يظل الانفلات من قبضة الإدمان وبناء حياة جديدة والتصالح مع الذات من الرغبات الملحة لدى من سقطوا ضحية المخدرات وتعَكّر صَفوُ حياتهم وحياة المحيطين بهم بسببها. وتمثل مؤسسات العلاج والتحسيس والتشخيص والوقاية من الإدمان وإعادة الإدماج الاجتماعي، وكذا مراكز العلاج السري والمجاني للأشخاص المدمنين التي تعرف نشاطا متزايدا بالمغرب، قارب النجاة من دوامة تدمير الذات ووسيلة للانبعاث من قلب الدمار، وبالتالي الاندماج في الحياة بروح جديدة. ويمر مسلسل علاج المدمنين عبر مراحل مختلفة تبدأ بعملية التخلص من السموم لتنتهي إلى إعادة التأهيل مرورا بفترة النقاهة والوقاية من الانتكاسات. رعاية مدمني المخدرات .. مسار محارب يقول الدكتور جلال توفيق مدير المركز الوطني للوقاية والعلاج والبحث في الإدمان، ومدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية، إنه بعد موافقة المدمن على عقد للعلاج يحدد له التزاماته إزاء قواعد الاستشفاء بالمركز، يستفيد المتعاطي من علاج للتخلص من السموم يساعده على الإقلاع عن المخدرات والتخلص من الآثار الناجمة عنها. وأوضح أن المدمن بمجرد أن يقلع عن المخدرات، يلجأ إلى البحث عن البديل أو الانخراط في ممارسات غير متوازنة، مشيرا إلى أنها مرحلة أساسية تمكن فريق العمل بالمركز من إعداد المريض وتهييئه للإندماج في محيطه الاجتماعي لا سيما عبر برامج متنوعة من شأنها أن تشغل بال المريض مثل بعض الألعاب وحصص استرخاء والرياضة والمطالعة ومتابعة البرامج بوسائل الإعلام. أما الدكتور محمد الصالحي نائب رئيس جمعية مساندة مركز الطب النفسي حسنونة بطنجة وطبيب نفسي لعلاج الإدمان فيرى أن «الميثادون» مادة بديلة عن مخدر الهرويين وتمثل أحد مكونات العلاج الكيميائي الذي يعتمد على استعمال الدواء المناسب للتخفيف من أعراض غياب المخدر وعلاج الحالة المرضية وكذا الأمراض المصاحبة للإدمان (الإحباط ، القلق، الاضطرابات النفسية). وفضلا عن العلاج الكيميائي يستفيد مرضى إدمان المخدرات من علاج نفسي علاوة على المواكبة التي توفرها جمعية حسنونة التي تدعم المركز في توفير الرعاية النفسية والاجتماعية لمتعاطي المخدرات. وفي هذا الصدد أبرز الدكتور جلال توفيق أنه بهدف الوقاية من أخطار الانتكاس، يعمد الفريق المعالج إلى تقييم الأمراض النفسية المصاحبة والتي يتم أخذها بعين الاعتبار خلال التدبير الشامل للحالة المرضية. وتأتي بعد ذلك عملية إعادة التأهيل كمرحلة أساسية، إذ بدونها يكون العلاج ناقصا ويرتفع خطر انتكاس الوضع الصحي. وتهدف هذه العملية إلى إدماج أوإعادة إدماج المريض في محيطه الخارجي وتمكينه من حياة عادية وجعله مواطنا فاعلا. المثابرة .. قاعدة ذهبية للخروج من النفق المظلم ويحذر الدكتور توفيق من أن الإدمان مرض مزمن وأن الانتكاسات تمثل القاعدة بينما يمثل الإقلاع النهائي ومن الوهلة الأولى الاستثناء ، موضحا أنه بالرغم من أن الإقلاع الفوري والنهائي هو المطلب الأساسي والهدف المتوخى فإن حدوثه لايتأتى إلا بعد شهور وأحيانا سنوات من بدء العلاج. ويرى أن طول مدة بقاء المريض داخل المركز وخضوعه للبرنامج العلاجي يعد أفضل مؤشر على نجاح المحاولة. وأبرز في هذا الإطار أن مركز سلا يتوفر على معدل احتضان للمريض يقارب 70 في المائة من مدة استشفاء مداها ستة أشهر، وهو ما يمثل أداء جيدا مقارنة مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال. وبالنسبة للدكتور الصالحي يبدو من الصعب تحقيق معدل يفوق 30 في المائة من نسبة الإقلاع عن تعاطي المخدرات، مستدركا أنه يبقى الأهم في هذا الخضم هو استمرار خضوع الفئة المستهدفة، وعلى نحو منتظم، للمتابعة والعلاج بالرغم من الانتكاسات المتكررة. ولاحظ في المقابل أن الخاضعين لعلاج طبي بديل بواسطة عقاري «الميثادون» و«المورفين» توقفوا عن تعاطي الهيروين لكنهم ظلوا تحت مراقبة طبية جيدة ولم يتم تسجيل آثار جانبية كبيرة على حياتهم أو حالاتهم الصحية. ويذكر أن المركز استقبل، منذ افتتاحه سنة 2004 ، أكثر من 3300 شخص من بينهم 