بجمع الرمال لشخص معين يكون هو صاحب شاحنة واحدة أو أكثر، مقابل مبلغ مالي متفق عليه. فعشرات الشاحنات تلج الشاطئ خلال كل فترات اليوم دون استثناء، أثناء الليل والنهار، حيث يحدد توقيت نقل الحمولة من طرف "منسق" كل مجموعة مكونة من أصحاب "المعاول"، فكلما اتصل به صاحب الشاحنة هاتفيا، إلا وأخبره المنسق بوفرة أكوام الرمال، يأمر "الباطرون" سائق الشاحنة بالانطلاق بسرعة في اتجاه الشاطئ الذي تحول إلى مقلع عشوائي، داع صيته لدى عموم سكان المدينة، وخصوصا سكان الأحياء التي تمر عبر شوارعها كل الشاحنات عندما تكون فارغة أثناء الذهاب، أو محملة بالرمال المنهوبة أثناء الإياب. وتحولت الشوارع التي تمر منها تلك الشاحنات، إلى حفر بسبب الحمولة الزائدة، وتقول مصادر متفرقة:"إنها تعبر الشوارع الرئيسية لأحياء المنار وشعبان )بالعرائش(وخلف المنطقة الصناعية، وأمام مرأى عموم الناس"، حيث يقوم "الباطرون" بمراقبة الطريق المؤدية من شاطئ "الغديرة" إلى حي المنار1، وإذا راوده شك حول عدم سلامة الطريق يخبر السائق بتغيير المسار، والمرور عبر مسلك سري، يخترق غابة "الأوسطال" التي تطل على الطريق الوطنية رقم 1. ويستغل هؤلاء بقعا أرضية بحي "شعبان"، كمستودعات عشوائية للرمال، تحضر إليها "شاحنة ضخمة" لنقل الرمال إلى وجهات خارج المدينة، ولإضفاء صبغة المشروعية على حمولتها وهي تخترق الطريق السيار، يسلم "الباطرون" إلى السائق "إيصالا"، بعدما يؤشر عليه بخاتم يحمل اسم شركة "وهمية" لنقل مواد البناء، سبق وأن أعلن عن تأسيسها لهذه الغاية بالضبط. "مقاتلات" تحصد البشر أمام التدخلات المحتشمة لكل الجهات المسؤولة عن وقف نزيف نهب الرمال، تحولت شاحنات سرقة الرمال إلى"مقاتلات" لا تتوقف عن حصد المزيد من الضحايا، حيث دهست شاحنة كانت محملة برمال منهوبة، مساء 13/ 02/ 2012، بملتقى طريق الجماعة القروية "زوادة" والطريق الوطنية رقم 1، "حفيظ الزناكي" وهو شاب كان يعمل حارسا بتعاونية نقل الرمال، حيث أوقف رفقة زملائه شاحنة محملة برمال منهوبة، وبينما طالب زملاؤه صاحب الشاحنة ب"إيصال" تمنحه التعاونية، تسلق الهالك الشاحنة لمعرفة صنف الرمال لتحديد المقلع الذي سرقت منه، في الوقت الذي حاول السائق التقدم إلى الأمام في محاولة للفرار، ليسقط الضحية تحت عجلات "المقاتلة"، حيث أصيب بنزيف حاد، على إثره فارق الحياة، لتتكرر المأساة مرة أخرى خلال مساء اليوم نفسه، حيث فاجأت شاحنة أخرى، كانت مشحونة برمال منهوبة، التلميذة "عيادة الهماز" أثناء مرورها بالطريق الوطنية رقم 1، وهي تغادر مؤسستها التعليمية، وبسبب الحادثة تمت إحالة سائقي الشاحنتين معا على أنظار النيابة العامة بابتدائية القصر الكبير، بتهم تخص " الضرب والجرح غير العمد المؤدي إلى الوفاة". وتستمر "المقاتلات" في حصد المزيد من الضحايا، حيث أودى حادث اصطدام شاحنة لنقل الرمال بكوخ من خشب بدوار "الغوازي"، كان بداخله خمسة عمال مياومين، أودى بحياة عامل مياوم "البشير كباب" وإصابة 4 آخرين بجروح متفاوتة، ناهيك عن الانقلاب المتكرر ل"المقاتلات" والحوادث التي تحدث بينها، بسبب السرعة المفرطة التي تخترق بها الطرق، سواء في الليل أو النهار، حيث تعددت مثلا هذه الحوادث التي لم تسفر عن ضحايا في الأرواح خلال سنة 2013.