السيد صلاح الدين مزوار غاضب جدا من هذه الجريدة ومن كاتب هذه السطور، ولهذا أغلق على نفسه مكتبه في حي الرياض، وأغلق هاتفه، ودون أن يستمع لأحد أو تأتيه إشارة من أي كان جلس ليكتب بيانا طويلا عريضا يتهمني فيه بجرائم كبيرة، مثل التحامل على الحزب، والتهجم على رئيسه، واستفزاز الحمامة الزرقاء، واختلاق أخبار بلا مصادر. ولكي يطلق الرصاصة القاتلة، حسب توهمه، اتهمني بأني جزء من حملة مستمرة ومرسومة ومخطط لها، وهي حملة ذات أهداف سياسية لا تخفى على أحد. أحمد الله أنها حملة سياسية يا سيد مزوار، وليست مالية مثل تلك الحملة التي قدتها ولمدة أربع سنوات على المالية العمومية، وأنت في وزارة المالية، وجنيت من وراء «بريماتها» القانونية جدا، ملايين الدراهم نزلت في جيب سروالك الطويل، ولما نشرنا القصة بالوثائق كانت لك الجرأة لكي تخرج وتقول إن البريمات قانونية لكن نشرها مؤامرة لإعدام صوت معارض… يبدو أن مزوار من فرط «الأزمات» والمآزق التي عاشها طيلة السنتين الماضيتين، صار حساسا جدا، ومشاعره هشة للغاية، إلى درجة أن تحليلا سياسيا ومعلومات متداولة صارت تقلقه، وأنا أتفهم حساسيته هذه، خاصة وأن جراح استدعاء وزارة العدل للاستماع إليه في موضوع البريمات مازالت قائمة. ولأنه شخصية سياسية كبيرة وزعيم حزب مستقل، فإن الوكيل العام للملك في الرباط لم يجد بعض الوقت لاستدعائه رغم أن وزير العدل ذكره مرتين بالموضوع. هذه قصة أخرى سنرجع إليها فيما بعد. السيد مزوار، الذي دخل إلى الحزب على يد السيد إدريس جطو، لا يبدو أنه يعرف حزب الأحرار وتاريخه جيدا. لقد صور له بعض ممن ساعدوه على الانقلاب على مصطفى المنصوري أن الأحرار يمكن أن يصير حزبا ثوريا مستقلا، ومناضلا لا يشق له غبار. اقرأ ماذا يقول أحد مؤسسي هذا الحزب أيام كنت لاتزال على كراسي الدراسة. يقول عبد الله القادري، في حوار مطول مع الزميلة «المساء» عدد 2159: «لقد أسسنا التجمع الوطني للأحرار بأمر من الحسن الثاني والدولة دعمتنا… كان أحمد عصمان ضد نزول الحزب إلى الميدان وإلى البوادي والمدن لتأطير الناس. كان يقول: ريحو راسكم، في وقت الانتخابات الدولة ستعطينا النصيب ديالنا»… دعنا من التاريخ فهذا فن لا يستهوي لاعب كرة السلة الذي يتقن فن «القفز» والمناورة. لنبق في الحاضر يا سيد مزوار. أنت كيف دخلت إلى هذا الحزب وصرت وزيرا للتجارة باسمه؟ أنت جئت إلى الوزارة تحت «الرعاية السامية للسيد إدريس جطو»، الذي اختارك من قطاع النسيج، ودخلت إلى حكومته وأنت لا تعرف مصطفى المنصوري، رئيس الحزب، ومن مكر الصدف أنك ستقود انقلابا على هذا الأخير، فقط لأنه كان يريد أن يبقى الحزب في ثوبه الأول، ولم يرغب في ركوب مغامرة الجرار، رغم أنه لم يكن يعترض على الحرفة الجديدة التي أصبح الحزب يقوم بها، وهي صباغة مشاريع الوزراء دقائق قبل تسلمهم ظهائر التعيين، كما وقع مع أخنوش وبلخياط ونوال المتوكل وياسر الزناكي… لو تذكر يا سيد مزوار. حزبك كان ولايزال وسيبقى حزب الدولة، ويوم يتغير نمط الاقتراع وجهة الإشراف على الانتخابات ستنقرض أحزاب كثيرة، ومنها حزب الأحرار، لهذا لا داعي للبحث عن «عذرية» مستحيلة، وطبق المثل الذي يقول: «نعيش سعداء عندما نعيش في الظل». أما هذه الجريدة ومديرها وطاقم تحريرها فلا يشتغلون بأية أجندة سياسية. مهمتنا أن ننقل للقراء ما يجري فوق المسرح وما يدور تحته، أما آراؤنا فهي ليست مهمة بقدر أهمية وظيفة الإخبار وأن نكون مرآة مهنية وصافية لنقل الأحداث دون تحريف ودون شعوذة، ودون «طبالة وغياطة»، ودون «حياحة». الخبر الذي لم يعجبك منسوب إلى مصدر في الحكومة التي تستعد لوضع رجلك فيها وليس من بنات آرائنا، وقد اتصلنا بك أكثر من مرة لتعلق عما يجري ويدور لكنك رفضت، هل تتذكر أنني اتصلت بك قبل نشر وثائق البريمات، رغم أنها كانت واضحة وضوح الشمس في نهار صيفي، للتعليق عليها ولإبداء وجهة نظرك، لكنك رفضت، هل من يقوم بمهمته هذه جزء من مؤمرة سياسية؟ وإذا كنا جزءا من هذه المؤامرة فلماذا لا تتحلى بالشجاعة وتفضحنا على رؤوس الأشهاد؟ لسنا هنا لإسعادك يا سيد مزوار الليبرالي جدا. الصحافة بطبعها مزعجة لأنها تُخرج الحقائق من الظل إلى نور الشمس. لست وحدك من يعبر عن الضيق من هذه الجريدة وخط تحريرها. رؤساء أحزاب كثيرون يعبرون عن الإحساس نفسه بأشكال مختلفة، ورئيس الحكومة نفسه غاضب منا لأننا كتبنا عنه قبل أسابيع أنه «أرنب في الحكومة». اعتبرها كلمة جارحة ومنذ ذلك الحين وهو يشتكي. في الختام، أهدي السيد مزوار هذه النكتة المعبرة. اشتكى سياسي لبناني غاضب مما تنشره الصحافة في بلاده عنه لصديقه: «انظر كم من الأكاذيب يكتبون عنا»، فرد عليه صديقه بحنكة رجل السياسة المجرب: «احمد الله أنهم يكتبون عنا بعض الأكاذيب، فلو كتبوا عنا كل الحقائق لكان وضعنا أسوأ»… نحن لا نكتب الأكاذيب، لكننا نكتب بعض الحقائق، ومع ذلك دمنا ثقيل بالنسبة إلى سياسيي هذه البلاد… الله يعفو عليهم منا أو يعفو علينا منهم!