600 شخص أقلعوا نهائيا ، فيما استهدفت المتابعة الطبية المنتظمة حوالي ألف شخص كانوا عرضة لانتكاسات متكررة لكنهم ظلوا يصرون على مواصلة برنامج علاجهم تحدوهم رغبة أكيدة في بلوغ مرحلة الإقلاع. ومن جهة أخرى ، تنبغي الإشارة إلى أن المتعاطين للمخدرات عن طريق الحقن يتعرضون بسهولة للإصابة بأمراض خطيرة كمرض فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) والتهاب الكبد والأمراض المنقولة جنسيا، وهو ما يجعل الوقاية والحد من المخاطر المرتبطة بهذه الممارسة هدفا تسعى إلى تحقيقه جميع مراكز التكفل بحالات الإدمان. التقليص من الممارسات المحفوفة بالمخاطر ذات الصلة بالإدمان وأوضح الدكتور توفيق أن البرامج المقترحة بهذا الخصوص تتمثل في تلقين ضحايا الإدمان عددا من الإجراءات بهدف التقليل من مخاطر العدوى بالأمراض التي قد تنجم عن تعاطي المخدرات خاصة في حالة وجود صعوبة في الإقلاع التام. وأضاف أن الأمر يتعلق بطريقة عملية تتوخى تقديم المساعدة للمدمنين غير المستعدين بعد للإقلاع، على تفادي الآثار السلبية لسلوكهم الإدماني، مشيرا إلى أن البرنامج يمنح بدائل كالميثادون للمدمنين على المواد الأفيونية وعوازل طبية ومحاقن بغية الحيلولة دون انتقال فيروس فقدان المناعة المكتسبة والتهاب الكبد. ومن جهته قال الدكتور الصالحي إن المركز الطبي للعلاج النفسي (حسنونة)، الذي حصل في نونبر 2009 على جائزة «مينا» تقديرا لجهوده في الوقاية من مخاطر تعاطي المخدرات يستقبل في المتوسط 100 شخص يوميا 80 في المائة منهم من المتعاطين لمادة الكوكايين و5.7 في المائة منهم من مدمني المخدرات عن طريق الحقن ، محذرا في هذا السياق من خطر الإصابة بالسيدا والتهاب الكبد بالنسبة لهذه الفئة الأخيرة. وبالنسبة للسيدة سمية الرشيدي المسؤولة عن القطب الاجتماعي بمركز الوقاية من خطر الإدمان بالرباط، فإن الهدف الأساسي للمركز هو تقديم تكوين خاص لمتعاطين سابقين (تمكنوا من الإقلاع) يؤهلهم لتقديم المساعدة والنصح للمتعاطين الذين لايزالون في طور البحث عن التعافي، وذلك بغية الاستفادة من عنصر القرب الكامن في تشابه أو تقارب تجارب الطرفين. وأوضحت أنه سيكون على المستفيدين من هذا التكوين تقريب برنامج المركز من المتعاطين للمخدرات وتحسيسهم بالآثار السلبية لهذه الآفة ومخاطر الإصابة بالأمراض المعدية ذات الصلة. مدمنون .. ومواطنون ويندرج ضمن مهام المراكز المتكفلة برعاية ضحايا الإدمان الذين غالبا ما يشعرون بالتهميش والإقصاء من قبل الآخرين، العمل على إدماج هذه الفئة اجتماعيا ومهنيا. وفي هذا الإطار وضعت جمعية مساندة المركز الطبي للعلاج النفسي (حسنونة) بطنجة، والتي تتوفر على تجربة مهمة في هذا المجال برنامجا لإعادة الإدماج الاجتماعي والتدخل لدى العائلات والجيران والسلطات والقضاة والمنظومة الصحية بغية تسهيل هذه العملية. واستحضر الدكتور الصالحي، في هذا السياق، الاتفاقيات التي أبرمتها الجمعية مع مقاولات مواطنة للمساعدة على إعادة إدماج هذه الفئة، مشيرا إلى أن مؤسسة محمد السادس لإعادة تأهيل السجناء اقترحت مواكبة الجمعية في إعادة إدماج متعاطين من ذوي السوابق. ومن جانبه، سجل ابراهيم عنابة أحد متدخلي القرب بمركز الوقاية من خطر إدمان المخدرات بالرباط ، أن النقاش مع متعاطي المخدرات، يكشف عن رغبة هؤلاء في الخروج من قبضة المخدر، لكن مصدر انزعاجهم الوحيد، يأتي من الشك، بل القناعة بأنهم سيكونون دائما عرضة للشبهة بسبب إدمانهم. ولفت السيد عنابة، الذي يقود عملا ميدانيا للكشف عن الأشخاص المرتهنين للمخدر بسبب الفراغ والعطالة وافتقاد وسائل الترفيه، الانتباه إلى أن ضحايا المخدرات يرغبون في الإحساس بأنهم مواطنون كاملو المواطنة والتمتع بكافة حقوقهم، والتعبير عن تطلعاتهم إلى حياة أفضل وظروف اجتماعية واقتصادية أكثر استقرارا. وكما أكد متدخلون في هذا المجال، يبقى النقص الملحوظ في عدد الممرضين والمساعدين الاجتماعيين والأطباء والأطباء النفسانيين والمربين ، عقبة كأداء أمام تكفل فعال بضحايا الإدمان.