يصل عدد المدمنين الذين يرغبون في العلاج من المخدرات بمدينة طنجة إلى حوالي 1000 شخص، يترددون على مركز «حسنونة» من أجل العلاج ضمن هذه الفئة، يبرز عدد من المدمنين كانت لهم رغبة قوية في العلاج، وقد تماثلوا له، وهم اليوم يطرقون أبواب حياة جديدة بعيدا عن المستنقعات التي ألقوا فيها بسبب الإدمان على المخدرات الصلبة. مدمنون اندمجوا مهنيا محمد. ب، واحد من المتعاطين للمخدرات الصلبة الذين تمكنوا من التحرر من سجن هذه المادة القاتلة، ويقول: «خضعت للعلاج لمدة سنة وثمانية أشهر، بعدما كنت مدمنا لسنوات بواسطة مادة الميطادون، وأجد نفسي اليوم قادرا على الاندماج، ولا أخشى أن أعود إلى تعاطي المخدرات». والميطادون مادة أفيونية قوية جدا، عبارة عن مسكن طويل المفعول يستخدم على نطاق واسع كبديل للمرضى الذين يحاولون محاربة الإدمان على الهيروين. محمد رجل متزوج وله ثلاث بنات، تمكن بواسطة جمعية «حسنونة» لمساندة متعاطي المخدرات من الحصول على عمل كبستاني داخل إحدى «الفيلات» . ويوضح قائلا إن: «أصحاب المنزل تخوفوا في البداية واعتقدوا أنني إنسان مدمن، وقد أتسبب لهم في متاعب، قبل أن تتدخل الجمعية وتطمئنهم بأني تماثلت للعلاج وقادر على العمل والاندماج المهني». يتقاضى هذا المدمن السابق أجرا يصل إلى 120 درهما في اليوم، لكنه يعمل يومين في الأسبوع، لذلك تفكر الجمعية في مساعدته للبحث عن عمل آخر موازي؛ حتى يستطيع مواكبة مصاريف أسرته الصغيرة. وإذا كان محمد قد تحول إلى بستاني، فإن توفيق خ، 46 سنة، يعتبر ضمن لائحة المستفيدين من برنامج الإدماج المهني بعد تماثله للعلاج، وهو الذي قضى ما يزيد عن 20 سنة وهو يتعاطى للمخدرات. يقول توفيق: «كنت موظفا في صندوق الضمان الاجتماعي، وبموازة ذلك كانت لدي قاعة للألعاب، كنت ميسور الحال، لكن إدماني على المخدرات دمر حياتي وأعادني إلى نقطة الصفر». دخل هذا المدمن السابق إلى السجن عدة مرات، وأحيل على مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، كان يحاول التخلص من المخدرات الصلبة، لكنه وجد صعوبة كبيرة في ذلك، قبل أن يلتحق بالجمعية المساندة للمتعاطين للمخدرات، حيث نجح في التخلص من إدمانه. بحسرة شديدة تحدث توفيق حول ضياع ماضيه، ويؤكد أنه مستعد الآن، للانخراط في الحياة العملية والمهنية. من جهته، يبرز عبد العزيز. ح، داخل الجمعية كواحد من الأشخاص الذين سيستفيدون من برنامج الإدماج المهني، ومن خلال شهادته بدا واثقا وقادرا على فتح محل لصناعة المفاتيح. ويقول عبد العزيز هذا، إنه فقط يحتاج إلى الدعم والمساندة من أجل إنجاح مشروعه الصغير. وإذا كان توفيق قضى 20 سنة، وهو يتعاطى للمخدرات، فإن عبد العزيز لم تمض سوى أربع سنوات على دخوله إلى عالم الإدمان، يجد نفسه الآن، وقد تماثل للعلاج. ويحلم هذا الشاب الذي لم يتجاوز ربيعه ال31 بتأسيس أسرة وشراء بيت، ليقطع بشكل كامل مع ماضيه الذي يصفه بالمؤلم. المدمنون يتزايدون وعلى غرار محمد وتوفيق وعبد العزيز، هناك العشرات بل المئات من المدمنين الذين يأملون في انتشالهم من براثين المخدرات. ويشير الإحصاء الذي كشف عنه المعالج النفسي محمد الصالحي إلى أن هناك حوالي 1000 شخص يرغبون في التخلص من الإدمان، بينما تظل أعداد المدمنين في طنجة غير معروفة بدقة. ويقول الصالحي، إن هناك دراستين حول تطور التعاطي للمخدرات بعاصمة البوغاز. إحداهما، أنجزت سنة 2005 والأخرى سنة 2010، ومن خلال