في عمق منطقة حرجية خالية قرب مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة، يدخل سبعة مسلحين ملثمين يرتدون بزات عسكرية ويحملون رشاشات وقذائف من نوع "أر بي جي"، حفرة صغيرة في أسفل تلة رملية مغطاة بأغصان الأشجار تشكل مدخل نفق تحت الأرض. عصب المسلحون جباههم بشعار "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي التي يستعد مقاتلوها لمواجهة محتملة مع إسرائيل، بينما تصاعد التوتر خلال الأيام الماضية في محيط المسجد الأقصى وفي مناطق أخرى في الضفة الغربيةالمحتلة وبين القوات الإسرائيلية وقطاع غزة. ويقول مسؤول في سرايا القدس إن الأنفاق تستخدم ك"مراكز لعقد اجتماعات القيادات الميدانية وللاختباء". وبالنسبة إلى الناطق باسم سرايا القدس أبو حمزة، الأنفاق "سلاح استراتيجي للمقاومة"، معتبرا أنها تشكل "هاجس رعب للصهاينة جنودا ومستوطنين". يتكون سقف النفق الذي زارته وكالة فرانس برس ضمن جولة إعلامية نظمتها "سرايا القدس"، وجوانبه، من ألواح اسمنتية جاهزة وأرضية ترابية، وبالكاد يتسع لمرور شخص واحد تلو الآخر. على الجانبين، يمكن رؤية غرف صغيرة لتخزين الأسلحة زودت بالكهرباء وخطوط اتصالات أرضية مع فتحات تهوئة. ويطلق أهالي القطاع على شبكة الأنفاق السرية التي حفرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي اسم "المدينة الأرضية"، في حين تسميها إسرائيل "مترو حماس" أو "مترو غزة". وقد استهدفتها مرارا بالقصف والتدمير. ظهرت الأنفاق للمرة الأولى في القطاع في العام 2006 عندما استخدمت حماس أحدها لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط خلال هجوم على موقع حدودي في رفح في جنوب القطاع. وأفرجت الحركة عن شاليط في العام 2011 ضمن صفقة تبادل مع الفلسطينيين. وتكثف حفرها بعد بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة إثر سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007، وإقفال مصر معبر رفح المؤدي الى القطاع. وأقام الفلسطينيون أنفاقا على الحدود مع مصر استخدمت لتهريب مقاتلين واسلحة. ودمرت القوات المصرية العديد منها. ويبين أبو حمزة الذي رافق طاقم فرانس برس إلى داخل أحد الأنفاق، أن لدى حركته شبكة أنفاق هجومية وأخرى دفاعية. ويوضح أن الهجومية تستخدم "لأسر الجنود الإسرائيليين وصد التوغلات البرية وتنفيذ عملياتنا الميدانية المختلفة". ويقول بفخر إن فصائل المقاومة "فاجأت العدو باستخدام الأنفاق والصواريخ" خلال المواجهة العسكرية في ماي الماضي. ونهاية العام الماضي، انتهت إسرائيل من بناء حاجز فاصل مع قطاع غزة هو عبارة عن "جدار حديدي" يمتد ل 65 كيلومترا، ويتضمن "حاجزا تحت الأرض مزودا بأجهزة استشعار"، وسياجا ذكيا بارتفاع ستة أمتار ورادارات وكاميرات ونظاما للمراقبة البحرية، وفق المعلومات المنشورة. وقالت إسرائيل إنها بنته "للحد من التهديدات". لكن أبا حمزة يقول إن "الأيام والمعارك المقبلة ستظهر إمكانات المقاومة وسرايا القدس في اختراق هذا الجدار المزعوم" من دون تقديم مزيد من التفاصيل. ويضيف أن إسرائيل لا تعرف عن الأنفاق "شيئا، وهو سلاح يفاجئ العدو في كل مرة وسنعمل من خلاله للدفاع عن أرضنا ومقدساتنا وشعبنا". ويؤكد الجيش الإسرائيلي نجاحه خلال حروبه مع القطاع في تدمير الكثير من الأنفاق التي تستخدمها الفصائل المسلحة. لكن سرايا القدس وكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تؤكدان أنهما أعادتا بناء الأنفاق وترميمها وعوضتا الخسائر. ويقول أبو حمزة "العمل داخل الأنفاق جار على مدار الساعة، وتم ترميمها وتغذية المخزون الصاروخي بعد معركة سيف القدس" في ماي الماضي، مشيرا إلى أن "ما دمره الاحتلال جزء ضئيل جدا من أنفاق المقاومة وسرايا القدس". ويشير، مشيدا بالدعم الإيراني "اللا محدود عسكريا وماليا للمقاومة"، إلى أن العمل قائم باستمرار "على تطوير هذه الأنفاق وتطوير أهدافها". ولم يفصح المتحدث باسم سرايا القدس عن حجم شبكة الأنفاق أو عدد مقاتلي الحركة. لكن مصدرا في سرايا القدس يقول لفرانس برس إن لدى منظمته "شبكة أنفاق بطول عشرات الكيلومترات، وحوالى ثلاثين ألف عنصر ومقاتل في كافة التشكيلات العسكرية والأمنية للسرايا"، موضحا أن الأنفاق "تتوغل بعمق أراضينا المحتلة عام 48 وهي مرتبطة بمنظومة طائرات مسيرة". ووفقا للمصدر "تمتلك المقاومة صواريخ قوية جاهزة للإطلاق تغطي كل فلسطين". في أعقاب التصعيد بين الجانبين العام الماضي، قال رئيس حركة حماس يحيى السنوار إن حماس والفصائل الفلسطينية في غزة "جهزت أنفاقا تتجاوز 500 كلم" تحت أرض القطاع. ويقول الناطق باسم سرايا القدس إن التنسيق مع كتائب القسام "في أعلى مستوياته" في "إدارة الأنفاق ومنظومة الصواريخ". خارج أحد الأنفاق، تستظل مجموعة من المسلحين بأشجار حرجية ويحمل أفرادها قاذفات إلى جانب عدد من الصواريخ. ويقول أحدهم "تلقينا التعليمات بالتعبئة والنفير لأجل الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، نحن على أتم الجاهزية". وأضاف المسلح الملثم "الصواريخ على أهبة الاستعداد بانتظار قرار القيادة".