بدأت فكرة إنشاء المتحف التربوي بوجدة، عندما انطلق المقري بدر، الباحث المغربي، والأستاذ بجامعة محمد الأول ب "وجدة" شرقي المغرب، في التنقيب والبحث عن الصور المؤرخة للحظات الفارقة في التاريخ التربوي والتعليمي لمدينة "وجدة"، التي تكنى أيضا بمدينة الألف سنة. وبعد توالي السنين منذ عام 1990 وإدراكه لقيمة الصور التي زخر بها أرشيف العديد من المؤسسات وبالخصوص الأوروبية، وأيضا ما احتفظت به خزانة عائلة المقري الشخصية اهتدى إلى ضرورة إنشاء متحف تربوي. عندما اختمرت فكرة المتحف، دق الباحث أبواب مصالح التربية والتعليم بالمدينة، وفي خضم احتفاء المغرب ب"وجدة" عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018 تم الإعلان عن تأسيس هذا المتحف بشكل رسمي، من طرف وزارة التربية والتعليم. لماذا المتحف؟ يلخص الباحث المغربي في مقابلة مع "الأناضول"، دوافع تأسيس هذا المتحف، في أمرين، الأول أن الثقافة والفكر يصيغان فكر الإنسان،لذا تنبع أهمية نشر الصور التي تحمل قيم الجمال والتي تؤرخ للحظات كانت فيها هذه القيم مشاعة. والدافع الثاني، الحرص على إبراز البعد الحضاري، الذي يظهر كيف تقاسم المجتمع المحلي فضاء العيش المشترك رغم الاختلاف الحاصل. ومن المعروف أن مدينة "وجدة" كانت خلال العقود الماضية مستقر العديد من الجاليات الأوروبية على رأسها الفرنسية والاسبانية، وميزها تنوع ديني بين المسلمين واليهود والنصارى، وكانت من بين المدن القليلة، إن لم تكن الوحيدة التي لم يٌشيد فيها ملاح خاص باليهود كما كان في باقي المدن الأخرى. ولعل الفكرة الأساسية التي يحاول المقري إيصالها من خلال هذا المتحف، هو دفع المتلقي أي الزائر، إلى الغوص في تفاصيل الصورة، واستنباط الأفكار التي يمكن للصورة المجردة المعلقة أن تخفيها في ثناياها. أعلام المتحف ويثير المتحف لدى الزائر متعة الاستكشاف، خصوصا الصور المميزة لشخصيات صنعت الفارق في الحياة الثقافية والمعرفية وحتى السياسية للمغرب. وقال المقري، إن من بين القضايا التي حظيت لديه بعناية كبرى، هي ريادة "وجدة" على مستوى الصروح المعرفية التربوية، وهي الريادة التي إكتسبتها من كون المنظومة التعليمية كانت عالمة وبانية. ومن الأمثلة على ذلك، المؤرخ جرمان عياش، وابن عمه ألبير عياش، وعمر بن جلون (قيادي يساري بارز) وهو إبن مدينة "عين بني مطهر" الواقعة 80 كلم جنوب مدينة "وجدة"، وكان من نجباء ثانوية عبد المومن ب "وجدة"، وأول من تخرج من التلاميذ المغاربة من معهد الاتصالات بمدينة باريس، سنة 1955. ولإبراز كيف أن المنظومة التعليمة كانت حاضنة لصروح معرفية، يقدم المتحف دليلا على ذلك هو المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري، الذي كان أحد تلامذة مدرسة زيري بن عطية بمدينة وجدة سنة 1950. والتنقل بين أروقة المتحف يبرز أيضا أنه تم ايلاء أهمية بالغة للتعليم العتيق ورواده خاصة في فترة الاستعمار الفرنسي(1912- 1956)، إذ كان تأسيس مدارس التعليم العتيق نوعا من أنواع المقاومة التي سارت عليها الحركة الوطنية، ويعد الحاج العربي بلحبيب سيناصر الذي توفي سنة 1931، واحد من الوجوه المستحضرة بعناية في المتحف في سياق إبراز دور التعليم العتيق. نموذج أخر لاحتضان الحركة الوطنية للمدارس الحرة، باعتبار ذلك شكلا من أشكال الممانعة ضد المشروع الاستعماري، مدرسة العروبة التي تأسست سنة 1935 بمبادرة من بعض نخب الحركة الوطنية، والسياسي علال الفاسي، وهي التي تولى إدارتها التربوية بوشتى الجامعي. صورة أيضا تبرز تقاطع العمل الاجتماعي بالعمل التربوي بالعمل المعرفي، هي ثانوية الوحدة التي شيدها بعضا من أعيان وجدة والمحسنين ما بين 1955 و 1958 ما يعتبر قيمة مضافة أن الذي اختار إسم الوحدة، هو المهدي بنبركة إذ صادف تأسيس الثانوية تشييد طريق الوحدة المشهورة بين فاس (وسط) وكتامة (شمال). قيم جمالية يضم المتحف العديد من الأعمال التي تبرز القيم الجمالية، كمثال على ذلك صور تعود لسنة 1953 تبرز كيف أن فتيات صغيرات كن يمارسن التربية الفنية في أبهى صورها. وأكد المقري أهمية المؤسسات التعليمية في إبراز المواهب. وقال في هذا الصدد "كم من علم من أعلام الموسيقى والثقافة والفكر يقول لو لم أكن أحد تلاميذ مؤسسة تعليمية لما نشأت هذه الموهبة، ومولاي الشريف لعمراني مؤسس مجموعة لمشاهب الذي كان يقول لو لم أكن تلميذا في ثانوية "عمر بوجدة" لما كنت منتسبا بحقل الموسيقى العالمية".