الدراستين تبين أن عدد المدمنين ارتفع تدريجيا خلال هذه السنوات، إذ وصل العدد إلى حوالي 15 ألف مدمن كرقم تقديري. الخطير في الأمر وفق الدكتور الصالحي، أن الدراستين كشفتا أن المخدرات أخذت تغزو الفئات العمرية الصغيرة أكثر فأكثر. ويشرح الطبيب النفسي المتخصص في علاج المدمنين، أنه في التسعينات كان الولوج لعالم المخدرات يبدأ من سن 19 إلى 20 سنة، بينما الإدمان في السنوات الأخيرة يبدأ مع الأطفال القاصرين في سن 11 إلى 12 سنة. «عرضت علينا حالات داخل المركز، لم تتجاوز عمرها 12 سنة، كان المشهد مأساويا، أن ترى طفلا صغيرا مدمنا على مادة الهروين، وهو ما يزال في طور النمو، ويؤثر ذلك بشكل كبير على نموه العقلي والذهني وحتى النفسي»، يؤكد الصالحي. العلاج يتوقف على درجة الإدمان ونوع المخدر نظمت جمعية «حسنونة» لمساندة متعاطي المخدرات يوما دراسيا، مؤخرا، بمعهد العمل الاجتماعي بطنجة، حاول المشاركون فيه الإجابة عن سؤال أساسي وهو: هل بإمكان المدمنين أن يتحولوا إلى أشخاص أسوياء قادرين على الاندماج المهني، بعدما كانوا منحرفين وجانحين؟ «الاندماج المهني للمتعاطين للمخدرات يتوقف على نوعية المخدر ودرجة التعاطي، فالذي يتعاطى المخدرات الصلبة لا يمكن مقارنته مع الذي يتعاطي الحشيش أو الكيف أو ما يصطلح على بمخدر الشيرا»، يقول الطبيب النفسي محمد الصالحي. ويضيف المعالج النفسي، أن المريض يمكن توجيهه إلى المجال المهني بعد توازن حالته النفسية والمرضية، وتتراوح مدة التقييم ما بين شهرين إلى ثلاث سنوات، وهي مدة كافية يقول الصالحي، من أجل معرفة ما إذا كان المتعاطي للمخدرات له قدرة على الاندماج المهني. جمعية «حسنونة» لمساندة متعاطي المخدرات التي يرأسها، الحاج عنابة، من جهتها تقول، إن المرشحون للإدماج المهني هم أشخاص تخلوا عن تعاطي المخدرات، وقد كانوا يعالجون بمادة «الميطادون»، وهم اليوم قادرون على فتح ورشات عمل. تلعب الجمعية في مشروع الإدماج المهني لمتعاطي المخدرات، دور الوسيط بين المستفيدين وممولي مشاريع المدمنين. وفي هذا الصدد، يؤكد عنابة رئيس الجمعية: «هناك صعوبات كبيرة في عملية التمويل نظرا لطبيعة الأشخاص المستفيدين لكونهم كانوا متعاطين للمخدرات وعولجوا، لكنهم مع ذلك مازالوا يوصفون بكونهم مدمنين، وهو ما يصعب من هذه العملية». وكالة «الأنابيك» تعلب هي الأخرى دورا بارزا في مشروع الإدماج المهني للمتعاطين، ويتلخص دورها في عملية تسمى بالمصاحبة. سناء محسن مستشارة في مجال التشغيل تعرف المصاحبة فتقول، إنها عبارة عن ورشات تكوينية يستفيد منها المتعاطون للمخدرات. وتضيف مستشارة التشغيل، بأن المتعاطي للمخدرات ينبغي أن تكون له فكرة عن المقاولة والمشروع ودراسة الجدوى، وغير ذلك من الأمور التقنية التي يجب اطلاعه عليها. تحدثت المستشارة أيضا في هذا اليوم الدراسي عن مشروع التشغيل الذاتي. هذا المشروع هو مفتوح للجميع، وقد لا يكون مكلفا من الناحية المادية، وترى بأن المتعاطين يمكن توجيههم نحو هذا المشروع، لأنه يظل الأنسب لهم في ظل وجود صعوبة كبيرة في إدماجهم بمؤسسات أخرى. في هذا اليوم الدراسي أيضا، قدمت شهادات أشخاص كانوا مدمنين وخضعوا لعلاج «الميطادون»، ومنهم من وصلوا إلى المراحل الأخيرة للعلاج. هؤلاء الأشخاص تقول الجمعية المساندة لهم، إنهم تمكنوا من الإدماج المهني، بل إن منهم من أصبح فاعلا داخل الجمعية ويعمل إلى جانب أطر الجمعية في برنامج تقليص المخاطر.